ويفيد التقرير الصادر ليل الثلاثاء الماضي، بدخول أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل من تنظيم "داعش" إلى العراق، عبر المحور الغربي مع محافظة الأنبار والمحور الشمالي، عبر صحراء ربيعة التابعة لمحافظة نينوى. وينقل التقرير، وفق مسؤول عسكري رفيع المستوى في وزارة الدفاع العراقية، كيف استفاد "داعش" بشكل كبير من "الهدنة التي عقدها مع فصائل سوريّة عدّة، أوقف خلالها الحرب معها، ما جعل ظهره مؤمناً بشكل كافٍ، لتعزيز مناطق التماس مع قوات الجيش ومسلحي "الحشد الشعبي"، المرابطة على تخوم المحافظات الغربية والشمالية من العراق".
ويؤكد التقرير نقل "داعش" مقاتليه عبر الحدود المشتركة بين العراق وسورية، "بحريّة كبيرة عبر سيّارات رباعية الدفع، من دون استقدام أي معدات عسكريّة معها". ويوضح أنّ "موجات المقاتلين دخلت بهذا الشكل الكبير، ومن غير الممكن أن تكون طائرات التحالف، التي تطبق على الأجواء العراقية، لم تلاحظها أو ترصد واحدة من تلك القوافل، على الرغم من أنها استمرت لأيام عدّة، بالوتيرة ذاتها، من دون توقّف".
وتمكّن سلاح الجو العراقي، وفق التقرير، من شنّ ضربات مباشرة على أربع قوافل منها، وألحق خسائر بشرية كبيرة في صفوف التنظيم، في وقت "لا تزال فيه جثث عدد من مقاتليه متناثرة في الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين، مع حطام السيّارات التي كانوا يستقلونها".
ويشير التقرير إلى أنّ "جزءاً من المقاتلين الجدد تمركزوا في المدن، التي يسيطر عليها التنظيم بإحكام، فيما توزّع غالبية المقاتلين الآخرين على مدن التماس مع قوات الجيش والميليشيات على شكل مجموعات منظمة".
وتتزامن هذه المعطيات مع استمرار القوات العراقية في عمليات حشيد وتعبئة قواتها حول أسوار العاصمة بغداد، حيث وصلت صباح الثلاثاء الماضي، خمسة أفواج قتالية جديدة آتية من مناطق في جنوب العراق، ترافقها مليشيات مسلحة تستقلّ سيارات مدنية، واتخذت من المناطق الحدوديّة للعاصمة، من جهاتها الجنوبيّة والغربيّة والشماليّة مقرات لها، فيما يشهد المحور الشرقي هدوءاً نسبياً مع انتشار بسيط للقوات الأمنيّة والميليشيات، بسبب خلو المحور من أي جيوب لتنظيم "داعش"، وفقاً لمسؤولين أمنيين عراقيين.
ويرجع الخبير في الشأن الأمني العراقي، فؤاد علي، سبب انتقال الأعداد الكبيرة لتنظيم داعش من سورية للعراق إلى "هشاشة وضع المؤسّسة العسكريّة في البلاد، وسهولة التوغّل من دون منافس من فصائل أخرى، بعد تجميد أو إلقاء أغلب الفصائل الأخرى المناوئة لـ"داعش" أسلحتها، فضلاً عن محاولة داعش جرّ الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة معه في البلاد". ويقول علي لـ"العربي الجديد" إنّ "الأيام أو الأسابيع المقبلة ستكون مليئة بالمفاجآت الثقيلة على المستويين السياسي والعسكري في العراق"، معتبراً أنّ "على القادة العراقيين أن يعلموا حقيقة مجردة مفادها بأنّ "داعش" دخل العراق ليبقى وعليهم الاختيار بين بقائه أو دخول القوات الغربية".
وفي موازاة إشارة علي إلى أنّ "الرافضين لتدخّل بري غربي ضد "داعش" وهم المعارضة الحليفة لإيران، كانوا آنذاك أول المرحبين به كقوات احتلال للإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، وهو ما يجعلنا متأكدين من أن إيران تقف وراء هذا الرفض"، تستمرّ نداءات قيادات سياسيّة وعشائريّة عراقيّة لضرورة استدعاء قوات بريّة أميركيّة أو غربيّة، متعدّدة الجنسيات لحماية العاصمة.
ويقول القيادي في التحالف الكردستاني، حمة أمين، إنّ "الموقف الكردي من التدخّل البري الغربي في العراق هو عدم الممانعة لأن وضع العراق بات خطيراً"، لافتاً إلى أنّ "الأكراد يجدون في "داعش" تهديداً خطيراً على وحدة واستقلال البلاد وإمكانية انهيار النظام السياسي فيه، خصوصاً بعد تقدم داعش الاخير في مناطق عراقية جديدة قرب بغداد". ويلفت إلى أنّ "القوات البريّة الأجنبيّة لن تكون محتلة، بقدر ما هي قوات مساعدة للعراقيين لتخليصهم من التنظيم، الذي يزداد قوّة بشكل مستمر".
وفي تغيير ملحوظ لقيادات في التحالف الوطني حول التدخّل العسكري البريّ الغربي في العراق، يرى النائب إبراهيم بحر العلوم أنّ "الحكومة العراقيّة هي الجهة الوحيدة، القادرة على تقدير الحاجة إلى تلك القوات من عدمها". ولم يتردّد في الإعراب عن اعتقاده، في تصريح داخل البرلمان، يوم الثلاثاء الماضي، بأنّ "رئيس الوزراء قد يطرح الموضوع على البرلمان العراقي لمناقشته، باعتبار أنّ القضيّة تمسّ السيادة العراقيّة، على أن يدلي البرلمان برؤيته، وفق الدستور".
في المقابل، تنظر بعض القيادات غلى هذه المطالبة على أنّها مطالبة بالتدخّل الخارجي. وفي هذا السياق، يوضح القيادي في كتلة "الأنبار أولاً" فريد العيساوي، أنه "يبدو أنّ القيادات السياسيّة في العراق تريد دخول "داعش"، إلى بغداد، وأن تتجول فيها، كي يعلنوا صرخات الاستغاثة للغرب بالتدخل". ويضيف "علينا الاعتراف بأنّه لا قوات كافية لدينا لردّ الخطر عن بغداد أو تحرير مدننا الأخرى التي يسير عليها، وكل ما نفعله الآن هو زيادة معاناة الأبرياء في مهجرهم أو داخل منازلهم".