منذ تمأسس المشروع الأوروبي، كثالث أعمدة المثلث الرأسمالي الكوني (إلى جانب اليابان والولايات المتحدة)، ظلّ معارضوه من فئتين اثنتين: يسار ويمين قومي، مع بقاء الغلبة للفئة الأولى بشكل شبه دائم. بقي الرفض اليساري الراديكالي، ينطلق من كون الاتحاد الأوروبي تكتلاً رأسمالياً يضيّق الحدود لا يفتحها، ويخدم رأس المال لا الناس، ويتيح استغلال اليد العاملة الأرخص بشعار حرية انتقال البضائع والمال والبشر لأعضائه الـ28. يكاد اليسار الفرنسي الشيوعي والجذري، يختصر، في جميع مؤتمراته وتحركاته، الموقف بعنوان "نحو مشروع أوروبي اجتماعي" أو "نحو أوروبا إنسانية"، في إشارة إلى توحش مؤسسات الاتحاد وليبراليتها الاقتصادية التي قضت على صغار المزارعين وصغار الصناعيين والحرفيين وفتحت أبواب الجنة للشركات الكبيرة عابرة للحدود وللجنسيات.
في المقابل، لطالما ظلّ اليمين الأوروبي المتطرف واليمين القومي الانفصالي يختصر معارضته للمشروع الأوروبي بعناوين شوفينية تلامس العنصرية أو توغل فيها، بما أن المرفوض كان ولا يزال، في حالات اليمين القومي، هو "الغريب". الغريب الفرنسي والألماني المكروه بريطانياً، والغريب المسلم طبعاً، و"الغريب" الفقير، وهو الأهم والأشهر (من دون أن يفسّر ذلك انتخاب صادق خان لرئاسة بلدية لندن قبل أقل من شهرين من الزلزال البريطاني الانعزالي).
حتى حين كان يحمل هذا اليمين القومي الشوفيني في طيات رفضه للاتحاد الأوروبي، شعارت اقتصادية ضد الرأسمالية، فذلك بقي من خلفية رفض قرارات رأسمالية صادرة عن غير بريطانيين أو عن غير ألمان أو عن غير فرنسيين... وليس ضد المؤسسة الرأسمالية نفسها وتوحشها وقوانينها، بل ضد جنسية وهوية القيمين عليها أو الصادرة عنهم.
لكن الاستفتاء البريطاني وقرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، ذات 23 يونيو/ حزيران، أتى ليثبت حقائق جديدة بالجملة، وليكسر قوانين ظلّ العالم يظن أنها صحيحة في كل زمان ومكان: أول ما يعنيه قرار 52 في المئة من البريطانيين الخروج من الاتحاد، هو ضعف التنظيم لدى اليسار من جهة، في مقابل متانته عند اليمين القومي؛ الأول لم يستطع يوماً في تاريخه أن يضع على جدول أعمال العالم مطلب استفتاء شعبي للانتقال إلى اتحاد أوروبي اجتماعي أكثر إنسانية، بينما تمكن اليمين القومي من هزّ العالم برفض الاتحاد، أي اتحاد، ونجح فيه.
الدرس الثاني أن اللوبيات وتجمعات ونقابات رجال الأعمال والمصارف والإعلام والتجار... ليس حتمياً أن تفوز في الاستحقاقات الانتخابية الكبرى على قوى شعبية كنا نظن أنها غير منظمة. ففي حين أيدت معظم اللوبيات البريطانية ونقاباتها وأحزابها خيار البقاء في الاتحاد، لم يحصل معسكر الخروج فعلياً على تأييد لوبي واحد كبير وقوي وفاعل مثلما حصل في المعسكر الآخر الخاسر.
ثالث عِبر الاستفتاء البريطاني أنّ شعارات "القرار للشباب" يبقى بلا قيمة كبيرة، عندما نعلم أن الغالبية الساحقة ممّن صوّتوا لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي يبلغون من السن بين 18 و49 عاماً، بينما كان الخروج مفضّلاً لدى الفئة العمرية التي يتجاوز سنها الخمسين. هكذا، يبدو عجزة الرأسمالية أقوى من فتيتها وشبابها.
رابع خلاصات الحدث البريطاني، أنّ النظام الرأسمالي واقع في أزمة حقيقية هذه المرة، ليس كما درج أرباب اليسار على تكراره منذ عقود. للمرة الأولى بهذا الانقسام العمودي، يتواجه معسكران ينتميان إلى المدرسة الرأسمالية نفسها. يتواجهان حدّ الاستنزاف ربما: رأسمالية محلية انعزالية (كان التوسع واجتياز الحدود وعدم الاعتراف بها من سمات الرأسمالية تاريخياً)، ضد رأسمالية أوروبية. لكن يفوت اليسار الخائب أن النصر كان في النهاية للرأسمالية، العجوزة، الانعزالية، لكن الرأسمالية جداً في النهاية.
في المقابل، لطالما ظلّ اليمين الأوروبي المتطرف واليمين القومي الانفصالي يختصر معارضته للمشروع الأوروبي بعناوين شوفينية تلامس العنصرية أو توغل فيها، بما أن المرفوض كان ولا يزال، في حالات اليمين القومي، هو "الغريب". الغريب الفرنسي والألماني المكروه بريطانياً، والغريب المسلم طبعاً، و"الغريب" الفقير، وهو الأهم والأشهر (من دون أن يفسّر ذلك انتخاب صادق خان لرئاسة بلدية لندن قبل أقل من شهرين من الزلزال البريطاني الانعزالي).
حتى حين كان يحمل هذا اليمين القومي الشوفيني في طيات رفضه للاتحاد الأوروبي، شعارت اقتصادية ضد الرأسمالية، فذلك بقي من خلفية رفض قرارات رأسمالية صادرة عن غير بريطانيين أو عن غير ألمان أو عن غير فرنسيين... وليس ضد المؤسسة الرأسمالية نفسها وتوحشها وقوانينها، بل ضد جنسية وهوية القيمين عليها أو الصادرة عنهم.
لكن الاستفتاء البريطاني وقرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، ذات 23 يونيو/ حزيران، أتى ليثبت حقائق جديدة بالجملة، وليكسر قوانين ظلّ العالم يظن أنها صحيحة في كل زمان ومكان: أول ما يعنيه قرار 52 في المئة من البريطانيين الخروج من الاتحاد، هو ضعف التنظيم لدى اليسار من جهة، في مقابل متانته عند اليمين القومي؛ الأول لم يستطع يوماً في تاريخه أن يضع على جدول أعمال العالم مطلب استفتاء شعبي للانتقال إلى اتحاد أوروبي اجتماعي أكثر إنسانية، بينما تمكن اليمين القومي من هزّ العالم برفض الاتحاد، أي اتحاد، ونجح فيه.
الدرس الثاني أن اللوبيات وتجمعات ونقابات رجال الأعمال والمصارف والإعلام والتجار... ليس حتمياً أن تفوز في الاستحقاقات الانتخابية الكبرى على قوى شعبية كنا نظن أنها غير منظمة. ففي حين أيدت معظم اللوبيات البريطانية ونقاباتها وأحزابها خيار البقاء في الاتحاد، لم يحصل معسكر الخروج فعلياً على تأييد لوبي واحد كبير وقوي وفاعل مثلما حصل في المعسكر الآخر الخاسر.
ثالث عِبر الاستفتاء البريطاني أنّ شعارات "القرار للشباب" يبقى بلا قيمة كبيرة، عندما نعلم أن الغالبية الساحقة ممّن صوّتوا لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي يبلغون من السن بين 18 و49 عاماً، بينما كان الخروج مفضّلاً لدى الفئة العمرية التي يتجاوز سنها الخمسين. هكذا، يبدو عجزة الرأسمالية أقوى من فتيتها وشبابها.
رابع خلاصات الحدث البريطاني، أنّ النظام الرأسمالي واقع في أزمة حقيقية هذه المرة، ليس كما درج أرباب اليسار على تكراره منذ عقود. للمرة الأولى بهذا الانقسام العمودي، يتواجه معسكران ينتميان إلى المدرسة الرأسمالية نفسها. يتواجهان حدّ الاستنزاف ربما: رأسمالية محلية انعزالية (كان التوسع واجتياز الحدود وعدم الاعتراف بها من سمات الرأسمالية تاريخياً)، ضد رأسمالية أوروبية. لكن يفوت اليسار الخائب أن النصر كان في النهاية للرأسمالية، العجوزة، الانعزالية، لكن الرأسمالية جداً في النهاية.