تطور نوعي إلى جانب قدرات لم تكن معروفة مسبقاً لأجهزة أمن الاحتلال الاستخبارية، ميزت عمل المقاومة الفلسطينية في العدوان الأخير على قطاع غزة، وحققت المقاومة بفضل جهد سنوات من الاعداد تحت الأرض وفوقها، إنجازات ميدانية وعسكرية في المعركة غير المتكافئة التي استمرت 51 يوماً. وكان لافتاً أن جُل ما أظهرته المقاومة من قدرات صاروخية ودفاعية واستخبارية، كان من صناعتها المحلية، ما مكنها من خوض حرب أطول وقتٍ من حربين خاضتهما في 2008 و2012. وطرح صمود المقاومة الفلسطينية وقوتها في المواجهة العسكرية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، تساؤلات عن كيفية إدارتها المعركة، والحفاظ على ترسانتها العسكرية حتى اللحظات الأخيرة قبل إعلان وقف إطلاق النار.
يرى المختص في الشؤون الإسرائيلية، ناجي البطة، أن المقاومة خاضت المعركة وفق خطة معدة سلفاً استخلصت فيها العبرة من عدواني2008/ 2012، بجانب منظومة سياسية دافعت عن شروط المقاومة، وجبهة داخلية وفّرت كافة عوامل الانتصار والصمود للمقاومة. ويقول البطة لـ"العربي الجديد": إن المقاومة تميزت بإدارة معركة أمنية وعسكرية، فعلى أرض الميدان، اتبعت خطط الجيوش العسكرية المنظمة، فوزعت القوة النارية ومقاتليها بشكل مدروس على مناطق المواجهة كافة مع الاحتلال. ويعتقد البطة، أن المقاومة شكلت لجنة استخلاص عِبَر للتعلم من الأخطاء التي وقعت فيها في المواجهات العسكرية السابقة، وترسيخ نقاط القوة ومضاعفتها، مبيناً أن وجود ثغرات أمنية هو شيء متوقع في أية مواجهة، بالإشارة إلى اغتيال الاحتلال ثلاثة من قياديي القسام في رفح جنوب القطاع.
ودعّمت المقاومة مواجهتها العسكرية بقدرات استخباراتية، من خلال رصدها، قبل المعركة وخلالها، المواقع العسكرية الإسرائيلية المنتشرة عند الحدود، وكذلك حشودات الدبابات والجنود، الأمر الذي يؤكد تزامن قصف المقاومة لبعض المواقع أثناء وجود قيادات إسرائيلية عسكرية أو سياسية، وفق البطة. ويشير الرجل إلى أن المقاومة الفلسطينية قبل خوض المعركة العسكرية، حققت نجاحات أمنية شكلت مفاجآت غير محسوبة لقادة الاحتلال، وخاصة بعد أن أخفت بشكل تام عمليات حفر الأنفاق، من خلال إطلاق الصواريخ وإمداد المقاتلين بالأسلحة والمعدات، أو عبر الأنفاق المعدة لتنفيذ عمليات إنزال خلف خطوط العدو. من جهته، يربط رئيس تحرير صحيفة "الرسالة" المحلية، وسام عفيفة، بين صمود المقاومة على مدار أيام العدوان، وبين مرحلة الإعداد الصامت التي خاضها رجال المقاومة خلال السنوات السابقة، والتي شكلت في حد ذاتها مفاجأة للمستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي. ويشير عفيفة في تصريحٍ لـ"العربي الجديد" إلى أن المقاومة حققت نجاحات عدة كانت كفيلة بتحقيق النصر، إذ جرّت الاحتلال نحو الاجتياح البري، فتعاملت مع جنود الاحتلال وفق حرب العصابات، مما كبده خسائر في الأرواح والمعدات لم يكن يتوقعها، إلى جانب ضرب معنويات الجبهة الداخلية، تحديداً عندما نشر مقطع فيديو يظهر اقتحام موقع عسكري إسرائيلي وصراخ أحد الجنود قبل الإجهاز عليه من "كتائب القسام".
ويؤكد عفيفة أن المقاومة خاضت المعركة بذكاء، فنجحت في تهييج الجبهة الداخلية الإسرائيلية ضد حكومة وقادة الجيش الإسرائيلي، عبر إجبار مئات العائلات على النزوح من مستوطنات ما يعرف بـ"غلاف غزة" نحو وسط إسرائيل وشمالها، فضلاً عن تعطيل جزئي لحركة الطيران من وإلى مطار بن غوريون. ويشدد عفيفة على أن تنسيق الجهود بين الأذرع العسكرية للفصائل، ساهم في تحقيق النصر وتقليل الخسائر، فركزت المقاومة في الأسبوع الأخير مثلاً على قصف مستوطنات "غلاف غزة" واستخدام قذائف الهاون.
ويلفت الرجل إلى أن المقاومة تفوقت أخلاقياً على الاحتلال بتركيز عملياتها على جنود الاحتلال والمواقع العسكرية، فيما كان الاحتلال قاصداً في عدوانه بالدرجة الأولى المدنيين الفلسطينيين. وتوقع أن تشكل دولة الاحتلال لجنة تقصي حقائق للتحقيق في الإخفاقات على المستوى السياسي والعسكري، وأن تطيح هذه اللجنة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب، موشي ياعلون، ورئيس أركان الجيش، بيني غانتس.