30 ابريل 2016
عدو يحترم الشجعان فقط
أخيراً، هدأ أزيز الرصاص ودويّ القنابل، وأُتيحت الفرصة للسكان المذعورين، للتلصص عن بُعد، لمعرفة نتائج المعركة الضارية التي استمرت ساعات طويلة، بين قوات ضخمة من الجيش الإسرائيلي، مدعومة بالطائرات، ومقاتل فلسطيني واحد.
كان هذا في بداية حقبة السبعينيات، وكان والدي شاهدا على الحدث الذي دار داخل مستشفى الشفاء في مدينة غزة. دفعه، ولم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره إلى الصعود على سطح المنزل، غير آبه بصرخات جدتي، مُسترقاً النظر نحو مباني المشفى الذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن المنزل.
كان مشهداً عجيباً، أربعة ضباط كانوا يعتلون سطح مبنى "سكن الممرضات"، يقتربون من جثّة المقاتل الفلسطيني الذي ينتمي لعائلة بكر، (عائلة كبيرة تقطن غرب غزة)، قبل أن ينتظموا في سطر مستقيم أمام الجسد المُسجّى، ثم يؤدون له التحية العسكرية. صُدم والدي من غرابة المشهد، فلقد اعتقد للوهلة الأولى، أنهم سيمثّلون بجثة الفدائي الصنديد، بعد أن أذاقهم ساعات طويلة ألواناً من العذاب، وقَتل وجرح منهم عشرات، لكن شجاعته الفائقة أجبرتهم على احترامه.
تذكرت القصة، وأنا أقرأ اعتراف رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال بيني غانتس، بأن المقاومة الفلسطينية قاتلت بشكل مشرف في أثناء العدوان الإسرائيلي أخيراً على غزة، فقد قال في ندوة في قاعدة عسكرية، الأسبوع الماضي: يجب أن أقول بصراحة إننا قاتلنا أمام رجال وناس شجعان (..) أن تركض وتضع عبوة ناسفة فوق الدبابة. هذا تصرف أناس شجعان.
في المقابل، تمتلئ صفحات تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي، الحديث، بعشرات القصص التي تؤكد احتقار إسرائيل لكل من يتعاون معها. وليس أدل على ذلك، من قصة (جيش لبنان الجنوبي) الذي أنشأته إسرائيل، حيث لم تكلّف نفسها عناء إخباره بنيتها الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو/أيار 2000، وتركته يواجه مصيره، فما كان من عناصره إلا الهرب هائمين على وجوههم نحو إسرائيل. وفيها واجه هؤلاء العملاء الهوان، ما اضطر غالبيتهم للهجرة، حسب مصادر إسرائيلية رسمية ذكرت "أن أغلبية عملاء جيش لبنان الجنوبي في إسرائيل هاجروا، وفضّل بعضهم العودة إلى لبنان، على الرغم من معرفتهم بأن السجن ينتظرهم، وأن نحو نصفهم عاطل عن العمل". ونقل تقرير نشره موقع "الجزيرة نت" في الأول من إبريل/ نيسان 2012 عن ضابط سابق في الجيش المذكور، يدعى نمر صقر، قوله:" إسرائيل عاملتنا معاملة الكلاب"، أما زميله فواز نجم فقال إنه وزملاءه خانوا وطنهم من أجل إسرائيل، لكنها خانتهم، "والعودة إلى لبنان ومواجهة حكم بالإعدام والموت بكرامة أفضل من العيش هنا في هذه الظروف".
ولا يختلف الأمر بالنسبة للعملاء الفلسطينيين، حيث أظهرت نتائج كثيرة لتحقيقات المقاومة والأجهزة الأمنية مع العملاء أنهم كانوا يتقاضون مكافآت تافهة في مقابل الأعمال "الخطيرة" التي نفذوها.
وحينما ينكشف أمر العميل، تذهب كل وعود جهاز المخابرات الإسرائيلي له بحمايته أدراج الرياح؛ حيث تتركه يواجه مصيره، وهذا غالباً عقوبة الإعدام. وفي حال تمكّن العميل من الهرب إلى داخل إسرائيل، لن يجد فيها سوى الذل والهوان، ما قد يدفع به إلى إدمان المخدرات، كما أظهرت الصحافية الإسرائيلية، داليا شخوري، في تقرير صحفي نشرته في 4-12-2006، عن معاناة عشرة عملاء هاربين إلى إسرائيل أدمنوا على المخدرات، بغرض الهروب من واقعهم المؤلم. والمثير أن التقرير ختم بخلاصة بحث علمي، أجراه الدكتور فيتلي تفلاف، من قسم الإجرام، في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، قال فيه: "يرى المجتمع الإسرائيلي في العميل خارقاً للمعايير، إنه خائن شعبه، ومن يعلم من سيخون في المرة المقبلة؟، ومتى؟ وهو يرفضه، الأمر الذي يؤدّي إلى ردّات فعل نفسية صعبة في داخله (العميل)، الأمر الذي يدفعه إلى تعاطي المخدرات والسلوك الإجرامي".
كان هذا في بداية حقبة السبعينيات، وكان والدي شاهدا على الحدث الذي دار داخل مستشفى الشفاء في مدينة غزة. دفعه، ولم يكن قد تجاوز الثامنة عشرة من عمره إلى الصعود على سطح المنزل، غير آبه بصرخات جدتي، مُسترقاً النظر نحو مباني المشفى الذي لا يبعد سوى عشرات الأمتار عن المنزل.
كان مشهداً عجيباً، أربعة ضباط كانوا يعتلون سطح مبنى "سكن الممرضات"، يقتربون من جثّة المقاتل الفلسطيني الذي ينتمي لعائلة بكر، (عائلة كبيرة تقطن غرب غزة)، قبل أن ينتظموا في سطر مستقيم أمام الجسد المُسجّى، ثم يؤدون له التحية العسكرية. صُدم والدي من غرابة المشهد، فلقد اعتقد للوهلة الأولى، أنهم سيمثّلون بجثة الفدائي الصنديد، بعد أن أذاقهم ساعات طويلة ألواناً من العذاب، وقَتل وجرح منهم عشرات، لكن شجاعته الفائقة أجبرتهم على احترامه.
تذكرت القصة، وأنا أقرأ اعتراف رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي، الجنرال بيني غانتس، بأن المقاومة الفلسطينية قاتلت بشكل مشرف في أثناء العدوان الإسرائيلي أخيراً على غزة، فقد قال في ندوة في قاعدة عسكرية، الأسبوع الماضي: يجب أن أقول بصراحة إننا قاتلنا أمام رجال وناس شجعان (..) أن تركض وتضع عبوة ناسفة فوق الدبابة. هذا تصرف أناس شجعان.
في المقابل، تمتلئ صفحات تاريخ الصراع الإسرائيلي العربي، الحديث، بعشرات القصص التي تؤكد احتقار إسرائيل لكل من يتعاون معها. وليس أدل على ذلك، من قصة (جيش لبنان الجنوبي) الذي أنشأته إسرائيل، حيث لم تكلّف نفسها عناء إخباره بنيتها الانسحاب من الجنوب اللبناني في مايو/أيار 2000، وتركته يواجه مصيره، فما كان من عناصره إلا الهرب هائمين على وجوههم نحو إسرائيل. وفيها واجه هؤلاء العملاء الهوان، ما اضطر غالبيتهم للهجرة، حسب مصادر إسرائيلية رسمية ذكرت "أن أغلبية عملاء جيش لبنان الجنوبي في إسرائيل هاجروا، وفضّل بعضهم العودة إلى لبنان، على الرغم من معرفتهم بأن السجن ينتظرهم، وأن نحو نصفهم عاطل عن العمل". ونقل تقرير نشره موقع "الجزيرة نت" في الأول من إبريل/ نيسان 2012 عن ضابط سابق في الجيش المذكور، يدعى نمر صقر، قوله:" إسرائيل عاملتنا معاملة الكلاب"، أما زميله فواز نجم فقال إنه وزملاءه خانوا وطنهم من أجل إسرائيل، لكنها خانتهم، "والعودة إلى لبنان ومواجهة حكم بالإعدام والموت بكرامة أفضل من العيش هنا في هذه الظروف".
ولا يختلف الأمر بالنسبة للعملاء الفلسطينيين، حيث أظهرت نتائج كثيرة لتحقيقات المقاومة والأجهزة الأمنية مع العملاء أنهم كانوا يتقاضون مكافآت تافهة في مقابل الأعمال "الخطيرة" التي نفذوها.
وحينما ينكشف أمر العميل، تذهب كل وعود جهاز المخابرات الإسرائيلي له بحمايته أدراج الرياح؛ حيث تتركه يواجه مصيره، وهذا غالباً عقوبة الإعدام. وفي حال تمكّن العميل من الهرب إلى داخل إسرائيل، لن يجد فيها سوى الذل والهوان، ما قد يدفع به إلى إدمان المخدرات، كما أظهرت الصحافية الإسرائيلية، داليا شخوري، في تقرير صحفي نشرته في 4-12-2006، عن معاناة عشرة عملاء هاربين إلى إسرائيل أدمنوا على المخدرات، بغرض الهروب من واقعهم المؤلم. والمثير أن التقرير ختم بخلاصة بحث علمي، أجراه الدكتور فيتلي تفلاف، من قسم الإجرام، في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، قال فيه: "يرى المجتمع الإسرائيلي في العميل خارقاً للمعايير، إنه خائن شعبه، ومن يعلم من سيخون في المرة المقبلة؟، ومتى؟ وهو يرفضه، الأمر الذي يؤدّي إلى ردّات فعل نفسية صعبة في داخله (العميل)، الأمر الذي يدفعه إلى تعاطي المخدرات والسلوك الإجرامي".