تتوارد الأنباء بشكل شبه يومي عن حالات قتل على أيدي مجهولين، أو حالات اعتقال من قبل أجهزة أمن النظام السوري، تستهدف الشخصيات التي انتقلت من جانب المعارضة إلى صفوف النظام بموجب المصالحات التي ضمنها الروس وقدموا تعهدات بإجبار النظام على الالتزام بها، بما يتعلق بضمان تسوية أوضاع من قَبِل بتلك المصالحات وضمان أمنه وسلامته. ولعل أكثر المستهدفين، هم الشخصيات التي لعبت دوراً أثناء وجودها مع المعارضة وساهمت بإقناع المواطنين بتلك المصالحات مقابل إعطائها بعض الامتيازات من قبل النظام.
ولعل أكثر المناطق التي تشهد عمليات تصفية لعرّابي المصالحات هي محافظة درعا، التي استخدم فيها كل من روسيا والنظام شخصيات مدنية وعسكرية معارضة في إقناع سكان المحافظة بالقبول بالمصالحة مع النظام مقابل توكيلهم مهمة إدارة مدن وبلدات المحافظة مدنياً، وتسليم العسكريين منهم مناصب قيادية في بعض المليشيات الموالية للنظام مقابل إقناع شباب المحافظة بالتطوع لدى تلك المليشيا. إلا أن النظام السوري، وبتواطؤ مع الروس، بدأ اتباع وسائل متعددة للتخلص من تلك الشخصيات، بالرغم من كل فروض الطاعة والولاء التي قدمتها له، وبالرغم من الخدمات الكبيرة التي قامت بها وسهلت سيطرته على المحافظة.
فبالنسبة للعناصر العسكرية التي تحولت من طرف المعارضة إلى طرف النظام، كان أمر التخلص منها يتم من خلال وضعها في الصفوف الأمامية في مواجهة رفاق الأمس في المعارضة، أو في مواجهة التنظيمات المتطرفة. ومن لم يقتل منهم في تلك المعارك تواردت أنباء عن تصفية قسم منهم أثناء المعارك من خلال الفصيل نفسه الذي يقاتلون معه. أما قادة المعارضة الذين أصبحوا قادة ضمن مليشيا النظام، فتم اعتقال قسم كبير منهم وفق القانون، ومن خلال إقناع بعض المواطنين برفع دعاوى ضدهم حول انتهاكات ارتكبوها أثناء وجودهم مع المعارضة.
أما عرابو المصالحات من الشخصيات المدنية الذين تم تسليمهم مناصب في إدارة البلديات والوحدات الإدارية فمعظمهم تم التخلص منهم من خلال عمليات تصفية نُسبت لمجهولين، أو من خلال حوادث مفتعلة تم التعامل معها على أنها أحداث قدرية. إن عملية التصفية الممنهجة لكل من صدّق كذبة العودة إلى حضن الوطن تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام، الذي ارتكب كل تلك المجازر بحق من يفترض أنهم مواطنوه في فترة ضعفه، من المستحيل أن يقبل بالمصالحة مع من رفع صوته في وجهه يوماً ما، خصوصاً أنه يتعامل مع نفسه بأنه في فترة انتصار، والتي تعني بمفهومه أنها وقت الانتقام من كل من عارضه مهما قدم من تنازلات، وهو يتعامل مع كل عرّابي المصالحات كأدوات انتهى دورها، وحان وقت التخلص منها.