عادة ما يفضّل العراقيون حل مشاكلهم بأنفسهم، أو الاستعانة بالأقارب والجيران أو وجهاء العشائر، بدلاً من اللجوء إلى مراكز الشرطة. فالاحتكام إلى الأخيرة قد يضرّ بسمعة العائلات.
مرّت خمسة أعوام وما زالت أم سحر ترفض اللّجوء إلى الشرطة لحلّ الخلاف بين أبنائها وأشقائها. تدرك أن الوجود في مراكز الشرطة قد يضر بسمعتها وسمعة بناتها. لذلك، تصرّ على رفض تدخل الجهات المتخصّصة لحلّ النزاع، وتفضل الانتظار.
رامي ع. (33 عاماً) أيضاً يضع اسم العائلة فوق كلّ اعتبار، ويرفض أن يلجأ أيّ من أفراد عائلته إلى مراكز الشرطة لتسجيل شكوى ضد زوجة والده على خلفية تتعلّق بالإرث. يقول لـ "العربي الجديد": "أعرف جيّداً أن زوجة والدي تضطرنا للجوء إلى المحاكم، لكن هذا فضح لخصوصية العائلة التي لم تلجأ يوماً إلى القضاء أو تدخل مراكز الشرطة". يضيف أنّ زوجة والده "ورغم أنّها حصلت على حقوقها، توجهت إلى المحكمة ورفعت دعوى ضدنا، ما جعلني أوكل محامياً، بدلاً من مثول أفراد عائلتي أمام القضاء".
يتابع رامي، وهو أستاذ جامعي، أنّ مركز العائلة الاجتماعي جعله يتنازل عن بعض التفاصيل التي "لا تستحقّها زوجة والدي"، بالإضافة إلى خوفه من الذهاب إلى المحكمة ومراكز الشرطة، خصوصاً أن "هذه الأماكن لا تخلو من الفاسدين والمخبرين. عادة ما أتجنب هذه الأمور حفاظاً على عائلتنا وتقاليدنا وأعرافنا".
من جهتها، تقول زوجة أحد المعتقلين المحكوم عليه بالإعدام، وتدعى سمية ن. (42 عاماً)، إنّ "سوء أخلاق بعض ضباط وعناصر الشرطة جعلني أتنازل عن القضية". تضيف أن زوجها متّهم بالعمل مع الجماعات المسلحة، وقد حكم عليه بالإعدام. ولأنه مطلوب، لم تتمكّن من استحصال الجنسية العراقية لابنيها. تقول: "تقدّمتُ بدعوى طلاق غيابي، إلّا أن عدداً من عناصر الشرطة بدأوا بمساومتي، على أن يسرّعوا في حلحلة القضية"، لافتة إلى أن أحدهم طلب المال. "وجدتُ نفسي بين مجموعة من الذئاب، كلّ واحد كان يريدني أن أتنازل عن شيء للحصول على الطلاق الغيابي، حتى يتسنى لأبنائي الحصول على هوية الأحوال المدنية، وراتب الرعاية الاجتماعية".
في هذا السياق، يقول الصحافي حيدر الكرخي إنّ "الأعراف والتقاليد والمجتمع العشائري عوامل تمنع عائلات عراقية من دخول مراكز الشرطة". يضيف أنّه لا يمكن للعراقيين التخلّي بسهولة عن قيمهم ومبادئهم وتقاليدهم المتوارثة، لافتاً إلى أنّ نحو 70 في المائة من المواطنين يجدون صعوبة في دخول مراكز الشرطة لحل قضاياهم، فكانت الشرطة المجتمعية هي البديل. ويرى أنّ الشرطة المجتمعية ثقافة جديدة يتقبلها بعضهم ويرفضها آخرون، وهنا يأتي دور الإعلام والمنظمات والجهات المعنية بتثقيف المجتمع حول دور الشرطة المجتمعية، وضرورة الحفاظ على الخصوصية. يلفت إلى أن النساء أكثر حذراً من دخول مراكز الشرطة أو الحديث مع شيوخ العشائر حول قضاياهن، ما يعني أنهن قد يتحدثن بحرية أكبر إلى الشرطيّات.
من جهته، يرى الناشط المدني ماجد الجبوري (38 عاماً) أنّ وصول المشاكل الأسرية في العراق إلى مراكز الشرطة يعني زيادتها، لتصير أكثر تعقيداً بسبب الروتين والمسار القانوني في مراكز الشرطة. لذلك، تتجنب بعض الأسر الذهاب إلى مراكز الشرطة، لافتاً إلى أن هذا الأمر كان سائداً في المناطق الريفية أو المناطق ذات الطابع العشائري. لكن في الآونة الأخيرة، بات ساكنو المناطق الحضرية يلجؤون إلى العرف القبلي أو العشائري لحلّ مشاكلهم، بدلاً من تعقيدات المحاكم، وهدر الوقت والمال.
يلفت الجبوري إلى أنّ بعض عناصر الشرطة يستغلّون مشاكل الناس ويبتزون العائلات للاستفادة منها مادياً أو غير ذلك. ومع زيادة نسبة المشاكل الأسرية، زاد الاستغلال، ما يدفع أسراً كثيرة إلى البحث عن وسائل أخرى لحل مشاكلها. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أن المشاكل مستمرة ولا تنتهي، مشيراً إلى أن خوف المجتمع من اللجوء إلى مراكز الشرطة مبرر، خصوصاً النساء "في مجتمعنا العراقي، ورغم الانفتاح على العالم، يرى كثيرون أنه من المعيب أن تدخل المرأة إلى مركز للشرطة وترفع دعوى".
إلى ذلك، يفضّل المزارع أبو طارق الشمري (58 عاماً) أن يتدخّل وجهاء المنطقة لحلّ الخلافات الأسرية المتعلقة بالأراضي. ويشير إلى قصّة جاره التي باتت على كلّ لسان، بعدما لجأ إلى الشرطة بسبب خلاف عائلي بينه وبين زوجته. ولم تُحسم القضيّة بعد رغم مرور أكثر من عام. يضيف لـ "العربي الجديد": "لا يمكن أن أفعل أمراً مماثلاً مع أشقائي، لذلك فضلت طلب المساعدة من الجيران والأقارب ووجهاء المنطقة".
من جهته، يؤكّد الضابط في شرطة ديالى علي طالب، لـ "العربي الجديد"، أنّه حدث أن تناول بعض عناصر الشرطة المشاكل الأسرية خارج مراكز عملهم، وهذا انتهاك لخصوصية الناس. في الوقت نفسه، يشير إلى أهميّة أن تثق العائلات العراقية بالشرطة المجتمعية التي فعّلتها وزارة الداخلية، لافتاً إلى أن "هذا أمر حضاري وموجود في غالبية المجتمعات، وهي أقرب إلى الأسر". ويؤكد ضرورة أن يكون هناك التزام واحترام من قبل عناصر الشرطة للمواطنين، بدلاً من اتساع الفجوة وزعزعة الثقة.