دخلت أزمة البرلمان الجزائري مرحلة المواجهة المباشرة بين رئيسه، السعيد بوحجة، ونواب خمس كتل برلمانية تطالب باستقالته من منصبه منذ 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ أعلن مكتب البرلمان أمس الأربعاء عن حالة شغور منصب الرئيس، وذلك بعد يوم واحد من إقدام النواب المناوئين لبوحجة، على إغلاق مدخل البرلمان ومكتب رئيسه بسلسلة حديدية وطرد فريقه الإداري. هذه الكتل هي التابعة لحزب "جبهة التحرير الوطني" الذي يحوز على الأغلبية في البرلمان، وحزب "التجمّع الوطني الديمقراطي"، وحزب "تجمّع أمل الجزائر"، و"الحركة الشعبية الجزائرية"، وكتلة المستقلين.
لكن خبراء في القانون الدستوري اعتبروا هذا التطور بمثابة انقلاب وإجراء غير دستوري، إذ يحصر النظام الداخلي رئاسة اجتماعات مكتب البرلمان برئيس البرلمان، كما أن إخطار المجلس الدستوري بشأن شغور منصب رئيس البرلمان، مرتبط بتحقق حالة من بين أربع حالات للشغور حددها الدستور، وهي الاستقالة أو الوفاة أو التنافي أو العجز، لافتين إلى أن حالة العجز غير متوفرة في وضع بوحجة، ما يمنع دستورياً تحييده من منصبه.
وتحاول الكتل النيابية الخمس الموالية للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، فرض ما تصفها بـ"شرعية الأمر الواقع" على غرار ما حدث عام 2000، عند إقالة بوتفليقة لرئيس مجلس الأمة حينها بشير بومعزة، والذي تمسك بمنصبه، قبل أن يقر المجلس الدستوري فتوى عجز بومعزة عن أداء مهامه، وانتخاب عبدالقادر بن صالح بدلاً عنه.
وحذرت أحزاب المعارضة في البرلمان من التداعيات السياسية لهذه الخطوة التي اعتبرتها "انقلابية". ووصف رئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض، النائب محسن بلعباس، ما قام به مكتب البرلمان بأنه "انقلاب في المجلس تحت غطاء الإعلان عن شغور منصب الرئيس، وإذا تم التسامح مع الانقلاب، فإن هذه الإطاحة غير القانونية برئيس البرلمان من قبل أفراد غير قانونيين ومن دون أي سلطة، سوف تمثّل مرحلة جديدة من الانحراف السلطوي لأصحاب القرار المسيطرين داخل النظام".
من جهته، قال رئيس الكتلة النيابية لحركة "مجتمع السلم"، أحمد صادوق، إن "الحركة لن تشارك في أي أجراء غير دستوري يمس مؤسسات الدولة كالبرلمان"، معتبراً أنه "يجب وقف كل السلوكيات التي تدوس على شرعية الدستور وتنحاز لشرعية الأمر الواقع التي تبشر بها أحزاب السلطة والموالاة، وما يحدث هي نتيجة طبيعية لسلسلة من حالات خرق الدستور، لكن المعضلة أنها ستؤسس لاستدامة سلوك سياسي يستند إلى القوة وليس إلى القانون".
وكان الرئيس السابق لكتلة "مجتمع السلم"، النائب نصر الدين حمدادوش، قال إن "إقدام نواب على إغلاق البرلمان صورة مؤسفة ونموذج سيئ للطريقة التي تدير بها الأغلبية الحاكمة مؤسسات الدولة، فمن المؤسف لجوء نواب الموالاة إلى استعمال أساليب في حسم هذه المعركة لا تليق بإطارات سامية للدولة، والتي لا توصف إلا بالبلطجة أو العنف أو اختطاف المؤسسة"، مشيراً إلى أن "ما حدث مبرر كافٍ لحل البرلمان والدعوة إلى انتخاباتٍ تشريعية مسبقة، لأن سلوكيات كهذه ستقودنا وستعيدنا إلى سنوات التسعينيات، والتي من أهم مظاهرها الفراغ المؤسساتي، والدخول في مراحل انتقالية خطيرة".
وذكر المصدر أن هذا التصلّب في المواقف، هو الذي دفع نواب البرلمان المنتمين إلى الكتل النيابية الخمس إلى اتخاذ خطوة جديدة لإحداث شغور في منصب رئاسة البرلمان، عبر خلق حالة عجز عن أداء مهامه، إذ تم الثلاثاء إغلاق المدخل الرئيسي للبرلمان بسلسلة حديدية، لمنع بوحجة من الدخول، كما تم اقتحام الطابق الخامس الذي يضم جناحه الخاص ومكتبه، وطرد الموظفين والفريق الإداري العامل معه. كما نظّم النواب تجمّعاً أمام مبنى البرلمان، للتعبير عن موقفهم الرافض للعمل مع بوحجة، تزامناً مع إعلان حزب الأغلبية النيابية (جبهة التحرير الوطني) عن تجميد عضوية رئيس البرلمان تمهيداً لطرده من صفوف الحزب. ووصف بوحجة في تصريح لـ"العربي الجديد"، ما قام به النواب الثلاثاء بالسلوك غير الأخلاقي وغير السياسي، وبأنه يمثّل بلطجة سياسية.
وترفض الرئاسة الجزائرية التي تمسك بمجمل خيوط اللعبة السياسية في البلاد، التدخّل حتى الآن لحل الانسداد في أزمة المؤسسة النيابية، لكن بعض المراقبين يعتقدون أن بوتفليقة قد يُقدِم على تدخّل سياسي في حال استمر الوضع وعجز قادة ونواب الكتل والأحزاب السياسية الأربعة والمستقلين عن حسم الموقف، وهو سلوك دأب عليه بوتفليقة خلال كل أزمة مؤسساتية شهدتها الجزائر في أوقات سابقة.