قال المفكر والباحث العربي عزمي بشارة، إن الثورات العربية عفويّة، وليست مؤامرات على حكام الدول، كما وصفها بعضهم.
وقال بشارة، في حواره مع برنامج "وفي رواية أخرى"، الذي يبثّ على شبكة "التلفزيون العربي"، إنه أشار في كتاباته إلى تطور واقع عربي جديد بالتحالف الثلاثي بين رجال الأعمال والطبقة الأمنية والأسرة الحاكمة القائم على الفساد، فأدى ذلك لانتشار أسباب النقمة على الحكم.
وأضاف: "كان لدى العرب شعور عام أن القمع تغوّل في البلدان العربية، وقلت إن مسألة طرح الأنظمة الحاكمة للنقاش ومستقبلها مسألة وقت، ولكن لم أتحدث عن توقيت الحدوث".
وأوضح أنه ألف كتاباً عن أسباب الحالة الثورية، وقال فيه إن "العالم العربي نشأت فيه طبقة واسعة من المواطنين لا يقبلون بأدوات الحكم بالطرق القديمة، وكذلك اضطرار الأنظمة في الثمانينيات لفتح العمل السياسي والحزبي في مصر وتونس، فكان بمثابة تدريب للجمهور".
وفي هذا السياق، قال بشارة إن وجود هامش حريات أنشأ جيلًا يفكر في إمكانية التغيير، وترافق ذلك، في حينها، مع طفرة ديموغرافية عربية لأجيال الشباب، الذين لا يجدون عملاً بعد تخرّجهم من الجامعات.
ورأى بشارة، في حواره، أن مسألة ظهور حركات احتجاجية على غزو العراق ودعماً للانتفاضة الفلسطينية، أفضت، مع كلّ تلك الأسباب مجتمعة، إلى الوضع الذي سمح للثورات العربية بالاندلاع.
أما عن الأسباب غير المباشرة لقيام الثورات، فيرى بشارة أنها تكمن في الظلم والهوة بين الغني والفقير، مضيفاً أنه "حتى في الدول التي كان نظامها قائماً على القطاع العام كمصر، فقد فسد فيها هذا القطاع، ونشأت فئة من رجال الأعمال تعيش على فساد الدولة، ونشأت هوة جديدة بين الأغنياء والفقراء، وشعر المواطنون أن تراكم ثروات هؤلاء جاء نتيجة الظلم الاجتماعي والفساد".
ومضى بالقول: "كذلك الأجهزة الأمنية ودورها في إذلال الناس، فالأجهزة الأمنية لديها هوس بإذلال جسد المواطن ليعرف من هو سيّده، مما أجج الغضب داخل النفوس العربية، والآن الأجهزة الأمنية، حتى اليوم، لم تتعلم من الدرس، ولم تعرف أن مفجّر الثورة في مصر كان خالد سعيد، وفي تونس كان محمد بوعزيزي".
وعن حالة تونس تحديداً، قال بشارة إن أهم أسباب نجاح الثورة التونسية هي أنها كانت احتجاجات اجتماعية وتحولت إلى ثورة سياسية.
وتابع بالقول إن "الثورات العربية في 2011 في البداية كانت احتجاجًا اجتماعيًا عفويًا، والناس خرجت بسبب الوضع الاقتصادي، وعدد من المطالب الاجتماعية، وأتفه ما يقال عنها إنها مؤامرة، ولكنها احتجاجات اجتماعية تحولت لثورة سياسية لإسقاط النظام".
ورأى أن من بين أسباب نجاح الثورة التونسية، "وجود نسبة عالية من المتعلمين، وهامش عمل سياسي لتدريب الناس، وكذلك الحريات، فدولة تونس ليست هشة، ولكنها قوية، ويوجد بها مؤسسات دولة تسيطر على البلاد، الناس مع مؤسسات الدولة وليسوا ضدها".
وتابع: "الدولة في مصر أيضاً قديمة وعتيقة، ولكن هنا تدخل عوامل أخرى، من بينها أن الجيش في مصر لديه طموحات سياسية، بينما الجيش التونسي ليس لديه طموح سياسي، ولم يحكم يوماً، وعلى الجانب الآخر؛ الجيش المصري كبير ولديه مشاريع اقتصادية ولديه طموحات سياسية".
وأكد أن "الشباب المصري والتونسي عادوا إلى منازلهم بعد رحيل رأس النظام، ولكن الفرق بين مصر وتونس، أن في مصر جاءت نخبة هي في الواقع جزء من النظام القديم، وبدأت الادعاء بأنها حلّت محل الشباب، واستقطبت علمانيين وإسلاميين، ولم تتوصل لقيم ديمقراطية للتعايش المشترك، والجيش استغل حالة الخلاف تلك، واستثمر فيها أحيانًا، حتى وصل للحكم، أما في تونس، فقد كاد يحدث ذلك، ولكن ثبت أن نخبة تونس قادرة على التوافق والتوصل لحلول وسط، وهذا ناتج عن طبيعة النخبة التونسية وتثقيفها وممارستها السياسة.
وردًّا على قول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المتكرر بأن على المصريين أن "ينظروا إلى سورية والعراق"، تساءل بشارة: "لماذا لا ينظرون إلى تونس وما حدث بها؟".
وأضاف بشارة أن مقولة "الشعوب العربية غير جاهزة للديمقراطية"، ليست صحيحة، فكل الشعوب، وفق رأيه، "هي غير جاهزة للديمقراطية، حتى تخوض غمار التجربة التي تتعلم من خلالها ثقافة المواطنة والتعايش المشترك، والوعي بالحقوق والواجبات والالتزامات المتبادلة".
وتابع أن "التيارات الرئيسية في تونس أثبتت أنها قادرة على التعايش، وأن هناك إمكانية للتوافق ونزع فتيل الأزمات في مراحل الاحتقان الخطيرة، وهي إمكانيات لا غنى عنها لتمر المرحلة الانتقالية بسلام".
وأكد أن تراجع حركة "النهضة"، وقبولها بالتخلي عن الحكم وبانتخابات جديدة، أنقذ التجربة التونسية، ولو خضعت لرأي المتطرفين دينياً لأودت بالتجربة إلى مسار يشبه ما حدث في مصر ولتحوّلت إلى حرب أهلية.
واستكمالًا للحديث عن الثورة المصرية، أكد بشارة أن دولاً عربية، بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية المصرية، وقفت وراء حركة "تمرد" لجمع توقيعات للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة في محاولة لإسقاط مرسي.
ورأى بشارة أن من أسباب وأد ثورة 25 يناير في مصر، هو أن "الجيش لديه طموحات سياسية، خلافًا لتونس، وأن التيار الإسلامي لم يطمئن الناس بما فيه الكفاية بشأن حسم موقفه من الديمقراطية؛ هو فقط حسم موقفه منها في حدود أنها أداة للوصول إلى الحكم، ولكن عندما وصل للحكم بأغلبية 51% فقط؛ انفرد بالمشهد، ولم يشارك الأحزاب والقوى الاجتماعية، لأن الانتقال الديمقراطي غاية وموقف فكري، وليس مجرد تكتيك ووسيلة".
وأوضح أن مصر "شهدت قضايا مفصلية حددت مسار التجارب، وصار من غير الممكن إجراء التحول الديمقراطي بعقلية إخوان مصر وجبهة الإنقاذ، فالسياسيون راهنوا على عودة الجيش لإزاحة الإخوان، في الوقت الذي استفردت فيه الجماعة بالحكم، ولم تسعَ للتوافق، رغم أنه لو كانت أجريت أي انتخابات لم يكن الإخوان ليحققوا أغلبية".
وأكد بشارة أن "محمد مرسي لم يحكم مصر، وعُزل داخل قصره الرئاسي، وأن الدولة لم تتعاون مع الإخوان من اليوم الأول لحكم مرسي، وعمليًّا، لم يكن يحكم، وكان هذا أدعى إلى أن يجعله يفكر في تشكيل تحالف وطني واسع للحفاظ على الثورة".
وعما حصل إبّان انقلاب 30 يونيو، قال بشارة إن الجمهور حينها "خرج لأسباب مختلفة ضد تفرّد الإسلاميين في الحكم، وكذلك أزمة المعيشة والاقتصاد، وحصل جزء كبير من الفوضى قام به عناصر من النظام السابق والدولة العميقة".
وتابع: "صنعوا الفوضى عن قصد كي يخرج الناس، وهناك دول عربية، والمؤسسة العسكرية المصرية، وقفت وراء حركة تمرد حتى سقوط مرسي"، مضيفًا أن مرسي تعرّض لمؤامرة بإنشاء تنظيم بعلم من الجيش المصري، وبتمويل من دول عربية، للتخطيط لإسقاطه، مضيفًا: "ما حصل هو تآمر حقيقي على عملية التحول الديمقراطي لاستعادة الحكم العسكري، وذلك بغض النظر عن الناس التي خرجت بدوافع بريئة أو نبيلة، لأن حكم الإخوان أخاف الناس".