قال المفكر العربي عزمي بشارة، خلال الجلسة الافتتاحية لـ"المؤتمر السنوي الرابع للعلوم الاجتماعية والإنسانية" الذي ينظمه "المركز العربي للأبحاث والدراسات" في مدينة مراكش جنوب المغرب، بين 19 - 21 مارس/ آذار؛ إن "المثقف الثوري لم يعد موجوداً، بقدر ما هناك مثقف محافظ ومثقف إصلاحي، كما أنه لم يعد هناك وجود للمثقف الموسوعي، إذ بات التخصص سيد الموقف، وأضحى المثقف يدلي برأيه بين الحين والآخر في بعض القضايا".
وأضاف بشارة أن المثقف لم يعد ذلك الذي ينتقد العلاقات بل الناقد للنظريات، وأن أدواره تغيرت مع مرور الزمن، فبخلاف الماضي صار يمكنه أن ينتقد وهو مرتبط بالمؤسسات الأكاديمية والجامعية، التي أضحت تقبل بالنقد من داخلها، ملاحظاً أن "المثقف العربي مطلوب منه أن يتخذ موقفاً مما يحدث هنا والآن".
ولفت بشارة، ضمن محاضرة له في محور "أدوار المثقفين في التحولات التاريخية"، إلى أن المثقف أصبح يسعى إلى أن يصير مثل الفنان في كسب الشهرة ليتحلل من مسؤوليته، بهدف أن يفلت من مراقبة الجمهور، مشيراً إلى أن "هناك قلة من المثقفين يدلون برأيهم في الشأن العام".
وأفاد صاحب "أن تكون عربياً في أيامنا" بأننا "نفتقد إلى مثقف الدولة، حيث لا يوجد سوى مثقف السلطة، باعتبار أنه لا توجد لدينا تقاليد الدولة العربية"، منوّهاً بعدم وجود تمييز بين الدولة والسلطة، فالمثقف هو "مثقف السلطة والدولة في آن واحد".
وعرّج بشارة إلى الحديث عن مثقفين ينظّرون للأنظمة القمعية من دون نقد ذاتي، فيما يعمد مثقفون آخرون إلى الدفاع عن الثورات أيضاً من دون نقد ذاتي، مردفاً أن بعضهم ينتقد توجه بعض الثورات إلى العنف، ولا ينتقد الأنظمة القمعية التي دفعت بالخيار الثوري في اتجاه العنف.
وأكّد بشارة أن عدم قدرة المثقف على أخذ مسافة نقدية بينه وبين العصبيات القبلية والأيديولوجية والطائفية يتناقض مع أحكام العقل والأخلاق، موضحاً أن "وظيفة المثقف تتحدد في أمرين اثنين، التحليل العقلاني للأحداث، ثم الموقف المعياري المبني على الأخلاق".
واسترسل قائلاً إنه يتعين على المثقف أن لا يوحّد بين هاتين الوظيفتين، بقدر ما يحاول الجمع بينهما، فـ"التوحيد بينهما يفضي إلى الموضوعية، بينما الجمع بين الوظيفتين يؤدي إلى معرفة صحيحة"، قبل أن يشدّد على أنه "بدون انتماء ثقافي لا يوجد مثقف".
وكان بشارة قد استهل محاضرته بالحديث عن أدوار المثقفين في التاريخ، متطرقاً إلى من أسماهم بـ"وعّاظ السلاطين" الذين يأمرون بالخضوع للسلطة، كما تحدث عن مثقفين مثل إميل زولا وجان بول سارتر، مشيراً إلى أن المثقفين العرب، في القرن الماضي، تأثروا كثيراً بأقرانهم في الاتحاد السوفياتي.