شرعت السلطات السودانية بالعمل جديّاً بهدف تكوين قوة شرطية جديدة، لتأمين الجامعات السودانية، وإحلالها بديلاً للحرس الجامعي، في خطوة هي الأولى من نوعها. وتثير هذه الخطوة جدلاً كبيراً داخل الأوساط السودانية، إذ يرى مراقبون أنها ستقود لمواجهة مباشرة بين الطلاب والشرطة عموماً، فضلاً عن زيادة وتيرة العنف وعسكرة الجامعات. مع العلم أن ظاهرة العنف المسلح داخل الجامعات السودانية، تنامت في الآونة الأخير، مع الإعلان عن مقتل نحو 23 طالباً جامعياً خلال عام 2015. كما قُتل في أبريل/ نيسان الماضي طالبان خلال أسبوع واحد، أثناء تظاهرات طلابية.
وكانت "الوحدات الجهادية" قد تشكّلت عقب وصول النظام الحالي للسلطة في عام 1989، بهدف استقطاب الطلاب للتطوع بالقتال مع الجيش في الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب وقتها، أي قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل في عام 2005، والتي كان من نتائجها انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلّة في عام 2011.
عليه، ارتفعت المطالبات بحلّ هذه الوحدات، وقادت أحزاب معارضة ومجموعات طلابية، حملة قوية لتفكيكها، واتهمتها بتغذية العنف والقيام بمهام أمنية، فضلاً عن احتجاز وتعذيب وترهيب الطلاب، معتبرة أن الوحدات نقلت الحرب إلى داخل الحرم الجامعي.
في هذا السياق، يصوّب معارضون اتهامات للحزب الحاكم، باستغلال الوحدات الجهادية لقمع تحرّكات المعارضين، باعتبارها ذراعاً لها، تُشرف عليها الأمانة التنظيمية في الحزب الحاكم. وفي تقرير لها الشهر الماضي، أبدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قلقها إزاء وجود مجموعات طلابية، قالت إنها تتبع للحكومة، وتساند قوات الأمن في القضاء على المتظاهرين، بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية. ويُعتقد أن لهذه الوحدات سلطات واسعة ونافذة في الجامعات. وفي هذا الإطار يقول أستاذ جامعي لـ"العربي الجديد"، إنه "سبق ولجأ للوحدات الجهادية لتعيين أحد معارفه في الجامعة، باعتبارهم سلطة نافذة، تحديداً في ما يتصل بتعيينات الخدمة الوطنية".
في المقابل، ينفي طلاب "المؤتمر الوطني" الحاكم الاتهامات بأن الوحدات تابعة للحزب، ففي مؤتمر صحافي عقدوه في وقت سابق، أكدوا بأنهم "ضحية العنف الطلابي، إذ إنهم فقدوا خلال العام الماضي نحو 16 طالباً في أحداث عنف". واتهموا الحركات المسلّحة بتأجيج الصراع في الجامعات، ونقل الحرب إليها بعد فشلها في مسارح العمليات بإقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
من جهته، يرى المحلل السياسي أحمد ساتي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الوحدات الجهادية أُقحمت في الصراع السياسي وأصبحت كمراكز يتحرك منها منتسبو الحزب الحاكم". ويُشدّد على أن "الجامعات مجرّد مستضيف لها، وأنها لا تملك قرار حلّها، والذي يخضع لقرار سياسي من قبل الحكومة. ولا أعتقد بأن الحكومة ستحلّها باعتبارها وحدة طوارئ تلجأ إليها في التعامل مع الأحداث الطارئة، بدليل دورها في الأحداث التي رافقت مقتل زعيم الحركة الشعبية جون قرنق في عام 2005، ودخول حركة العدل والمساواة إلى أم درمان في عام 2008".
ويشير أستاذ في جامعة الخرطوم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "تفكيك الوحدات تم وفقاً لتوصية لجان متخصصة قامت بدراستها"، مشيراً إلى أنه "تمّ تحويل مقارها إلى استراحة للطالبات". لكنه يرى بأن "التفكيك تمّ ظاهرياً ولكنها لا تزال موجودة وتسيطر على جميع ممتلكاتها".
ولم يكن قرار إحلال قوة شرطية داخل الجامعات بالأمر الجديد، إذ سبق وتمّ التداول حوله منذ عام 2004، لكن لظروف ما في حينه لم يُطبّق. كما أوصى مؤتمر عُقد في عام 2012 بـ"وجوب تشكيل قوة شرطية"، تحت مبررات ضعف الحرس الجامعي في مجابهة التحديات الأمنية بالجامعات، والتي تتجاوز العنف الطلابي إلى انتشار المخدرات، لا سيما بعد الاعلان عن نتائج دراسة رسمية كشفت أن 26 في المائة من طلاب الجامعات السودانية يتعاطون المخدرات.
وفي إطار القوة الشرطية، تنقل صحف سودانية إعلاناً لرئيس الشؤون الإدارية والتخطيط برئاسة الشرطة، الفريق بابكر سمرة مصطفى، عن "فتح باب التجنيد بالإدارة العامة لتأمين الجامعات، وفقاً لشروط ومطلوبات الخدمة في المنظومة الشرطية".
ويلفت مصطفى إلى أن "التحدي الذي سيوجّه الإدارة الجديدة، المتمثل في تكوينها بطريقة علمية، تتوافق مع متطلبات إدارة العملية الأمنية داخل الحرم الجامعي. الأمر الذي يتطلب اختيار العناصر بعناية فائقة وضوابط صارمة، تُمكّنها من تغيير الصورة الذهنية لدى الطلاب حول الوجود الشرطي داخل الحرم الجامعي". ويُعتبر وجود الشرطة داخل الجامعات من المحرمات، إذ لا تسمح به اللوائح الجامعية، مهما حدث، باستثناء حالات معينة وبشروط تنطلق من موافقة الإدارة على ذلك وبطلب منها.
ويرى مراقبون أن "من شأن الخطوة تعقيد الوضع في الجامعات لأن إدارة القوة بحدّ ذاتها مشكلة حقيقية، خصوصاً أنه إذا كانت تابعة لإدارة الجامعة، ما يعني أنه ستتمّ عسكرة الجامعة، أما في حال كانت تابعة للداخلية السودانية، فسيخلق هذا نوعاً من التضارب والتناقض. ويُدخل هذا الأمر الإدارة والشرطة في مواجهات". كما يؤكد المراقبون بأن "القوة الشرطية لن تأتي بجديد، إذ يصعب عليها مواجهة الكمّ الهائل من الطلاب، كما يستحيل توفير عناصرها بكميات كبيرة عند بوابات الحرم الجامعي المتعددة".
من جهته، يرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الخطوة هي بمثابة تخويف ولا تحمل أية قيمة، ويُعتقد أنها ستفرز نتائج عكسية، باعتبار أنها تدخل ضمن الحلول الأمنية لحسم القضايا السياسية". ويوضح أن "هذا الأمر تمّ تجريبه سابقاً ولم يحصد سوى الفشل وقاد لمزيد من العنف".
أما الخبير السياسي، الأستاذ بجامعة الخرطوم الطيب زين العابدين، فيرى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "الخطوة تطرح أسئلة حول تحديد الجهة التي ستتبع لها القوة الجديدة إدارياً، سواء لرئاسة الشرطة أم للجامعات، فضلاً عن رواتبها، ومن يتكفّل بها، لا سيما في ظلّ الوضع المالي الضعيف لبعض الجامعات".
ويردف زين العابدين قائلاً إن "تكاليف القوة أكثر من تكاليف الحرس الجامعي، والذين هم في الأساس موظفون بالجامعة". ويرى بأن "وجودها سيستفزّ الطلاب، ما يجعلها هدفاً لهم في أية أحداث". ويرجّح زين العابدين ألا "يحقق وجودها عملياً أية مكاسب، بل سيُسهم في تصعيد المشكلة"، مشدّداً على أنه "ليس من الحكمة إقرار هذه الخطوة".
ويشرح بأن "أغلب المواجهات في الجامعة بين طلاب الحزب الحاكم وأبناء دارفور لا تتمّ على أساس أيديولوجي، وبالتالي لا تحلّها الشرطة"، مردفاً أنه "عموماً وفي حال حدوث أي مشكلة بالجامعة يتمّ اللجوء إلى قوات الاحتياط المركزي، وأعتقد بأن القوة المقرر إنشاؤها لن تواجه الأحداث بمفردها، وسيتمّ استدعاء الاحتياط المركزي، فما الجديد خصوصاً أنها خطوات كانت تتمّ أصلاً في السابق".