تعيش آلاف الأسر السورية مأساة إنسانية بالتزامن مع قصف طيران التحالف الدولي مناطق سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في محافظة الرقة، والحديث عن اقتراب معركة تحرير المدينة، التي تُعتبر معقل التنظيم الرئيسي في سورية. يحاول معظمهم الفرار من المناطق الساخنة نحو أخرى أكثر أمناً، لكن الخيارات محدودة ومثلها آمال النجاة.
وتروّج "وحدات حماية الشعب" الكردية أن معركة طرد التنظيم من الرقة ستنطلق بداية أبريل/نيسان المقبل، بينما زادت الغارات التي تستهدف مناطق سيطرة التنظيم عنفاً وكثافة، خلال الأيام القليلة الماضية، وقتل بعضها عشرات المدنيين، وآخرهم ليلة الثلاثاء، عندما قصفت طائرات التحالف مدرسة في قرية المنصورة غربي الرقة، كانت تؤوي نحو خمسين عائلة فرّت من ريفي حمص وحلب الشرقيين، بحسب ناشطين.
وتضاربت الأنباء حول عدد الضحايا الذين سقطوا جراء الهجوم، فبينما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن عدد القتلى من المدنيين بلغ 33 شخصا، تحدثت مصادر أخرى، بينها موقع "الرقة بوست" الذي يُديره ناشطون محليون، عن عدد فاق مائة قتيل.
وتعرّض الحي الثاني في مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي، مساء أمس الأربعاء، لغاراتٍ جديدة شنتها طائرات التحالف الدولي، وأدت، بحسب ناشطي حملة "الرقة تُذبح بصمت"، إلى مقتل ثلاثة وعشرين مدنياً، وإصابة نحو أربعين آخرين.
وقالت الحملة ذاتها إن "المشافي المتبقية في ريف الرقة أصبحت خارج الخدمة، مع قصف كل الجسور التي تربط المدينة بالريف. لا يستطيع المدنيون نقل الجرحى لتلقي العلاج، أو حتى الفرار الذي أصبح أمرا مستحيلاً"، مضيفة: "بينما يقوم التحالف الدولي بقصف المدينة والمناطق الريفية المحيطة بها بشكل عشوائي، يتحالف على المدنيين في الرقة الموت القادم من السماء عبر التحالف وشركائه، والموت القادم من داعش".
وتحاول آلاف الأسر الهرب من المدينة والمناطق المحيطة بها، خاصة في الريف الغربي، وتنحصر خياراتهم في الهروب إما لمناطق سيطرة التنظيم في دير الزور والبقاء فيها، أو المتابعة إلى مناطق البادية السورية، وقطع مسافة تتجاوز 250 كيلومتراً للوصول إلى مخيم الركبان، قرب الحدود السورية-الأردنية.
ويقول الناشط الإعلامي مهاب الناصر، إن "مدينة الطبقة وحدها تؤوي أكثر من 150 ألف مدني، وزاد العدد كثيراً مع موجات النزوح الأخيرة من ريف حلب الشرقي، والآن تصاعدت غارات التحالف كثيراً، خلال الأيام القليلة الماضية، على الطبقة والريف الغربي عموماً"، مضيفاً أن "آلاف الأسر تريد الآن النزوح، لكن ذلك يتطلب عبور النهر نحو الضفة الشمالية، عبر عبارات بدائية، بعد أن دمر التحالف الدولي جميع الجسور التي تربط بين ضفتي الفرات الشمالية والجنوبية".
ويؤكد الناشط الذي ينحدر من مدينة الطبقة، لـ"العربي الجديد"، أن "تنظيم داعش يمنع المدنيين من المغادرة، ومن يحالفه الحظ بالإفلات عليه دفع مبالغ مالية تفوق قدرة أغلب الأسر لشبكات التهريب التي تتكفل بنقل النازحين عبر طرقات غير آمنة"، مضيفا أن "كلفة عبور النهر وحدها بالعبّارات البدائية تصل إلى مائة دولار للشخص الواحد".
ويصف الناصر حال المدنيين في الرقة وريفها الغربي، بـ"الكارثي، فهم معرّضون للموت بغارات التحالف، أو سيُتركون تحت رحمة المليشيا الكردية، فضلاً عن أنهم يخضعون كُرهاً لهيمنة داعش على مدنهم وقراهم".
ولا توجد إحصائيات دقيقة للمدنيين المتواجدين في مناطق نفوذ تنظيم "داعش" بمحافظة الرقة، لكن ناشطين ينحدرون من هناك، يقدرون العدد بأكثر من نصف مليون مدني، يواجهون مصيراً مجهولاً.