كان نزول الطفل الأفغاني عصمت الله إلى سوق العمل خياراً أخيراً، إلا أن الفقر وموت والده دفعه إلى تنظيف أحذية الناس لإعالة الأسرة
تراه يُلاحق المارة، ويعرض عليهم تنظيف أحذيتهم في مقابل نصف المبلغ الذي يتقاضاه عادة، أي عشرة أفغانية بدلاً من عشرين. "هذا العمل يساعدني على إعالة أسرتي، ويجعلُك أكثر أناقة". الأم الأرملة دفعت ابنها الوحيد إلى السوق بعدما أغلقت كل الأبواب في وجهها، ولم يبق أمامها وسيلة لكسب الرزق، سوى أن يعمل ابنها.
عصمت الله بن محمد الله، الطفل الأفغاني الذي لم يتجاوز 11 عاماً من العمر، يتحدّث إلى الناس بأسلوب جذاب. ومن خلال أسلوبه هذا، يقنع الزبائن. "أنا في حاجة إلى كسب المال لأكون قادراً على شراء احتياجات المنزل مع حلول صلاة المغرب". يعمل الطفل في حين يتحدّث أقرانه عن الألعاب والمدرسة. إلّا أنّ الفقر، وفقدان الوالد، جعل عصمت يتحدث فقط عن تنظيف الأحذية. صحيح أنّه يذهب إلى المدرسة، إلّا أنّ همّه الوحيد في الوقت الحالي هو أحذية الناس. لذلك، لا وقت لديه للحديث عن الدراسة والمدرسة.
بدأ الطفل هذا العمل قبل نحو ثلاثة أعوام، حين كان عمره ثمانية أعوام فقط. اضطرت والدته إلى أن تدفعه إلى العمل لكسب لقمة العيش، خصوصاً أن لديه أربع شقيقات تمنعهن العادات والتقاليد من العمل والتعليم. أخذت هذا الخيار رغم إدراكها المخاطر الكثيرة التي تحدق بالأطفال في البلاد.
فقد عصمت والده في حادث مروري في إقليم بغلان. في البداية، وقف بعض الأقارب إلى جانبهم، لكن الأمر لم يتجاوز أسابيع عدة، كما تقول والدة الطفل. ضاقت بها السبل، وعجزت عن إعالة عائلتها. في قريتها، لا تستطيع العمل إلا في الزراعة، وحتى هذا الخيار لم يكن سهلاً بالنسبة إليها. لذلك، قرّرت ترك منزلها في القرية، والانتقال إلى العاصمة الأفغانية كابول، علّها تجد من يأخذ بيدها ويوفّر لها عملاً. لكنّ آمالها أيضاً خيّبت بعدما طرقت كل الأبواب من دون جدوى.
في هذا السياق، تقول الوالدة: "لم أخرج ابني الوحيد إلى السوق بمجرد وصولنا إلى كابول. كانت الفكرة صعبة جداً بالنسبة لي. ما زلت أحلم بأن يعيش ابني وبناتي كما يعيش بقية الأطفال، لكن الفقر دمّر أحلامي وأحلام أولادي. وبعدما عشنا أياماً مريرة وقاسية، قررت إرسال ابني إلى العمل".
كانت قد حاولت إيجاد عمل في مجال تنظيف بيوت الناس وملابسهم، وإعداد الطعام في مقابل راتب يوفّر للأسرة ما تحتاج إليه. في البداية، وجدت عملاً، لكنّه كان شاقاً بالنسبة إليها، وهي كانت مريضة وضعيفة. بعدها، اختارت التطريز، وبدأت تعاني من أوجاع في ظهرها، ما اضطرها إلى البقاء في المنزل. في نهاية المطاف، لم يكن أمامها من خيار سوى أن تعمل بناتها أو ابنها الوحيد. تقول الأم: "بسبب العادات والأعراف السائدة، لم أتمكّن من دفع بناتي إلى سوق العمل. ولأنهن لم يتعلّمن، كان من الصعب علي إيجاد عمل مناسب لهن. لذلك، لم يبق من خيار أمامي سوى دفع ابني إلى السوق".
بدأ عصمت الله تنظيف أحذية الناس قبل ثلاثة أعوام، ويكسب يومياً ما بين 200 (نحو ثلاثة دولارات) و300 أفغانية.
في فترة ما قبل الظهر، يذهب الطفل إلى المدرسة الحكومية وهو يدرس في الصف الرابع في مدرسة حكومية في منطقة كمبني. وحين يعود من المدرسة، يتناول الغداء على عجل، ويحمل أدوات العمل ويخرج إلى السوق.
لا يخبرنا الطفل عن عمله. يقول فقط إنه سعيد لأن الناس يساعدونه ويعطونه عشرين أفغانية بدلاً من عشرة. أما والدته، فتشعر بالضيق حين يأتي إبنها مرهقاً مساء، ويعطيها النقود. "في هذه اللحظة، أتمنى لو تنتهي الحياة. كان زوجي يعمل وكنت آمل أن يتابع ابني دراسته ويصبح ذا شأن في المجتمع. إلا أنه بات ينظّف أحذية الناس من أجل العائلة". لكنّ رغم كل ما تمر به الأسرة، ما زالت تطمح بأن يكمل ابنها دراسته، ويساعد شقيقاته. أيضاً، تتمنّى أن تتزوج بناتها ويذهبن إلى منازل مستقلة، إذ ترى أن بناتها في هذه الظروف الصعبة بتن عبئاً ثقيلاً عليها.
زهرة (17 عاماً)، ابنتها الأكبر سناً، لا تفكر في مستقبلها، إذ إن همّها الوحيد هو والدتها وأشقاؤها. "تعاني والدتي من أمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم. وفي بعض الأحيان، نعيش أياماً صعبة، حين تكون في حاجة إلى علاج، من دون أن نكون قادرين على ذلك".
يأمل عصمت أن يصير طبيباً في المستقبل، إذ يسعى إلى مساعدة الناس، أو يعمل في مجال التجارة، علّه يجني مالاً كثيراً. يقول إنه يتمنى أن يكون قادراً على تأمين ملابس جديدة للعائلة في العيد. لكن في بلد مثل أفغانستان التي مزقتها الحروب الدامية، يصعب جداً أن يحقق الكبار والصغار أحلامهم. مع ذلك، لا تريد الأم أن تفقد الأمل.
اقــرأ أيضاً
تراه يُلاحق المارة، ويعرض عليهم تنظيف أحذيتهم في مقابل نصف المبلغ الذي يتقاضاه عادة، أي عشرة أفغانية بدلاً من عشرين. "هذا العمل يساعدني على إعالة أسرتي، ويجعلُك أكثر أناقة". الأم الأرملة دفعت ابنها الوحيد إلى السوق بعدما أغلقت كل الأبواب في وجهها، ولم يبق أمامها وسيلة لكسب الرزق، سوى أن يعمل ابنها.
عصمت الله بن محمد الله، الطفل الأفغاني الذي لم يتجاوز 11 عاماً من العمر، يتحدّث إلى الناس بأسلوب جذاب. ومن خلال أسلوبه هذا، يقنع الزبائن. "أنا في حاجة إلى كسب المال لأكون قادراً على شراء احتياجات المنزل مع حلول صلاة المغرب". يعمل الطفل في حين يتحدّث أقرانه عن الألعاب والمدرسة. إلّا أنّ الفقر، وفقدان الوالد، جعل عصمت يتحدث فقط عن تنظيف الأحذية. صحيح أنّه يذهب إلى المدرسة، إلّا أنّ همّه الوحيد في الوقت الحالي هو أحذية الناس. لذلك، لا وقت لديه للحديث عن الدراسة والمدرسة.
بدأ الطفل هذا العمل قبل نحو ثلاثة أعوام، حين كان عمره ثمانية أعوام فقط. اضطرت والدته إلى أن تدفعه إلى العمل لكسب لقمة العيش، خصوصاً أن لديه أربع شقيقات تمنعهن العادات والتقاليد من العمل والتعليم. أخذت هذا الخيار رغم إدراكها المخاطر الكثيرة التي تحدق بالأطفال في البلاد.
فقد عصمت والده في حادث مروري في إقليم بغلان. في البداية، وقف بعض الأقارب إلى جانبهم، لكن الأمر لم يتجاوز أسابيع عدة، كما تقول والدة الطفل. ضاقت بها السبل، وعجزت عن إعالة عائلتها. في قريتها، لا تستطيع العمل إلا في الزراعة، وحتى هذا الخيار لم يكن سهلاً بالنسبة إليها. لذلك، قرّرت ترك منزلها في القرية، والانتقال إلى العاصمة الأفغانية كابول، علّها تجد من يأخذ بيدها ويوفّر لها عملاً. لكنّ آمالها أيضاً خيّبت بعدما طرقت كل الأبواب من دون جدوى.
في هذا السياق، تقول الوالدة: "لم أخرج ابني الوحيد إلى السوق بمجرد وصولنا إلى كابول. كانت الفكرة صعبة جداً بالنسبة لي. ما زلت أحلم بأن يعيش ابني وبناتي كما يعيش بقية الأطفال، لكن الفقر دمّر أحلامي وأحلام أولادي. وبعدما عشنا أياماً مريرة وقاسية، قررت إرسال ابني إلى العمل".
كانت قد حاولت إيجاد عمل في مجال تنظيف بيوت الناس وملابسهم، وإعداد الطعام في مقابل راتب يوفّر للأسرة ما تحتاج إليه. في البداية، وجدت عملاً، لكنّه كان شاقاً بالنسبة إليها، وهي كانت مريضة وضعيفة. بعدها، اختارت التطريز، وبدأت تعاني من أوجاع في ظهرها، ما اضطرها إلى البقاء في المنزل. في نهاية المطاف، لم يكن أمامها من خيار سوى أن تعمل بناتها أو ابنها الوحيد. تقول الأم: "بسبب العادات والأعراف السائدة، لم أتمكّن من دفع بناتي إلى سوق العمل. ولأنهن لم يتعلّمن، كان من الصعب علي إيجاد عمل مناسب لهن. لذلك، لم يبق من خيار أمامي سوى دفع ابني إلى السوق".
بدأ عصمت الله تنظيف أحذية الناس قبل ثلاثة أعوام، ويكسب يومياً ما بين 200 (نحو ثلاثة دولارات) و300 أفغانية.
في فترة ما قبل الظهر، يذهب الطفل إلى المدرسة الحكومية وهو يدرس في الصف الرابع في مدرسة حكومية في منطقة كمبني. وحين يعود من المدرسة، يتناول الغداء على عجل، ويحمل أدوات العمل ويخرج إلى السوق.
لا يخبرنا الطفل عن عمله. يقول فقط إنه سعيد لأن الناس يساعدونه ويعطونه عشرين أفغانية بدلاً من عشرة. أما والدته، فتشعر بالضيق حين يأتي إبنها مرهقاً مساء، ويعطيها النقود. "في هذه اللحظة، أتمنى لو تنتهي الحياة. كان زوجي يعمل وكنت آمل أن يتابع ابني دراسته ويصبح ذا شأن في المجتمع. إلا أنه بات ينظّف أحذية الناس من أجل العائلة". لكنّ رغم كل ما تمر به الأسرة، ما زالت تطمح بأن يكمل ابنها دراسته، ويساعد شقيقاته. أيضاً، تتمنّى أن تتزوج بناتها ويذهبن إلى منازل مستقلة، إذ ترى أن بناتها في هذه الظروف الصعبة بتن عبئاً ثقيلاً عليها.
زهرة (17 عاماً)، ابنتها الأكبر سناً، لا تفكر في مستقبلها، إذ إن همّها الوحيد هو والدتها وأشقاؤها. "تعاني والدتي من أمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم. وفي بعض الأحيان، نعيش أياماً صعبة، حين تكون في حاجة إلى علاج، من دون أن نكون قادرين على ذلك".
يأمل عصمت أن يصير طبيباً في المستقبل، إذ يسعى إلى مساعدة الناس، أو يعمل في مجال التجارة، علّه يجني مالاً كثيراً. يقول إنه يتمنى أن يكون قادراً على تأمين ملابس جديدة للعائلة في العيد. لكن في بلد مثل أفغانستان التي مزقتها الحروب الدامية، يصعب جداً أن يحقق الكبار والصغار أحلامهم. مع ذلك، لا تريد الأم أن تفقد الأمل.