وظهر إرباك الإدارة بوضوح، خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرئيس الأميركي مع رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، في حديقة البيت الأبيض، عندما سألت صحافية لبنانية الرئيس الأميركي عن موقفه من مشروع قانون العقوبات الجديدة على "حزب الله"، فأرجأ الإجابة عن السؤال مدة أربع وعشرين ساعة لاستكمال النقاشات مع مستشاريه بشأن الإجراءات الأميركية الجديدة ضد "حزب الله"، وللاطلاع على مشروع القرار الذي يجري بحثه في الكونغرس، وتتوقع المصادقة عليه في شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
ويهدف التشريع الجديد، الذي يمثل تعديلًا لعقوبات قائمة على "حزب الله"، إلى زيادة القيود على قدرته في جمع الأموال والتجنيد، وزيادة الضغط على البنوك التي تتعامل معه، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الدول التي تدعمه، ومنها إيران.
وسيمنع التشريع كذلك أي شخص يتبين أنه يدعم الحزب من دخول الولايات المتحدة، وسيلزم الرئيس، أن يرفع إلى الكونغرس تقريرًا بشأن ما إذا كانت المؤسسات المالية الإيرانية تسهل التعاملات المالية لهذا التنظيم.
حالة الإرباك ضاعفها ظهور ترامب بمظهر الرئيس الأميركي الضعيف، المحاصر بتحقيقات الكونغرس والمحقق الخاص روبرت مولر، غير القادر على إقالة وزير في حكومته وتعيين بديل له. وحال الضعف هذا ينطبق بحذافيره على الحريري، الذي هو أيضًا يرأس حكومة لا يملك قرارها. ولعلّ البيان المكتوب الذي تلاه عقب محادثاته مع الرئيس الأميركي إقرار أن الأمر ليس بيده.
غير أن المقارنة بين الحكومة اللبنانية والإدارة الأميركية، بطبيعة الحال، تبقى مقارنة افتراضية تستوجب الأخذ بعين الاعتبار الفروقات الشاسعة في الأحجام والأوزان السياسية لكل من الولايات المتحدة ولبنان، لكن مجرد التفكير بالمقارنة هو دلالة بليغة على المأزق الكبير الذي يواجه النظام السياسي الأميركي. وبات من السهولة ملاحظة ظواهر سياسية في أميركا كانت في السابق حكرًا على دول العالم الثالث؛ من الاتهامات المتبادلة بتزوير الانتخابات الأخيرة، إلى التدخلات الخارجية في اللعبة السياسية الداخلية، وتعطيل قدرة الرئيس على الحكم واتخاذ القرارات.
بهذا المعنى، قد تتشابه علاقة ترامب مع المؤسسة الحزبية الجمهورية، التي تسيطر على مجلسي النواب والشيوخ، ولها حصتها الكبيرة في الإدارة، بالعلاقة القائمة بين سعد الحريري و"حزب الله"، الذي يمسك بمفاصل القرار السياسي اللبناني.
والحديث عن العقوبات الأميركية الجديدة على "حزب الله"، الذي سبق الحريري إلى واشنطن، وأظهر ضعفه كرئيس حكومة يسيطر عليها "حزب الله"، خصمه الأساسي؛ يشبه إلى حد بعيد الحديث عن حزمة العقوبات الجديدة ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية التي أقرها مجلس النواب، الثلاثاء، وبات مفروضًا على ترامب توقيعها والموافقة عليها، رغم أنها تضيّق أكثر هامش مناورته في العلاقة مع موسكو، وتعطل كل محاولاته لفتح صفحة جديدة من العلاقات الأميركية الروسية، خصوصًا وأن القانون الجديد يصادر صلاحيات الرئيس الأميركي، ويعطي الكونغرس حق إبطال أي قرار قد يصدره البيت الأبيض لرفع العقوبات دون موافقة الكونغرس.
وكان مشروع القرار الأصلي، الذي سبق وأقره مجلس الشيوخ، يتعلق حصريًّا بفرض عقوبات جديدة على إيران، لكن الكونغرس ألحق به عقوبات على روسيا اقترحها أعضاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ويتهم الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس الأعضاء الجمهوريين بتقصد المماطلة في تمرير العقوبات على روسيا، من خلال إجراء تعديلات في مجلس النواب على مشروع القانون الذي كان قد أقره مجلس الشيوخ، ودمج العقوبات على إيران مع العقوبات على روسيا وكوريا الشمالية في قانون واحد سيعود مجددًا إلى مجلس الشيوخ للتصديق عليه، قبل إرساله إلى البيت الأبيض.