لا تبدو محاولات تطويق أزمة بغداد وأربيل التي نشأت عقب إجراء استفتاء إقليم كردستان العراق، ناجحة حتى الآن. فبين دفع وجذب بين الأطراف السياسية، وضغوط تمارس على حكومة بغداد، تقابلها توجهات استفزازية من قبل حكومة الإقليم، بدت حلقات البحث عن مخرج للأزمة منقطعة بين الطرفين، الأمر الذي يدفع نحو التصعيد. ومع كل هذا التوتر، تتجه الأنظار نحو الوساطات الدولية، التي من المنتظر أن يكون لها دور في فتح فرص للحوار بين الجانبين، للخروج بتوجه قد يكون مفتاحاً لتفكيك أزمة خطيرة تعصف بالبلاد.
وقال مسؤول سياسي مطلع، لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الحكومة، حيدر العبادي، وبعد عودته من باريس، بدأ مشاورات ومباحثات مكثفة مع مستشاريه ومع القيادات السياسية في بغداد لبحث أزمة الاستفتاء"، مبيناً أنّ "العبادي يحاول الخروج بقرارات يكون لها تأثير سياسي يفكك الأزمة ولا يعقدها". وأوضح أنّ "العبادي درس المبادرات المطروحة للحل، ومنها مبادرة المرجع علي السيستاني، وإمكانية اللجوء إليها لتفكيك الأزمة، لكنه لم يجد مرونة من الجانب الكردي، ولا من جانب الجهات السياسية التي تدفع باتجاه القرارات العقابية". وبين أنّ "لف جثمان الرئيس الراحل، جلال الطالباني، بعلم كردستان، وما رافقه من انسحاب وفد بغداد من التشييع، فاقم الأزمة، وخصوصاً أنّ العبادي كان يعول على حزب الطالباني كحزب معتدل بإمكانه أن يقود حواراً بين بغداد وأربيل، الأمر الذي ضيق من أفق الحوار بين الجانبين". وأشار إلى أنّ "ذلك أعطى مسوغاً أيضاً للكتل داخل التحالف الوطني لتدفع باتجاه التصعيد، والضغط على العبادي لأجل تأزيم الموقف".
في غضون ذلك، جدّد رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، رغبته بحل الخلاف مع بغداد عبر الحوار. وقال البارزاني، خلال وضعه إكليل زهور على قبر الطالباني في السليمانية، "إنّنا سنقوم بكل ما بوسعنا لحماية الشعب الكردي، ونرغب في الوقت ذاته بحل مشاكلنا مع بغداد عن طريق الحوار"، مؤكداً "منح فرصة للحوار في أي وقت". وأشار الى أنّ "الرئيس جلال الطالباني ترك فراغاً كبيراً، إذ إنّه كان يحل الخلافات باتصال هاتفي واحد". ودعا الرئيس العراقي فؤاد معصوم، خلال حديثه لوسائل إعلام من أمام ضريح الطالباني، جميع الأحزاب الكردية إلى تجاوز المشاكل في ما بينها، وتوحيد الموقف تجاه المسائل الاستراتيجية، مشدداً على ضرورة الحوار لحل المشاكل العالقة. ويؤكد الجانب الكردي، أنّ فرص الحوار بدت متلاشية بين الجانبين، وأنّ الخسارة كبيرة بهذا الاتجاه. وقالت النائبة عن كتلة التغيير الكردية، شيرين رضا، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمور تتعقد أكثر فأكثر بين بغداد وأربيل، فهناك حساسية من بغداد تجاه الإقليم، كما أنّ تحركات الإقليم دفعت باتجاه تعقيد المشهد". وأوضحت "نحن هنا في بغداد، ككتلة تغيير وبعض النواب من الكتل الكردية الأخرى، نحاول تهدئة الموقف، لكن ما حدث من لف جثمان الطالباني بعلم كردستان زاد الطين بلة، وجر نحو تصعيد بالمواقف"، معتبرة أنه "كان من المفترض أن تتخذ قرارات وتوجهات تدفع باتجاه تفكيك الأزمة لا تعقيدها". وأكدت "اليوم خسرنا ورقة الحوار مع بغداد، ونحن الآن نتجه نحو التأزم أكثر فأكثر، وإننا كجانب كردي خسرنا فرصة الحوار"، محملة "رئيس الإقليم مسعود البارزاني والأحزاب الكردية التي أيدته بمشروع الاستفتاء مسؤولية ذلك، فقبل الاستفتاء طرحت دول إقليمية ودولية ضمانات لإجراء حوار مع بغداد، لكن البارزاني رفض ذلك، وقطع الطريق أمامها، بينما اليوم نسعى نحن لهذا الحوار ولا نستطيع أن نحصل عليه".
ووجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحذيراً شديد اللهجة لرئيس إقليم كردستان، طالبه بالرجوع إلى النقطة الأولى التي بدأ منها، وحذّره من البقاء وحيداً في المنطقة وفقدان جميع إمكاناته. وشدّد الرئيس التركي، خلال اجتماع لحزب "العدالة والتنمية"، على ضرورة اليقظة كي لا يتم إعطاء الفرصة لمن يريد تقسيم العراق من خلال الدعم الإسرائيلي، محذراً من نهاية شمال العراق بسبب الاستفتاء. وتابع مخاطباً البارزاني "ألا تتذكر تلك الأيام التي وقفت فيها تركيا إلى جانبك، فكيف تقوم بهذا الاستفتاء والخطوة الخاطئة من دون استشارة من حولك"، موضحاً أن تركيا لن تسمح بإجراء هذه الخطوة.
وصعدت كتل سياسية داخل التحالف الوطني الحاكم في العراق من مواقفها تجاه كردستان، مطالبة بإجراءات ضد حكومة الإقليم. وقال النائب عن دولة القانون، جاسم محمد جعفر، في تصريح صحافي، إنّ "الأيام المقبلة ستشهد تصعيداً وتزايداً في وتيرة اتخاذ الإجراءات العقابية ضد كردستان، بعد عدم استجابتها للمطالب الأولية التي قدمت من بغداد"، مشدداً على "ضرورة خضوع الإقليم بشكل كامل للقانون الاتحادي من خلال تسليم المنافذ وإلغاء نتائج الاستفتاء وتدقيق تجارة النفط والمواد السيادية". وأشار إلى أنّ "البرلمان والمجلس الوزاري للأمن الوطني خولا العبادي اتخاذ الخيارات السياسية والاقتصادية والأمنية، والتعاون مع دول الجوار، لأجل إفشال مشروع الاستفتاء"، داعياً الجهات السياسية في بغداد إلى "إعادة النظر بعلاقاتها مع حزب الطالباني، وفرض عقوبات إضافية على أعضائه ومحاسبتهم، على خلفية لف جثمان الطالباني بعلم كردستان". ويرى مراقبون أنّ الحلول الداخلية عاجزة عن الوصول إلى حل لأزمة بغداد وأربيل، وأنّ الطرفين ينتظران الوساطة الخارجية. وقال الخبير السياسي، عبد الفتاح محمد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأطراف السياسية العراقية، العربية والكردية، منقسمة في ما بينها، ومختلفة بوجهات النظر نحو كل الأزمات، ومنها أزمة كردستان، الأمر الذي يجعل من فرص الحل ضعيفة جداً". وأضاف أنّ "بغداد متجهة نحو التصعيد في القرارات، كما أنّ أربيل مستمرة برفض قرارات بغداد، رغم إبداء رغبتها بالحوار، لكن في الوقت ذاته، فإن الطرفين يعولان على الوساطات الدولية التي قد يكون الحل بيدها"، مشيراً إلى أنّ "العبادي رغم اتخاذه قرارات عقابية لكنّه لن يتهور بأي تحرك قد يؤزم الأزمة، قبل أن تستنفد كافة الحلول".