علي العريّض:"النهضة" قد تدعم مرشحاً رئاسياً من خارجها

D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس لموقع وصحيفة "العربي الجديد".
04 يونيو 2014
028FA27E-8A3E-47DB-851A-AB071D45A354
+ الخط -

علي العريض، الرجل الذي تولى بعد الثورة التونسية، رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية، شخصية تثير جدلاً واسعاً في البلاد، بحكم الأحداث الكثيرة التي مرت به، يتحدث لـ"العربي الجديد" عن آلامه اليوم وأحلامه أيام السجن الانفرادي زمن النظام القديم، وطموحاته المستقبلية.

ــ كيف تفسّرون تطور الأحداث في ليبيا؟

* الوضع مركب ومعقد في ليبيا، ولكي نفهم ما يحدث الآن، لا بد أن نعود قليلاً للتاريخ، فما يحدث في ليبيا هو سعي لتأسيس دولة كانت قبل الثورة قائمة بدرجة أساسية على شخص واحد، وعلى بعض مساعديه، وافتقدت إلى حد كبير للمؤسسات وللقوانين ولأي معنى للمواطنة. وكل دولة تكون فاقدة لهذه المقومات قبل الثورة، فإنها تمر بصعوبات كبيرة لأنها تؤسس الدولة، وتبني الانتقال الديمقراطي في الوقت نفسه.

ــ هل ترى أن ما يحدث في ليبيا مرتبط بتدخلات خارجية؟

* حين يحصل تدخل خارجي، تكون النتائج سيئة جداً، والتدخل يكون سهلاً، وتسوية تبعاته تكون صعبة، ونحن رأينا ما حدث في العراق. في ليبيا، هناك من يسعى إلى التأثير في الواقع الليبي، ولكن بشكل سلبي، ومطلوب من العرب مساعدة الليبيين على أن ينهضوا وأن يشكلوا جيشاً وشرطة وطنية ومؤسسات وانتقالاً ديمقراطياً. لذلك أنا لست متفائلاً بمسألة التدخلات الخارجية. حاولنا أن نساعد أشقاءنا في ليبيا خلال الثورة، ولكن من دون أن نتدخل في شؤونهم، من خلال التدريب أو الخبرة أو المساعدة على التحاور، لأن عندنا بعض الخبرة في هذا المجال. لكن الحل يجب أن يكون ليبياً خالصاً.

ــ لكن اليوم هناك احتكام إلى السلاح وإلى الشارع.

* هناك أطراف في ليبيا تسعى إلى تحكيم لغة الحوار والمفاوضات، وهناك اتصالات عديدة تجري حالياً بعدد كبير من الشخصيات الوطنية والاحزاب الليبية لدفعهم نحو الحوار. حتى الامم المتحدة تساعد في هذا الاتجاه، ولكن هناك من يتدخل لحسم الموقف من خلال الشارع، وخصوصاً من خلال السلاح. نحن نساند الدولة الشرعية التي تأسست وبدأت خطوات تدريجية بعد الثورة، فهناك في ليبيا مؤتمر وطني منتخب وحكومة، تتغير نعم، ولكن هناك حراكاً وحياة وهناك أيضاً صراعات. لكن الدولة بصدد التأسيس وهم على وشك الانتهاء من الدستور، وهناك انتخابات قريباً. لكن فوجئنا بقوة عسكرية تستعمل الطائرات والسلاح الثقيل، في الوقت الذي تتضاعف فيه المساعي التونسية وغير التونسية لجمع الفرقاء الليبيين حول الحوار.

ــ من هذا المنطلق كيف ترون ما حدث ويحدث في مصر، خصوصاً أحكام الاعدام الجماعية؟

* مع الأسف، حصلت عملية الارتداد على الثورة لأسباب كثيرة، ونحن آسفون ومتألمون للتراجع الكبير الذي حصل في موضوع الديمقراطية، وللتقاتل الذي حصل وحجم الانتهكات بحق حقوق الانسان وحرية التعبير. لا أعرف دولة حصلت فيها أحكام إعدام بهذا العدد وبهذه السهولة، في حين أن الثورة كانت من أجل مناهضة التعذيب وتحقيق حرية التعبير وحقوق الانسان.

مصر الآن لا تزال تعيش صراعاً. لا يمكن أن تعود إلى ما قبل الثورة، ولكن سيطول الطريق قليلاً وستكون التكلفة أثقل قبل أن تنجز ديمقراطيتها. تونس من هذه الناحية هي تقريباً أفضل دولة لجهة سرعة الانتقال، وبأقل التكاليف لهذا المنعرج التاريخي المتمثل في أن ندخل زمن الدول الديمقراطية والحرية.

ما نأمله هو أن يجد المصريون الحل الذي يناسبهم، الذي يحقن دماءهم ويوقف تآكلهم ويجعل مصر في مقدمة الدول الديمقراطية العربية، وأنا ما زلت مقتنعاً بأنها ستكون كذلك، رغم الصعوبات الكبرى التي تعانيها، ورغم الانتخابات الأخيرة، والصراع لا يحسم من خلال الشارع أو العنف، بل يجب أن تتحقق قناعة جماعية بأن مستقبل مصر كدولة ديمقراطية نامية ووازنة في العالم العربي وفي العالم، هو بالحل التوافقي الذي لا يرضي طرفاً واحداً، بل يرضي الجميع.

ــ كيف ترى أن مثل هذا التوافق سيحصل في ظل تصريحات عبد الفتاح السيسي عن أنه لا عودة للاخوان المسلمين للحياة السياسية في مصر؟

* في ظل هذا التشنج والصراع، يمكن أن نسمع مثل هذه التصريحات. لكن هناك دولاً حدث فيها أكثر من ذلك، ولكنها في النهاية اقتنعت بأنه لا يمكن لأحد أن يلغي أحداً، واضطرت إلى التعايش السلمي والاعتراف المتبادل وتحكيم الديمقراطية.

ــ سبق أن اعتذرتم للتونسيين عن الأخطاء التي اقترفت في عهدكم كرئيس حكومة. هل كان اعتذاراً سياسياً أم أخلاقياً؟

* لا أجد أي غضاضة في أن اعتذر لإنسان أو لشعب عن خطأ ارتكبته في حقه، سواء كنت واعياً له أو لا. قد أكون اقترفتُ تقصيراً أو خطأً، وأنا في الكثير من الخطب التي كنتُ ألقيها، كنتُ أقول ليس هناك حكومة لا تخطئ، ففي السياسة أنت تسدّد وتقارب وتعالج، ونحن نحاول أن نصلح أخطاء الذين سبقونا والذين معنا، والذين يأتون من بعدنا سيحاولون اصلاح أخطائنا.

ــ بعد مرور فترة من خروجكم من الحكومة، ما هي الأخطاء التي تتصور أن حكومتكم ارتكبتها؟

* كانت الظروف صعبة، ولكنني أعتقد أن التقصير كان على مستوى التعاطي الاعلامي، إذ لم ننجح في إيصال إنجازاتنا، وهو تقصير نتحمل مسؤوليته نحن والاعلام.

ــ كوزير داخلية وكرئيس حكومة، كيف عشتم اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي؟

* اهتزت البلاد في تلك المرحلة بشدة، وخصوصاً أنه تم التعامل مع هذه القضايا بكثير من التسييس، وكان أمامي هدف أساسي وهو ألا نسقط في التناحر الداخلي ونذهب الى المجهول. كان هناك مَن يسعى الى إسقاط الحكومة والمجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية، أي إسقاط كل ما تم إنجازه منذ انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول، وهناك من كان يروج الى أن الثورة فشلت، وأنها جاءت لنا بالخراب، فكان علي شخصياً وعلى "الترويكا" وعلى كل الاطراف التي تريد الخير لتونس، ألا نترك البلاد تذهب في خيار التناحر الداخلي والمجهول، من خلال إفراغ المؤسسات وإسقاطها.

أنا أقيّم ايجابياً تلك المرحلة، لأننا تجنبنا التناحر الداخلي والدخول في المجهول، ولم تكن التكلفة بسيطة، فقد ضاع وقت كثير وخرجنا من السلطة، ولكن البلاد بقيت في المسار الصحيح، وتمكنت من كتابة دستور وقطعت خطوات في الاتجاه الايجابي.

ــ ماذا عن الوثيقة والتحذير الذي ورد من وكالة الاستخبارات الاميركية بخصوص امكانية اغتيال محمد البراهمي؟

* كنت رئيساً للحكومة وقتها، ولم أعلم بوجود الوثيقة الا بعد الاغتيال، ووزارة الداخلية تتعامل مع كثير من الدول من خلال تبادل المعلومات، وعندما وردت هذه المعلومة، أخذت تدرجها الاداري الطبيعي، ولكن حصل خطأ في تقدير مصداقية المعلومة، فحصلت الكارثة واتخذت بعدها إجراءات كثيرة لحماية الشخصيات التونسية.

كان هذا إخفاقاً ارتكبناه، لأن الجهاز لم يقدّر حجم الخطورة وحجم مصداقية المعلومة.

نحن مسؤولون سياسياً عن كل ما وقع في المرحلة التي تولينا فيها الحكم، سواء كانت اخفاقات أمنية أو سياسية أو أحداث محافظة سليانة أو غيرها، لذالك طبعاً نتحمل مسؤولية هذا الخطأ سياسياً.

ــ هل تعود للحكومة يوماً ما لو فزتم في الانتخبات المقبلة؟

* على المستوى الشخصي، يمكن أن أعود وأتحمل المسؤولية، ولا يوجد لدي أي مانع في هذا، خصوصاً في هذه المراحل التي لا يزال فيها شيء من الخوف على البلد.

ــ سبق للشيخ راشد الغنوشي أن قال، في حوار سابق، إن حركة النهضة نجحت في الدخول إلى الحكم، ونجحت في الخروج منه. هل تؤيدون كلامه؟

* هذا صحيح بالنسبة للحركات الاسلامية، فهي لم تكن مهيأة لادارة شؤون البلدان، والامور جاءت بشكل مباغت جداً، ومما ضاعف من هذا الاشكال أنها جاءت من خلال ثورة، بالتالي لم تتولَّ الحكم في وضع فيه قدر من الاستقرار حتى يمكن أن نحكم على حجم خبرتها موضوعياً.

أما بالنسبة لحركة النهضة، فنحن حققنا في تقديري بعض النجاحات، وهناك أيضاً بعض الاخفاقات. وعن دخولنا الحكم، فما زلتُ أذكر عندما كنت أرأس الهيئة التأسيسية لحركة النهضة واتخذنا قراراً في ربيع العام 2011 بالدخول بكل قوة الى الانتخابات التشريعية في 23 أكتوبر/تشرين الأول، وقلنا إننا لو كنا مطمئنين الى ان الاطراف التي ستمسك بالسلطة، ستواصل هذه الثورة وتحافظ على الحرية والديمقراطية، فإننا سنشارك بنسبة قليلة فقط لتكون الحركة موجودة في الساحة، لأنها في حاجة إلى بناء نفسها بعدما شُرّدت لعشرين سنة. لكن ظهر لنا أن هناك فراغاً، والبلد ليس فيه قوى تطمئن إلى مستقبل البلاد، فقلنا إنه لا بد أن نتحمل مسؤوليتنا وندخل ونساعد مع الذين يساعدون، وكانت النتيجة نسبياً أكثر مما توقعنا، فكنا نتوقع أن نكون فقط شركاء، فأصبحنا نحن الذين نقود.

عندما بدأنا بتشكيل الحكومة في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بعد الانتخابات، كنا متفقين على إدارة الحكم في شكل ائتلافي، وكان الظن عندنا أن جميع الاحزاب ستقبل قانون اللعبة، أي معارضة في اطار وحدة وطنية وفي اطار التداول على السلطة، من دون تشكيك في المنظومة كلها. لكن تبين لنا أن هذا الحساب كان خاطئاً، فبذلنا جهوداً في توسيع الحكومة من دون أن نفلح.

ــ أعلنت حركة النهضة أنه يمكن أن يستمر مهدي جمعة في رئاسة الحكومة بعد الانتخابات، في حين أنكم كُنْتُمْ دائماً تدافعون عن شرعية صندوق الاقتراع.

* هذا موضوع سابق لأوانه، ونتائج الانتخابات المقبلة هي التي ستحدد هذا الموضوع، وإذا فازت النهضة، سنعالج هذه المسائل بعقلية الفائز في الصندوق، مع دعمه بالمشاركة والائتلاف.

ــ هناك تغير في موقف حركة النهضة من قانون العزل السياسي، ما تفسيره؟

* بصراحة، لا نجد دعماً كبيراً لخيار الاقصاء حالياً. كانت هناك مشروعية له في بداية الثورة. أما في ظل التوازنات الحالية، أو في ما يمكن أن يجنيه البلد من مشاكل في حال سرنا في هذا القانون، فإننا نجد أنفسنا أخلاقياً ودينياً ومن حيث المصلحة، وعقلياً، مدفوعين لأن نجنب بلدنا ما يمكن أن يترتب عن إقرار هذا الفصل. أعتقد أن إقرار ذلك تترتب عنه مضار كبيرة جداً علينا أن نتجنبها. لكن عندنا ثقة كبيرة في وعي الشعب التونسي لجهة أنه سيقصي من هو ضالع في الفساد والاستبداد.

ــ هل تعرف شخصياً الناس الذين عذبوك أو اتعبوك في السجن؟

* خرجتُ من السجن في سنة 2004 ومنذ ذلك التاريخ حتى انتصار الثورة، وأنا اتعرض إلى الكثير من المشاكل، وملاحقات ومتابعات واعتقالات وتهديد وإهانات، ما جعل حياتي حياة نكد في الحقيقة، وكثيرون من الذين عذبوني أعرفهم تماماً في المناطق الامنية ومراكز الشرطة والوزارة.

ــ هل قابلتَ أحدهم بعد الثورة؟

* قابلت منهم عدة عناصر ومسؤولين.

ـ هل أنت مرشح لمنصب الأمين العام الجديد لحركة النهضة؟

* نعم أنا أحد المرشحين في حال كان قرار الاخوة أن اكون الأمين العام. أما في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، فهذا موضوع صعب. بالنسبة الينا في حركة النهضة التي هي حزب رئيسي، الشخص الذي سنعطيه أصواتنا له حظوظ كبيرة ليكون رئيساً للجمهورية، ونحن نبحث عن الافضل وهو أن يكون رئيساً يحترمه التونسيون، ولا نخشى منه عودة الاستبداد أو الفساد أو الاقصاء أو شيء من هذا القبيل، وأن يحظى باحترام دولي ويجلب لتونس الاحترام والاستثمار والعلاقات الجيدة وكل هذه العوامل نريدها ان تكون مجتمعة مع بعضها في شخصه.

ــ هل هناك من تتوفر فيه كل هذه المواصفات؟

* ليس كثيراً بصراحة، ونحن لم نبت في هذا الموضوع بعد، ونتحدث مع الكثير من الناس بخصوصه.

ــ تقريباً أعلنت معظم الاحزاب عن مرشحيها باستثناء حركتكم.

* لأننا لم نقرر بعد إن كنا سنرشح أحداً من صفوفنا، ومن الوارد جداً ألا نفعل ذلك، وإنما أن نساند أحد المرشحين. يهمنا جداً في حركة النهضة ان نعرف من هم المرشحون أولاً، وإن وجدنا مرشحاً يحظى بالتوافق، فسيكون الأفضل لتونس.

ــ انطلاقاً من هذه المبادئ التي تحدثت عنها، هل يمكن لحركة النهضة أن ترشح أحداً غير الأستاذ حمادي الجبالي حتى وإن ترشح للرئاسة وهو سبق أن أعلن عن رغبته في ذلك؟

* هو أعلن عن احتمال الترشح، وفي الحقيقة هذا سيكون وضعاً صعباً ونحن لا نريد أن نقع في هذه الحالة. يعني قرار الحركة في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية هو قرار سيادي، آمل أن تأخذه بمعيار واحد، هو مصلحة البلاد، وليس فيه أي خضوع أو ضغط من خارج الحركة، او من داخلها. لذالك نحن نفكر كثيراً قبل أن نعلن موقفنا في مَن سنعطيه أصواتنا من داخل الحركة أو من خارجه.

ذات صلة

الصورة
مسيرة احتجاجية في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، 25 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

طالبت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس بإطلاق سراحهم بعد مضي سنة ونصف سنة على سجنهم، وذلك خلال مسيرة احتجاجية انطلقت وسط العاصمة.
الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
الصورة
مسيرات في تونس تنديداً بقصف خيام النازحين (العربي الجديد)

سياسة

شارك مواطنون تونسيون وسياسيون ومنظمات وطنية وحقوقيون، مساء اليوم الاثنين، في مسيرات في مدن تونسية تنديداً بالحرب على غزة، ولا سيما مجزرة رفح. 
الصورة
مسيرة في تونس ترفع شعارات الثورة التونسية، 24 مايو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

رفعت شعارات الثورة التونسية "شغل حرية كرامة وطنية" في احتجاج شبابي في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، تعبيراً عن رفض ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.