مع نهاية العام الدراسي وبداية عطلة الصيف، اتجهت نسبة كبيرة من الأطفال السوريين نحو العمل حيث أمكن إيجاد فرصة سانحة. وفي حين يعود بعض الأطفال إلى المدرسة من جديد، حال بداية العام الدراسي، يفضل آخرون، بدفع من عائلاتهم، التمسك بعملهم المضني رغم حصولهم على أجر بائس، وينضمون بذلك إلى جيش الأطفال المتسربين من التعليم، وهؤلاء باتوا يقدرون بأكثر من 50 في المائة من الأطفال السوريين في سن التعليم المدرسي.
فقد أجبرت تكاليف الحياة الباهظة عشرات آلاف الأسر السورية على زج أطفالها في سوق العمل، وذلك رغم حصول الأطفال على أجور هزيلة جداً لا تغطي حتى المصاريف اليومية للطفل نفسه. وقد استغل بعض التجار المعاناة الاقتصادية للأسر، وفتحوا الباب جزئياً لقبول الأطفال كعمال، بأجر هزيل، بذريعة عدم امتلاكهم الخبرة.
في العاصمة دمشق، يمكن مشاهدة الإعلانات على أبواب المحال التجارية والورش الصغيرة التي تطلب حرفياً: "عامل صغير". ويبتغي هؤلاء الحصول على يد عاملة رخيصة جداً إذ يدفعون للأطفال مبلغاً يدعونه "مكافأة" وليس أجراً، بحسب شكري الذي يقيم في العاصمة دمشق. يقول شكري، لـ "العربي الجديد": "تقوم بعض المحال التجارية بتوظيف أطفال المنطقة، ويدفعون لهم مكافأة بحدود 5 آلاف ليرة سورية (17 دولاراً ) مقابل أكثر من 9 ساعات من العمل". وفي حين لا يوجد إنسان بالغ يمكن أن يعمل بهذا الأجر، تقبل بعض العائلات التي تعيش على دخول شحيحة جداً هذه "الصفقة" على اعتبار أن أية زيادة في دخل العائلة، ومهما كانت متواضعة، تشكل فرقاً.
أما شادي، فيروي لـ "العربي الجديد": "عمل ابن أخي في محل حلاقة في عطلة الصيف العام الماضي، وكان يكسب 6 آلاف ليرة شهرياً، وبعد انتهاء فصل الصيف فضل والده إبقاءه في العمل، ولم يمانع الطفل البالغ من العمر 13 عاماً". يحدث هذا على نطاق واسع في سورية طيلة الأعوام الماضية، حيث يشير تقرير للمركز السوري لبحوث السياسات إلى أنه وخلال العام الدراسي 2014-2015 فإن نحو 50 في المائة من الأطفال في سن المدرسة لم يلتحقوا بالتعليم، أما في العام الحالي فتتجاوز نسبتهم حاجز 50 في المائة. وهكذا، فإن أداء التعليم الأساسي في سورية خلال عام 2014 شكل "ثاني أسوأ أداء في العالم وفق مؤشرات التنمية البشرية" بحسب المركز.
اقرأ أيضا: سوق العمل اللبنانية تنكّل بأطفال سورية
يقول شادي: "أتفهم حالة أخي، ولماذا دفع بطفله إلى سوق العمل، فهو يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، وهذا يجعله يتخلص من عبء نفقات التعليم والنفقات اليومية، كما يأمل أن يكتسب ابنه مهنة جيدة في نهاية المطاف".
في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري حيث الدمار أكبر بكثير، لا توجد قطاعات اقتصادية تستوعب الأطفال، ولكن نسبة التسرب من المدارس تبلغ مستويات قياسية. فرغم قلة أعداد المدارس في تلك المناطق، تفضل معظم العائلات عدم إرسال أطفالها إلى المدرسة البديلة، خشية أن يتجمعوا في أماكن معروفة بحيث تكون عرضة للقصف الجوي من قبل النظام السوري.
يقول الباحث الاقتصادي، معن الراعي، لـ "العربي الجديد"، إن لمسألة عمالة الأطفال والتسرب المدرسي "تداعيات مدمرة على مستقبل الأطفال أنفسهم ومستقبل الاقتصاد السوري". ويعتبر ذلك جزءاً من معاناة شاملة تحدق بالأطفال، إذ إنه في ظل الحرب "يفقد الطفل التعليم المدرسي مما يعني أن الأطفال يفتقرون إلى التكوين العلمي والمهني والصحي السليم، ويقذفون في بيئة عمل قاسية وضعيفة الإنتاجية". وستسفر هذه الظاهرة على المدى الأبعد عن "جيل من العمالة المهنية ضعيفة التعليم والمهارة والإنتاجية، وستشكل كتلة كبيرة من القوة العاملة السورية، وسيضيف ذلك تحديات جديدة إلى خطط التنمية في المستقبل".
وفي هذا السياق، يقيس تقرير اقتصادي صادر عن "المركز السوري لبحوث السياسات" الفاقد في رأس المال البشري نتيجة خسارة "سنوات التمدرس"، ويصل إلى أن قيمة كل عام من التمدرس تقدر بنحو 680 دولاراً أميركيّاً للطالب الواحد، وبأن حجم الخسارة في سنوات التمدرس خلال سنوات الحرب هي 7.4 ملايين سنة. وهكذا تشكل الخسارة في رأس المال البشري في سورية بسبب التسرب المدرسي حتى نهاية عام 2014 نحو 5.1 مليارات دولار أميركي.
فقد أجبرت تكاليف الحياة الباهظة عشرات آلاف الأسر السورية على زج أطفالها في سوق العمل، وذلك رغم حصول الأطفال على أجور هزيلة جداً لا تغطي حتى المصاريف اليومية للطفل نفسه. وقد استغل بعض التجار المعاناة الاقتصادية للأسر، وفتحوا الباب جزئياً لقبول الأطفال كعمال، بأجر هزيل، بذريعة عدم امتلاكهم الخبرة.
في العاصمة دمشق، يمكن مشاهدة الإعلانات على أبواب المحال التجارية والورش الصغيرة التي تطلب حرفياً: "عامل صغير". ويبتغي هؤلاء الحصول على يد عاملة رخيصة جداً إذ يدفعون للأطفال مبلغاً يدعونه "مكافأة" وليس أجراً، بحسب شكري الذي يقيم في العاصمة دمشق. يقول شكري، لـ "العربي الجديد": "تقوم بعض المحال التجارية بتوظيف أطفال المنطقة، ويدفعون لهم مكافأة بحدود 5 آلاف ليرة سورية (17 دولاراً ) مقابل أكثر من 9 ساعات من العمل". وفي حين لا يوجد إنسان بالغ يمكن أن يعمل بهذا الأجر، تقبل بعض العائلات التي تعيش على دخول شحيحة جداً هذه "الصفقة" على اعتبار أن أية زيادة في دخل العائلة، ومهما كانت متواضعة، تشكل فرقاً.
أما شادي، فيروي لـ "العربي الجديد": "عمل ابن أخي في محل حلاقة في عطلة الصيف العام الماضي، وكان يكسب 6 آلاف ليرة شهرياً، وبعد انتهاء فصل الصيف فضل والده إبقاءه في العمل، ولم يمانع الطفل البالغ من العمر 13 عاماً". يحدث هذا على نطاق واسع في سورية طيلة الأعوام الماضية، حيث يشير تقرير للمركز السوري لبحوث السياسات إلى أنه وخلال العام الدراسي 2014-2015 فإن نحو 50 في المائة من الأطفال في سن المدرسة لم يلتحقوا بالتعليم، أما في العام الحالي فتتجاوز نسبتهم حاجز 50 في المائة. وهكذا، فإن أداء التعليم الأساسي في سورية خلال عام 2014 شكل "ثاني أسوأ أداء في العالم وفق مؤشرات التنمية البشرية" بحسب المركز.
اقرأ أيضا: سوق العمل اللبنانية تنكّل بأطفال سورية
يقول شادي: "أتفهم حالة أخي، ولماذا دفع بطفله إلى سوق العمل، فهو يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة، وهذا يجعله يتخلص من عبء نفقات التعليم والنفقات اليومية، كما يأمل أن يكتسب ابنه مهنة جيدة في نهاية المطاف".
في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري حيث الدمار أكبر بكثير، لا توجد قطاعات اقتصادية تستوعب الأطفال، ولكن نسبة التسرب من المدارس تبلغ مستويات قياسية. فرغم قلة أعداد المدارس في تلك المناطق، تفضل معظم العائلات عدم إرسال أطفالها إلى المدرسة البديلة، خشية أن يتجمعوا في أماكن معروفة بحيث تكون عرضة للقصف الجوي من قبل النظام السوري.
يقول الباحث الاقتصادي، معن الراعي، لـ "العربي الجديد"، إن لمسألة عمالة الأطفال والتسرب المدرسي "تداعيات مدمرة على مستقبل الأطفال أنفسهم ومستقبل الاقتصاد السوري". ويعتبر ذلك جزءاً من معاناة شاملة تحدق بالأطفال، إذ إنه في ظل الحرب "يفقد الطفل التعليم المدرسي مما يعني أن الأطفال يفتقرون إلى التكوين العلمي والمهني والصحي السليم، ويقذفون في بيئة عمل قاسية وضعيفة الإنتاجية". وستسفر هذه الظاهرة على المدى الأبعد عن "جيل من العمالة المهنية ضعيفة التعليم والمهارة والإنتاجية، وستشكل كتلة كبيرة من القوة العاملة السورية، وسيضيف ذلك تحديات جديدة إلى خطط التنمية في المستقبل".
وفي هذا السياق، يقيس تقرير اقتصادي صادر عن "المركز السوري لبحوث السياسات" الفاقد في رأس المال البشري نتيجة خسارة "سنوات التمدرس"، ويصل إلى أن قيمة كل عام من التمدرس تقدر بنحو 680 دولاراً أميركيّاً للطالب الواحد، وبأن حجم الخسارة في سنوات التمدرس خلال سنوات الحرب هي 7.4 ملايين سنة. وهكذا تشكل الخسارة في رأس المال البشري في سورية بسبب التسرب المدرسي حتى نهاية عام 2014 نحو 5.1 مليارات دولار أميركي.