رغم ضخامة الكتاب الذي تجاوز الألفي صفحة، لم يعمد المؤرخ الليبي عمران بورويس إلى تقسيمه إلى أجزاء. يرى في هذا تعبيراً رمزياً عن وحدة الأقاليم الليبية الثلاثة: برقة وطرابلس وفزّان.
الكتاب هو "ذاكرة الوطن.. محطّات من تاريخ ليبيا الحديث"، صدر حديثاً عن دار "السلفيوم". استغرق المؤلّف في إعداده وجمع مواده عدّة سنوات، فجاء موثّقاً بالمصادر العربية والأجنبية، ليلقي الضوء على محطات مختلفة تمتدّ من 1882 حتى 2011، وتمثّل أهم الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية، في مختلف العهود التي ساهمت في تشكيل دولة ليبيا بشكلها الحديث.
تغطّي فصول الكتاب عدّة حقب منها: العهدان العثماني والإيطالي والإدارة البريطانية للبلاد بعد الحرب العالمية الثانية، كما تتناول التنظيمات السياسية قبل الاستقلال وتاريخ الصحافة الوطنية منذ صدور "طرابلس الغرب" أول صحيفة ليبية، وصولاً إلى العهد الملكي ثم السلطة الخامسة، ثمّ عهد القذافي (1969 - 2011).
يخصّص الكتاب أيضاً مادة عن "ثورة فبراير" والتنظيمات السياسية المعارضة، ويفرد صفحات لأشهر الأحكام القضائية في هذه الفترة، مرفقاً المعلومات الواردة بالوثائق.
يركّز المؤلّف بشكل مفصل على حقب كانت شبه مجهولة وبعيدة عن البحث والدراسة لأسباب مختلفة؛ فعلى سبيل المثال، كان تناول الصحافة الليبية لعهد الإدارة البريطانية والعهد الملكي أمراً ممنوعاً طيلة حكم القذافي.
تطرّق الكاتب إلى فترة تأسيس الدولة الليبية وتوحيدها وتجربتها السياسية والتجربة الدستورية وتأسيس عدد من مؤسسات الدولة كالمحكمة العليا.
استحدث بورويس أيضاً مصطلح "السلطة الخامسة"، واستخدمه لتأريخ الثورات في القرن العشرين، فدرس من خلاله انتفاضات "الربيع العربي" وخلفياتها من خلال عرض متابعة لـ"مؤتمر مونبيليه" الذي عُقد في فرنسا لمناقشة هذه الانتفاضات.
وفي باب آخر استفاض الكاتب في تأريخ أحداث "ثورة فبراير". تأتي أهمية التناول مشاركة ومعاصرة المؤلّف لهذه الفترة، حيث نجد تفاصيل ليست معروفة لكثيرين عن اندلاع الأحداث وتشكيل المجلس الوطني الانتقالي موثّقة بمحاضر معظم القرارات التي أصدرها المجلس.
في فصل بعنوان "الوثيقة اللصيقة"، ضمّن بورويس صوراً ووثائق مواكبة لأهم الوقفات التاريخية في ليبيا خلال مدة الدراسة. هنا، لا بد من الإشارة إلى أن الكاتب يُعدّ واحداً من الباحثين الليبيين الذين جمعوا أرشيفهم بجهود شخصية، وأنه انتهج جمع الصور والوثائق في معظم كتبه السابقة، ومن بينها كتابه عن محاكمة عمر المختار، الذي حرّر فيه المادّة الوثائقية الخاصّة بسجنه ومحاكمته التي قام بها المحامي الإيطالي روبرتو لونتانو.
تناول الكتاب، بشكل عام، أن يعرض وقائع معبّرة عن تاريخ ليبيا على امتداد مائة وعشرين عاماً، على نحو لا ينحاز إلى زمن ضد آخر، تاركاً للقارئ حرية اتّخاذ موقف إزاء هذه الحقبة أو تلك.