تحوّلت معارك مدينة حلب، إلى اشتباكات كرّ وفرّ، بدلاً من حروب تقدّم وسيطرة، وذلك بعد خوض كل من قوات النظام السوري وقوات المعارضة السورية، يوم الأحد، جولة قتال جديدة جنوب حلب وغربها، من دون أن ينجح أي من الطرفين في تحقيق نصر حاسم في أي من جبهات القتال المشتعلة، في المناطق الواقعة على أطراف خطوط إمداد المعارضة والنظام إلى مناطق سيطرتها في المدينة، مع العلم بأن المدينة باتت أمام تطوّرات بارزة، بعد إعلان وزير الدفاع، سيرغي شويغو، أمس الإثنين، أن "روسيا والولايات المتحدة على وشك البدء في عمل عسكري مشترك ضد المتشددين في حلب".
في هذا السياق، نقلت وسائل إعلام روسية عن شويغو قوله: "نحن الآن في مرحلة نشطة للغاية من المفاوضات مع زملائنا الأميركيين، ونقترب شيئاً فشيئاً من خطة، ستسمح لنا حقاً بالبدء في القتال معاً لإحلال السلام، بما يُمكن للسكان العودة لديارهم في هذه المنطقة المضطربة". ولفت شويغو قائلاً: "لا أتحدث هنا عن حلب فقط".
تأتي الخطوة المشتركة بين واشنطن وموسكو، في وقت بدت فيه قوات المعارضة موفقة ميدانياً، نظراً لحيازتها المبادرة العسكرية، عبر هجماتها المتكررة على مناطق سيطرة النظام. مع ذلك تمكنت قوات النظام وللمرة الأولى في الأسبوعين الأخيرين، من التصدّي لهجوم كبير لقوات المعارضة، الأمر الذي عدّه مراقبون محليون، بأنه تطور يشير إلى أن قوات النظام، ربما نجحت في جلب التعزيزات الكافية للتصدي للمعارضة.
في هذا السياق، أعلن جيش الفتح، وهو ائتلاف يجمع أكبر فصائل المعارضة في الشمال السوري، مساء الأحد، عن بدء قواته عملية اقتحام معمل إسمنت الشيخ سعيد، الواقع جنوب غربي حلب، الذي تتحصّن فيه قوات النظام والمليشيات المساندة لها. وجاء ذلك بعد ساعات قليلة من اندلاع اشتباكات عنيفة على جبهات القتال في محيط حي جمعية الزهراء وكتيبة المدفعية المجاورة له، غربي حلب.
وذكرت جبهة فتح الشام، وهي فصيل منضوٍ في جيش الفتح، على حسابها الرسمي على موقع تويتر، عن تمكن قواتها من السيطرة على أجزاء واسعة من معمل الإسمنت، في الوقت الذي يجري فيه تمشيط الأجزاء الباقية منه. وجاء هذا التقدم لقوات المعارضة في المنطقة، بعد انسحاب قوات النظام، وقوات حزب الله والمليشيات العراقية المتحالفة معه من نقاطها الدفاعية، في محيط معمل الإسمنت، تحت ضربات قوات المعارضة. إلا أن هذا الهجوم على المعمل لم ينجح في النهاية، إثر تمكن قوات النظام والمليشيات الحليفة من تنفيذ هجوم معاكس فجر أمس، الإثنين، نجحت فيه بطرد قوات المعارضة من النقاط التي وضعت يدها عليها في المعمل.
وقد أدت المعارك القوية التي استمرت لساعات في معمل الإسمنت ومحيطه، إلى سقوط خسائر بشرية كبيرة في صفوف الطرفين. وفي هذا الصدد، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه قضى خلال هذه المعارك والقصف العنيف والمتبادل في المعمل ومحيطه، 35 مقاتلاً على الأقل من فصائل المعارضة، و17 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها. كما أسفرت الاشتباكات عن سقوط عشرات الجرحى في صفوف الطرفين بحسب المرصد.
ولا تبدو هذه الخسائر مستغربة، مع أهمية معمل الإسمنت، التي تنبع من كونه يشرف على طريق إمداد الراموسة، الذي كان يصل مناطق سيطرة النظام في حلب بباقي مناطق سيطرته في سورية. إلا أن تقدم قوات المعارضة الأخير في حلب، الذي مكّنها من السيطرة على حي الراموسة ومدرسة المدفعية وكلية التسليح والكلية الفنية الجوية، جعل طريق الراموسة بيد قوات المعارضة، ومكّنها من فتح طريق إمداد إلى مناطق سيطرتها التي كانت محاصرة في حلب وحرم النظام من طريق الراموسة.
من هنا تأتي الأهمية الاستراتيجية العالية لمعمل الإسمنت، فهو البناء الأكبر والأضخم المشرف على طريق الراموسة، وتعني السيطرة عليه تهديد الطريق بشكل مستمر. وهو ما دفع قوات المعارضة إلى السعي للسيطرة على المعمل والاستبسال في الدفاع عنه، أملاً في أن يكون المعمل منطلقاً لاستعادة المناطق التي خسرتها قوات النظام لصالح المعارضة جنوب حلب.
وجاء هجوم قوات المعارضة على معمل الإسمنت، بعد ساعات من هجوم مماثل شنّته قوات جيش الفتح على نقاط تمركز قوات النظام وحلفائها في محيط حي جمعية الزهراء وكتيبة المدفعية الواقعة قربه، التي تعتبر خط دفاع النظام الأول عن مناطق سيطرتها غرب حلب.
وفي هذا الإطار، أعلنت حركة أحرار الشام الإسلامية، عن قيام قواتها بقصف مواقع النظام في هذه المناطق، كما أعلنت فصائل المعارضة المشاركة في العملية عن نجاحها في تدمير مدفعين لقوات النظام في المنطقة، بعد استهدافها بصواريخ مضادة للدروع. ونوّهت الحركة إلى أنها "استهدفت مواقع النظام في محيط حي جمعية الزهراء بسيارة مفخخة، ما خلف خسائر في صفوف قوات النظام"، إلا أن هذه الهجمات جميعاً لم تسفر عن أي تقدم يذكر لقوات المعارضة في المنطقة.
وواصلت قوات المعارضة، التصدي لقوات النظام التي تحاول التقدم في مشروع 1070 شقة السكني، جنوب حي الحمدانية إلى الجنوب من حلب، حيث ما زالت المعارضة تسيطر عليها وعلى منطقتي عقرب ومدرسة الحكم المجاورتين لها، بالرغم من استمرار الطيران الروسي في الإغارة على هذه المناطق على مدار الساعة، لدفع قوات المعارضة للانسحاب منها. وتُعدّ السيطرة على هذه المناطق بالنسبة لقوات النظام منطلقاً لاستعادة المناطق التي خسرتها لصالح المعارضة جنوب حلب خلال الأيام الماضية.