في مستشفيات قطاع غزة، تتوزّع المعاناة عادة ما بين نقص في الأدوية وفي المعدات الطبية. لكن ثمّة معاناة أخرى، يخبرها عمال النظافة في تلك المؤسسات الصحية، الذين لا يحصلون على حقوقهم البسيطة، لا سيّما تقاضي رواتبهم المتدنية في الأساس.
لا تجد هذه الفئة من العمال أي التزام من المعنيين بتأمين متطلباتها، في حين لا يُنظَّم عملها ولا تحمي أي جهة حقوقها في حال المرض أو غيرها. أما السبب، فهو واقع اشتغال هؤلاء في شركات التنظيفات تعمل وفق عقود مع وزارة الصحة في غزة، بعد مناقصات شاركت فيها. بالتالي، لا عقود عمل رسمية تمنحهم حقوق جمع سنوات الخدمة.
وعمال النظافة في المستشفيات، هم أصحاب الدخل الأدنى في مجموع العمال في فلسطين، إذ يتقاضون مقابل ساعة العمل الواحدة 2.5 شيكل إسرائيلي (0.7 دولار أميركي). ويعمل نصف هؤلاء ما بين 8 و10 ساعات يومياً، للتحصيل شهرياً 700 شيكل (180 دولاراً). وقد قدّر مركز الإحصاء الفلسطيني مستوى خط الفقر بالأسرة المرجعية المكونة من خمسة أفراد ومدخولها ألفَان و293 شيكلاً (592 دولاراً)، بينما يقدّر خط الفقر المدقع مع مدخول ألف و832 شيكلاً (473 دولاراً أميريكياً). وهذا يعني أن تصنيف أسرة عامل النظافة، هو ما دون خط الفقر المدقع.
أم محمد (38 عاماً) تعمل منذ ثمانية أعوام في مجال التنظيفات في المستشفى الأوروبي الحكومي جنوب القطاع. في البداية كانت تحصل 500 شيكل شهرياً (130 دولاراً)، وكانت راضية على الرغم من قلة المبلغ، فهي كانت تحصل عليه في نهاية كل شهر. أما اليوم، فهي تجد صعوبة في تحصيل راتب واحد مرّة كل شهرين، في وقت أصبحت تتقاضى 700 شيكل شهرياً.
تحكي أم محمد لـ "العربي الجديد " أنه "على الرغم من عملي وعمل زوجي في البناء عشر ساعات يومياً، لا نخرج إلا بطعامنا فقط. لا ميزانية للباس ولا لأغطية المنزل مثلاً. نحن نعتمد على مساعدات الجمعيات. ويزداد خوفنا من أن نصبح في يوم غير قادرين على توفير حتى الطعام". وتتكوّن أسرة أم محمد من سبعة أفراد يسكنون في منزل مستأجر، لا يحتمل صاحبه التأخير ولو يوماً. إلى ذلك تأتي فواتير المياه والكهرباء، وهذا ما يجعل الأسرة تعاني بشكل كبير كلما اقترب الشهر من نهايته. وتشير إلى أنها تذهب في بعض الأحيان مشياً على الأقدام إلى المستشفى، "لأنني لا أملك قرشاً واحداً، ولا حتى زوجي. كذلك لا أستطيع الاستدانة، لأنني لا أعلم متى موعد تسلم الرواتب".
اقرأ أيضاً: أطفال الشاي في غزة
محمد أبو راس (40 عاماً) يعمل في هذا المجال منذ ثلاثة أعوام بعدما خسر محله التجاري خلال العدوان الثاني على غزة عام 2012. يقول لـ "العربي الجديد" إن "ظروفنا كعمال هي الأسوأ في سوق العمل الفلسطيني. لا توقع الشركة معنا عقود عمل، لأنها لا تضمن ظروفها الاقتصادية. ولا تستطيع الوزارة إجبارها على ذلك، لأنها هي الأخرى لا تضمن حقوقنا".
ويشير مدير الدائرة القانونية في وزارة العمل في غزة محمد الحداد، إلى أن "عمال النظافة يخضعون لأحكام قانون العمل الفلسطيني الذي أوصى بتشكيل لجنة الحدّ الأدنى للأجور. لكن اللجنة لم تُشكّل على أرض الواقع، لأن القطاع يعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة ولا يمكن الضغط على شركات التنظيفات التي قد يتعرّض بعضها لخسارة في ظل الحصار".
ويوضح الحداد لـ "العربي الجديد" أن المجلس التشريعي في الضفة الغربية ضمن جلساته النقاشية والبحثية حول واقع حقوق العمال في فلسطين، أقرّ قانوناً للحد الأدنى للأجور وحدده بـ 1450 شيكلاً (374 دولاراً)". وقد طبّق بالفعل في الضفة فقط، إذ لم يجتمع المجلس التشريعي في غزة لذلك الغرض. ويشير الحداد إلى أن رواتب العمال كانت أقل مما هي عليه اليوم، وقد استطاعت وزارة العمل التدخل مع وزارة المالية لرفعها حتى تصل إلى أكثر من 700 شيكل في بعض المستشفيات.
عود على بدء
يبلغ عدد عمال نظافة المستشفيات في قطاع غزّة نحو 800 مشتغل في تسع شركات تنظيفات على مستوى المؤسسات الاستشفائية الحكومية الموزّعة في القطاع. وكان هؤلاء العمال قد عمدوا إلى الإضراب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 ومارس/ آذار 2015، للمطالبة بحقوقهم في الرواتب المتأخرة. حينها، التزمت الشركات بتسديد رواتبهم المتدنية، لكن عادت اليوم لتتأخر عليهم.
اقرأ أيضاً: الفرح ممنوع في غزة