01 يناير 2024
عندما تُفشِل تركيا "إيريني" بعد "أوبوس"
جاء فشل، أو بالأحرى إفشال تركيا، عملية إيريني البحرية الاستفزازية في ليبيا التي لا تحمل من السلام سوى الاسم، بعد فشل عملية أوبوس، البحرية أيضاً العام الماضي. أطلق الاتحاد الأوروبي رسمياً "إيريني" بتواطؤ فرنسي يوناني قبرصي، وبشكل علني، بغرض تحجيم الحضور التركي في ليبيا ومحاربته، وتقوية المتمرد خليفة حفتر على حساب حكومة الوفاق الشرعية. أما "أوبوس"، فكانت غير رسمية وغير شرعية أيضاً، قادتها الإمارات اعتماداً على مرتزقة وقراصنة خارجين عن القانون، لتحقيق الأغراض نفسها، قبل أن تنتهي هي الأخرى بفشل ذريع في عتمة الليل، حتى قبل أن تبدأ فعلاً.
أطلق الاتحاد الأوروبي عملية إيريني البحرية نهاية مارس/ آذار الماضي أساساً من أجل فرض حظر بحري على وصول السلاح إلى ليبيا، مع إضافة هدفين آخرين، منع تهريب النفط، ووقف الهجرة غير الشرعية انطلاقاً من الأراضي الليبية. كان يفترض أن تقود مالطا الحملة مع إيطاليا، لكنها انسحبت لغموض الحملة وعدم شفافيتها، بينما لم تتحمس إيطاليا لها، مع تردّد دول أوروبية أخرى في دعمها، لعدم الاقتناع بجدواها، وأساساً لعدم الرغبة في الصدام مع تركيا التي أظهرت تصميماً عالياً في الدفاع عن مصالحها، كما دعم الشرعية الدولية في ليبيا وشرق المتوسط بشكل عام.
بدت العملية استفزازية منذ اللحظة الأولى، وفضح اختيار اسمها "إيريني" الذي يعني السلام
باللغة اليونانية القديمة أهدافها وخلفياتها، وكان كافياً وحده كي ترفضها تركيا وتسعى إلى إفشالها باعتبارها ردّاً يونانياً قبرصياً مغلّفاً أوروبياً على تفاهم ترسيم الحدود بين تركيا وحكومة الوفاق الشرعية الذي أعاد حقوق ليبيا في مياهها الإقليمية، ومنع اليونان وقبرص من حصار تركيا بحرياً والهيمنة بالتواطؤ مع إسرائيل ونظام عبد الفتاح السيسي على منطقة شرق المتوسط الاستراتيجية والغنية بالثروات الطبيعية.
ثمة أسباب أخرى لرفض تركيا العملية، لا تقلّ وجاهة عمّا سبق، وتتمثل بغياب الشرعية الدولية عنها، فالاتحاد الأوروبي لم يحصل على التفويض اللازم من الأمم المتحدة للقيام بها. وإقليمياً، لم يجرِ التشاور مع تركيا بصفتها لاعباً مركزياً ومهماً في المنطقة، ولا حتى مع حلف شمال الأطلسي الذي يحتفظ بوجود ملحوظ فيها، ويضمّ في عضويته معظم دول الاتحاد الأوروبي وتركيا.
إضافة إلى ذلك، بدت العملية دون أفق سياسي جدّي، ولم تتبنّ جدّياً قرارات الشرعية الدولية، ولا مقرّرات مؤتمر برلين الذي كانت دول الاتحاد فاعلاً مركزياً فيه، كذلك لم تربط بين الجهود الميدانية وكيفية تحقيق تقدم في العملية السياسية بقيادة ليبية، وحضور الأمم المتحدة وإشرافها. وتجاهلت العملية تماماً الحكومة الشرعية في ليبيا، ولم يجرِ التشاور أو حتى التنسيق معها، خصوصاً أنها (الحكومة) تسعى كذلك إلى إيقاف تهريب النفط وحركة المهاجرين غير الشرعية، وطبعاً وصول السلاح والأموال والمساعدات إلى سلطة حفتر غير الشرعية في الشرق الليبي، عدا عن أن هذه العملية الأوروبية تساوي في أهدافها وأجندتها بين الحكومة الشرعية والخارج عنها المتمرّد خليفة حفتر.
الأسوأ من كل ما سبق، أن "إيريني" سعت فقط إلى فرض حظر بحري على وصول السلاح إلى ليبيا، علماً أن تركيا فقط ترسل الدعم للحكومة الشرعية عبر البحر، بينما يأتي دعم حفتر عبر الحدود المصرية برّاً وجوّاً. وعملياً، بدت العملية وكأنها ضد الحكومة الشرعية والدعم التركي لها، وتصبّ، ولو بشكل غير مباشر، في مصلحة خليفة حفتر.
بناءً عليه، رفضت تركيا عملية السلام المزعوم منذ اللحظة الأولى، وأرسلت سفناً حربية إلى المياه والشواطئ الليبية، وقامت طائراتها المتطورة من طراز أف 16 بطلعات في المنطقة، وأبدت بالتالي تصميماً واضحاً على الدفاع عن مصالحها ومناطق نفوذها، كما دعم حكومة الوفاق الشرعية والعملية السياسية، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
نجحت تركيا في جذب حلف شمال الأطلسي إلى جانبها، خصوصاً مع التدخل الروسي الفج إلى
جانب حفتر في ليبيا، وبدت العملية الأوروبية وكأنها متناغمة، وتعمل ذراعاً بحرياً للعمليات الروسية البرية والجوية غير الشرعية. وكان لافتاً في هذا الصدد إعلان الأمين العام للحلف الاستعداد للمساعدة في ليبيا مع عدم وضع الحكومة الشرعية والمتمرّدين في سلة واحدة.
وأفرغت المعطيات السابقة كلها عملية "السلام المزعوم" الأوروبية من محتواها وجدواها، خصوصاً مع احتدام المعارك، وتبدل الوقائع على الأرض بشكل كبير لمصلحة حكومة الوفاق الشرعية في اتجاه البحث عن الحلّ السياسي العادل والسلام الفعلي، على عكس ما أرادته العملية الأوروبية المشبوهة والمريبة.
قبل فشل عملية الاتحاد الأوروبي التي يمكن تصور احتمال تنسيقها، وربما حتى تمويلها من دولة الإمارات، كانت الأخيرة قد لجأت كعادتها إلى المرتزقة والقراصنة، وقادت عملية موازية غير شرعية أسمتها أوبوس، لتحقيق الأهداف نفسها للعملية الأوروبية الفاشلة، أي فرض حصار بحري، ومنع الدعم التركي عن حكومة الوفاق الشرعية، وحتى الصدام مع السفن التركية إذا لزم الأمر، لكنها بدت طموحةً أكثر، لكونها سعت إلى تشكيل ذراع بحرية لحفتر، مزودة بقوارب سريعة ومروحيات هجومية، لفرض ما يشبه الحصار البحري على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
وقد أفاد تقرير للأمم المتحدة، في 25 الشهر الماضي (مايو/ أيار) بأن عملية أوبوس قادتها وموّلتها أبوظبي في يونيو/ حزيران 2019، لكنها فشلت حتى قبل أن تبدأ. ثم قدمت صحيفة نيويورك تايمز في اليوم نفسه تفاصيل إضافية عن العملية التي جرى تمويهها عبر مشاركة مرتزقة وقراصنة (ليس بشكل رسمي) من بريطانيا وأميركا وجنوب إفريقيا وفرنسا ومالطا وأستراليا والأردن والإمارات التي تولّت قيادتها وإدارتها عبر شركات أمنية عاملة فيها. وقالت الأمم المتحدة إن العملية فشلت، ما أدى إلى هرب القراصنة في عتمة الليل إلى مالطا، من دون ذكر أسباب إلغائها. ولكن يمكن بسهولة الاستنتاج أن تركيا قد علمت بالعملية، وأبلغت الدول المعنية التي منعت مواطنيها من المضي فيها. ويمكن الاستنتاج أيضاً أنها هددت بمواجهة هذه العملية والتعامل معها، كما تعاملت مع القراصنة قبالة سواحل الصومال، وما كان طبعاً في وسع سبع مروحيات وقاربين سريعين مواجهة السفن والطائرات الحربية التركية المتفوقة، علماً أن مقتل مرتزقة غربيين كان سيسبب حرجاً بالغاً للحكومات التي لا تستطيع ساعتها الإنكار، وادعاء عدم معرفتها بعملية رُتِّبَت عبر ثماني دول بقيادة شركة أمنية إماراتية على علاقة مباشرة بشركة بلاك ووتر الأميركية سيئة الصيت.
بنظرة إلى الوراء، وترتيب الأحداث حسب تسلسلها الزمني، يمكن القول إن عملية إيريني كانت
بمثابة ردّ فعل رسمي من بعض الدول الأوروبية على عملية أوبوس الفاشلة وغير الرسمية. ويمكن استنتاج أن البيان الخماسي ضد تركيا وسياستها في شرق المتوسط وتفاهمها مع حكومة الوفاق الليبية الشرعية (رفضت إيطاليا التوقيع عليه) الذي أقحمت الإمارات نفسها فيه إلى جانب ثلاثي "إيريني"، قبرص واليونان وفرنسا، وبمشاركة الكومبارس عبد الفتاح السيسي، كان رد فعل على إفشال تركيا العمليتين والانتصارات الميدانية لحكومة الوفاق المدعومة منها على حساب خليفة حفتر المدعوم من الحلف الخماسي.
في كل الأحوال، أكدت التطورات أخيراً، بما فيها تعثر عملية إيريني وموتها سريرياً، وإفشال نظيرتها غير الشرعية "أوبوس"، أن تركيا باتت قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها تحديداً في شرق المتوسط، كذلك لا يمكن تجاهل حكومة الوفاق الليبية الشرعية، أو فرض أي حل خارجي ضد إرادتها وقرارات الشرعية الدولية ذات صلة.
بدت العملية استفزازية منذ اللحظة الأولى، وفضح اختيار اسمها "إيريني" الذي يعني السلام
ثمة أسباب أخرى لرفض تركيا العملية، لا تقلّ وجاهة عمّا سبق، وتتمثل بغياب الشرعية الدولية عنها، فالاتحاد الأوروبي لم يحصل على التفويض اللازم من الأمم المتحدة للقيام بها. وإقليمياً، لم يجرِ التشاور مع تركيا بصفتها لاعباً مركزياً ومهماً في المنطقة، ولا حتى مع حلف شمال الأطلسي الذي يحتفظ بوجود ملحوظ فيها، ويضمّ في عضويته معظم دول الاتحاد الأوروبي وتركيا.
إضافة إلى ذلك، بدت العملية دون أفق سياسي جدّي، ولم تتبنّ جدّياً قرارات الشرعية الدولية، ولا مقرّرات مؤتمر برلين الذي كانت دول الاتحاد فاعلاً مركزياً فيه، كذلك لم تربط بين الجهود الميدانية وكيفية تحقيق تقدم في العملية السياسية بقيادة ليبية، وحضور الأمم المتحدة وإشرافها. وتجاهلت العملية تماماً الحكومة الشرعية في ليبيا، ولم يجرِ التشاور أو حتى التنسيق معها، خصوصاً أنها (الحكومة) تسعى كذلك إلى إيقاف تهريب النفط وحركة المهاجرين غير الشرعية، وطبعاً وصول السلاح والأموال والمساعدات إلى سلطة حفتر غير الشرعية في الشرق الليبي، عدا عن أن هذه العملية الأوروبية تساوي في أهدافها وأجندتها بين الحكومة الشرعية والخارج عنها المتمرّد خليفة حفتر.
الأسوأ من كل ما سبق، أن "إيريني" سعت فقط إلى فرض حظر بحري على وصول السلاح إلى ليبيا، علماً أن تركيا فقط ترسل الدعم للحكومة الشرعية عبر البحر، بينما يأتي دعم حفتر عبر الحدود المصرية برّاً وجوّاً. وعملياً، بدت العملية وكأنها ضد الحكومة الشرعية والدعم التركي لها، وتصبّ، ولو بشكل غير مباشر، في مصلحة خليفة حفتر.
بناءً عليه، رفضت تركيا عملية السلام المزعوم منذ اللحظة الأولى، وأرسلت سفناً حربية إلى المياه والشواطئ الليبية، وقامت طائراتها المتطورة من طراز أف 16 بطلعات في المنطقة، وأبدت بالتالي تصميماً واضحاً على الدفاع عن مصالحها ومناطق نفوذها، كما دعم حكومة الوفاق الشرعية والعملية السياسية، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
نجحت تركيا في جذب حلف شمال الأطلسي إلى جانبها، خصوصاً مع التدخل الروسي الفج إلى
وأفرغت المعطيات السابقة كلها عملية "السلام المزعوم" الأوروبية من محتواها وجدواها، خصوصاً مع احتدام المعارك، وتبدل الوقائع على الأرض بشكل كبير لمصلحة حكومة الوفاق الشرعية في اتجاه البحث عن الحلّ السياسي العادل والسلام الفعلي، على عكس ما أرادته العملية الأوروبية المشبوهة والمريبة.
قبل فشل عملية الاتحاد الأوروبي التي يمكن تصور احتمال تنسيقها، وربما حتى تمويلها من دولة الإمارات، كانت الأخيرة قد لجأت كعادتها إلى المرتزقة والقراصنة، وقادت عملية موازية غير شرعية أسمتها أوبوس، لتحقيق الأهداف نفسها للعملية الأوروبية الفاشلة، أي فرض حصار بحري، ومنع الدعم التركي عن حكومة الوفاق الشرعية، وحتى الصدام مع السفن التركية إذا لزم الأمر، لكنها بدت طموحةً أكثر، لكونها سعت إلى تشكيل ذراع بحرية لحفتر، مزودة بقوارب سريعة ومروحيات هجومية، لفرض ما يشبه الحصار البحري على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية.
وقد أفاد تقرير للأمم المتحدة، في 25 الشهر الماضي (مايو/ أيار) بأن عملية أوبوس قادتها وموّلتها أبوظبي في يونيو/ حزيران 2019، لكنها فشلت حتى قبل أن تبدأ. ثم قدمت صحيفة نيويورك تايمز في اليوم نفسه تفاصيل إضافية عن العملية التي جرى تمويهها عبر مشاركة مرتزقة وقراصنة (ليس بشكل رسمي) من بريطانيا وأميركا وجنوب إفريقيا وفرنسا ومالطا وأستراليا والأردن والإمارات التي تولّت قيادتها وإدارتها عبر شركات أمنية عاملة فيها. وقالت الأمم المتحدة إن العملية فشلت، ما أدى إلى هرب القراصنة في عتمة الليل إلى مالطا، من دون ذكر أسباب إلغائها. ولكن يمكن بسهولة الاستنتاج أن تركيا قد علمت بالعملية، وأبلغت الدول المعنية التي منعت مواطنيها من المضي فيها. ويمكن الاستنتاج أيضاً أنها هددت بمواجهة هذه العملية والتعامل معها، كما تعاملت مع القراصنة قبالة سواحل الصومال، وما كان طبعاً في وسع سبع مروحيات وقاربين سريعين مواجهة السفن والطائرات الحربية التركية المتفوقة، علماً أن مقتل مرتزقة غربيين كان سيسبب حرجاً بالغاً للحكومات التي لا تستطيع ساعتها الإنكار، وادعاء عدم معرفتها بعملية رُتِّبَت عبر ثماني دول بقيادة شركة أمنية إماراتية على علاقة مباشرة بشركة بلاك ووتر الأميركية سيئة الصيت.
بنظرة إلى الوراء، وترتيب الأحداث حسب تسلسلها الزمني، يمكن القول إن عملية إيريني كانت
في كل الأحوال، أكدت التطورات أخيراً، بما فيها تعثر عملية إيريني وموتها سريرياً، وإفشال نظيرتها غير الشرعية "أوبوس"، أن تركيا باتت قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها تحديداً في شرق المتوسط، كذلك لا يمكن تجاهل حكومة الوفاق الليبية الشرعية، أو فرض أي حل خارجي ضد إرادتها وقرارات الشرعية الدولية ذات صلة.