11 أكتوبر 2024
عندما يكون الزعيم "أحمق"
إذا أخذنا بتقرير محطة "أن بي سي نيوز" الأميركية، قبل أسبوعين تقريبا، فإن وزير الخارجية الأميركي، ريك تيلرسون، لم يستطع أن يتمالك نفسه أمام أعضاء من فريق الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب، بعد اجتماع عقد في مقر وزارة الدفاع في شهر يوليو/ تموز الماضي، فما كان منه إلا أن وصف ترامب، الذي لم يكن حاضرا، بـ"الأحمق". هنا تختلف الروايات بشأن دافع تيلرسون من مهاجمة رئيسه علنا، أمام مسؤولين آخرين، وبطريقةٍ غير معهودة في التقاليد السياسية الأميركية، فثمة من يربطها بطلبٍ غريب من ترامب بمضاعفة مخزون الأسلحة النووية الأميركية عشر مرات، في حين ربطها آخرون باستيائه من مقارنة ترامب لمداولات زيادة عدد القوات الأميركية المقاتلة في أفغانستان بإصلاحات تجري على مطعمٍ راق في نيويورك. طبعا، فإن أي حديث عن مضاعفة الترسانة النووية الأميركية يعني انتهاكا لاتفاقيات ثنائية ودولية عديدة، خصوصا مع روسيا، كما أنها قد تطلق سباق تسلح نووي عالمي جديد، وتحديدا مع روسيا والصين، ودول أخرى. دع عنك أن الترسانة النووية الأميركية، حسب الخبراء العسكريين، لا تُضاهى عالميا وهي آمنة. أما المقارنة بين نقاشات عسكرية حساسة، كمضاعفة عديد القوات الأميركية في أفغانستان، وإجراء إصلاحات على مطعم راق، فإنها تكشف حجم ضحالة ترامب وسطحيته.
صحيح أن تيلرسون أعلن بعد تقرير "أن بي سي نيوز" أنه لم يفكر يوما بالاستقالة من منصبه، غير أنه لم ينف، من ناحية، مباشرة وشخصيا، وصف ترامب بـ"الأحمق". ومن ناحية أخرى، فإن الخلافات بينه وبين ترامب أكبر من أن يحجبها غربال، وهي كثيرة تتراوح من
خلافات علنية حول الأزمة الخليجية، إلى الأزمة الكورية الشمالية، مرورا بالعلاقات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولا تنتهي بخلافاتهما الكثيرة بشأن التعيينات في مناصب حساسة في وزارة الخارجية الأميركية، ومصادرة السياسة الخارجية لصالح مساعدي ترامب الأقل خبرة. ولعل في التغريدة التي أطلقها ترامب مطلع الشهر الجاري عبر "تويتر"، غداة إعلان تيلرسون من الصين أن الولايات المتحدة فتحت قنوات تواصل مباشرة مع كوريا الشمالية، ما يغنينا عن مزيد توضيح. "قلت لريكس تيلرسون، وزير خارجيتنا الرائع، إنه يضيع وقته في محاولة التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير.. وفر طاقتك ريكس، فسنقوم بما ينبغي علينا فعله". مثل هذه التغريدة من رئيس يظن أنه قادر على اختزال تعقيدات السياسية الدولية في مائة وأربعين حرفا، لا تنقض مصداقية وزير خارجيته فحسب، بل إنها أيضا قد تقود الولايات المتحدة والعالم إلى شفير حرب مدمرة، خصوصا إذا كان المتلقي على الطرف الآخر، رجلا لا يقل "حماقة" عن ترامب، ونعني هنا زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي لا يتورع عن رَدِّ إهانات ترامب وتهديداته بعشرة أمثالها.
وعلى ذكر حرب محتملة، جراء "حماقات" ترامب وكيم، فإن السناتور الأميركي النافذ، بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وأحد الخصوم الكثيرين الذين اصطنعهم ترامب اصطناعا، لفت، قبل أيام قليلة، إلى أن ترامب يتعامل مع الرئاسة وكأنها "برنامج واقع" تلفزيوني، محذرا من أن تهديداته عبر "تويتر" قد تضع الولايات المتحدة "على طريق حرب عالمية ثالثة". كوركر هذا، كما ترامب، من الحزب الجمهوري، وترامب بحاجة ماسة إلى صوته، ذلك أن الجمهوريين يتمتعون بأغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، 52 جمهوريا، مقابل 48 ديمقراطيا. أيضا، تعني رئاسته لجنة حساسة، كلجنة العلاقات الخارجية، أن كثيرا من أجندة السياسية الخارجية الأميركية، كما الاتفاق النووي مع إيران، يمر عبره. ومع ذلك اختار ترامب أن يفتعل معركة شخصية هابطة معه عبر "تويتر" وصلت حد الاستهزاء بقصر قامته، وهو ما دفع كوركر، المتحرّر من هواجس الترشح مرة أخرى عام 2018، إلى التصدي بقوة لترامب، والتحذير من خطره على أميركا والعالم، وواصفا البيت الأبيض تحت قيادته بأنه تحول إلى "مأوى لرعاية العجزة". أهم ما قاله كوركر أن تيلرسون هو أحد ثلاثة مسؤولين، بالإضافة إلى الجنرالين، وزير الدفاع جيمس ماتيس، وكبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، في إدارة ترامب "يمنعون بلدنا من الانزلاق نحو الفوضى". وأضاف أن ترامب يمثل خطرا داهما، إلى حد أن مسؤولين في إدارته يعملون يوميا على
احتوائه وحماية أميركا من غرائزه. بل إن كوركر مضى إلى أبعد من ذلك، بتأكيده أن أغلب الجمهوريين في مجلس الشيوخ يتبنون تقويماته تلك، ولكنهم يخشون مصادمة القاعدة الانتخابية لترامب. وكان كوركر قد سبق تيلرسون إلى التشكيك في قدرات ترامب الذهنية، عندما اتهمه مباشرة، في أغسطس/ آب الماضي، بعد تصريحات ترامب التي ساوى فيها بين النازيين الجدد والمدافعين عن الحقوق المدنية بعد صدامات مدينة شارلوتسفيل في ولاية فرجينيا.. اتهمه بأنه شخص غير سوي.
أمام هذه الاتهامات الجادة المشكّكة في لياقة ترامب للرئاسة، لم يجد الأخير غير تحدي تيلرسون في اختبار فحص نسبة الذكاء (IQ). اللافت هنا أن تيلرسون لم يتهم ترامب بـ"الغباء" وعدم الفطنة أو انعدام الذكاء، وإنما بـ"الحماقة"، بما تعنيه من فساد رأي وسفاهة وقلة عقل. وتثير هذه النقطة سؤالا بشأن واقعنا العربي، فعلى الأقل، في أميركا مؤسسات لا نملكها نحن. ترى كم من زعيم عربي لا ينقصه مقدار كاف من "الحماقة"، وهو يقوم بأعمال طائشة وسفيهة؟ فقط انظروا إلى الزعماء الذين يحاصرون قطر، بذريعة احتواء نفوذ إيران! وانظروا إلى من يزرعون التخلف والغضب والفقر، ظانين أن هذا سيعود عليهم باستقرار كراسيهم وعروشهم. إنها الحماقة أعيت من يداويها.
صحيح أن تيلرسون أعلن بعد تقرير "أن بي سي نيوز" أنه لم يفكر يوما بالاستقالة من منصبه، غير أنه لم ينف، من ناحية، مباشرة وشخصيا، وصف ترامب بـ"الأحمق". ومن ناحية أخرى، فإن الخلافات بينه وبين ترامب أكبر من أن يحجبها غربال، وهي كثيرة تتراوح من
وعلى ذكر حرب محتملة، جراء "حماقات" ترامب وكيم، فإن السناتور الأميركي النافذ، بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وأحد الخصوم الكثيرين الذين اصطنعهم ترامب اصطناعا، لفت، قبل أيام قليلة، إلى أن ترامب يتعامل مع الرئاسة وكأنها "برنامج واقع" تلفزيوني، محذرا من أن تهديداته عبر "تويتر" قد تضع الولايات المتحدة "على طريق حرب عالمية ثالثة". كوركر هذا، كما ترامب، من الحزب الجمهوري، وترامب بحاجة ماسة إلى صوته، ذلك أن الجمهوريين يتمتعون بأغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، 52 جمهوريا، مقابل 48 ديمقراطيا. أيضا، تعني رئاسته لجنة حساسة، كلجنة العلاقات الخارجية، أن كثيرا من أجندة السياسية الخارجية الأميركية، كما الاتفاق النووي مع إيران، يمر عبره. ومع ذلك اختار ترامب أن يفتعل معركة شخصية هابطة معه عبر "تويتر" وصلت حد الاستهزاء بقصر قامته، وهو ما دفع كوركر، المتحرّر من هواجس الترشح مرة أخرى عام 2018، إلى التصدي بقوة لترامب، والتحذير من خطره على أميركا والعالم، وواصفا البيت الأبيض تحت قيادته بأنه تحول إلى "مأوى لرعاية العجزة". أهم ما قاله كوركر أن تيلرسون هو أحد ثلاثة مسؤولين، بالإضافة إلى الجنرالين، وزير الدفاع جيمس ماتيس، وكبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، في إدارة ترامب "يمنعون بلدنا من الانزلاق نحو الفوضى". وأضاف أن ترامب يمثل خطرا داهما، إلى حد أن مسؤولين في إدارته يعملون يوميا على
أمام هذه الاتهامات الجادة المشكّكة في لياقة ترامب للرئاسة، لم يجد الأخير غير تحدي تيلرسون في اختبار فحص نسبة الذكاء (IQ). اللافت هنا أن تيلرسون لم يتهم ترامب بـ"الغباء" وعدم الفطنة أو انعدام الذكاء، وإنما بـ"الحماقة"، بما تعنيه من فساد رأي وسفاهة وقلة عقل. وتثير هذه النقطة سؤالا بشأن واقعنا العربي، فعلى الأقل، في أميركا مؤسسات لا نملكها نحن. ترى كم من زعيم عربي لا ينقصه مقدار كاف من "الحماقة"، وهو يقوم بأعمال طائشة وسفيهة؟ فقط انظروا إلى الزعماء الذين يحاصرون قطر، بذريعة احتواء نفوذ إيران! وانظروا إلى من يزرعون التخلف والغضب والفقر، ظانين أن هذا سيعود عليهم باستقرار كراسيهم وعروشهم. إنها الحماقة أعيت من يداويها.