09 سبتمبر 2024
عندما يهاجم حزب الله الثورات الوطنية
أطل أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصرالله، على مناصريه، بمناسبة إحياء يوم الشهيد في 11 من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مستعرضا أفكارا وأخبارا تلبي استراتيجية محاصرة الثورة الوطنية اللبنانية تحديداً، والعراقية بدرجة أقل، عبر مسارين منفصلين ومتكاملين. يمثل الأول تقليص مطالب الحراك الوطنية، بتجاهل مطلب إسقاط الطائفية والمحاصصة والطبقة السياسية المسؤولة عنهما، في حين يتمثل الثاني في تقديم تصور مطوّر لنظرية المؤامرة، بعد فشل نمطها التقليدي الذي كان متبعا سابقا، وخصوصا تجاه الثورة السورية، تصوّر لا ينكر حقيقة الدمار الاقتصادي الحاصل، وإنما يردّه، بمجمله أو بغالبيته، إلى أسباب خارجية، وأميركية تحديداً. الأمر الذي جعل الخطاب، في مجمله، محاولة فاشلة لتبرئة الطبقة السياسية اللبنانية، وفي مقدمتها ممثلو حزب الله، من مجمل الاتهامات المحيطة بهم، سواء في ما يتعلق بالفساد ونهب المال العام، أو بتقسيم لبنان وتجزئته، استنادا إلى اعتبارات طائفية، أو بتخريب البلد وتدميره، والاقتصاد الوطني عموما. حيث يخيل للمتابع، غير الداري بخفايا لبنان، أن انتشار الفساد السياسي والمالي وتمددهما مسؤولية القضاء اللبناني فقط، فالحزب وشركاؤه وحلفاؤه الطائفيون براء منها، وعلى القضاة اليوم انتهاز الفرصة التاريخية، من أجل محاسبة الفاسدين، إن وجدوا، وفق المنطق الذي صاغه أمين عام حزب الله. وهو ما يتجاهل الحقائق الواضحة التي تظهر مدى توغل الزعامات الطائفية وسيطرتها على الدولة ومؤسساتها، وهو ما اعترف به في خطابه يوم الجمعة 25/10/2019، حيث قال: "الآن بدأ يحكى بإسقاط النظام، ماذا يعني إسقاط النظام في لبنان؟ هل في لبنان نظام بمعنى النظام، يعني على طريقة الأنظمة الموجودة في العالم؟" نعم لا يوجد نظام مبنيٌّ على مؤسساتٍ مستقلةٍ في لبنان، بل يوجد نظام شمولي وطائفي، لا مكان فيه لاستقلال القضاء أو حريته، أو حتى الإعلام، فجميعها خاضعة للمحاصصة والولاء الطائفي. بمعنى أنه لا يستمد القضاء اللبناني اليوم مرجعيته من مؤسسات الدولة، بل من زعماء الطوائف، سياسيين ورجال دين، أي الطبقة السياسية المسيطرة على لبنان منذ اتفاق الطائف في 1989، وبالتالي فقضية الفساد ونهب المال العام قضية سياسية وقانونية في الوقت نفسه، تتطلب مؤسساتٍ سياسيةً وقانونيةً وطنيةً غير طائفية، من أجل معالجتها وحلها، وهو ما يرفضه حزب الله، أسوة بسائر الزعماء الطائفيين، المسلمين والمسيحيين والدروز، بمختلف تنوعاتهم واختلافاتهم.
ومن ثم يتابع أمين عام حزب الله الأسلوب التضليلي نفسه في المسار الاقتصادي، جاعلا من
العقوبات الأميركية والخضوع لإملاءاتها سبب الانهيار الاقتصادي الوحيد، في حين لا يجد في نهج إضعاف الإنتاجية الزراعية والصناعية الوطنية، بل وتدميرها، ما يستحق التحليل والتفنيد، لأنه بذلك سوف يوضح مسؤولية الطبقة السياسية الطائفية عن الدمار الاقتصادي الحاصل. كما أن تحميل السياسة الأميركية، وتبعية بعض القوى لها، مسؤولية الوضع الاقتصادي الحالي، يخدم استراتيجية الحزب وداعمه الإقليمي، إيران، في محاصرة الثورات الوطنية العربية ومهاجمتها، على اعتبارها تخدم، بقصد أو من دون قصد، مصالح الولايات المتحدة الأميركية، الاقتصادية والسياسية. ولذا أصر نصر الله على ربط الثورتين، العراقية واللبنانية، في هذا الشق تحديداً، إذ اعتبر الثورة العراقية، الوطنية وغير الطائفية، الحاصلة اليوم، جزءا من أجندة السياسة الأميركية الرامية إلى معاقبة رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، نتيجة تجرئه على عقد صفقات اقتصادية مع الصين من ناحية، ولإقدامه على فتح معبر البوكمال مع سورية! وهو اتهام مبطن، أو بالأصح علني، للثورتين، العراقية واللبنانية، يسعى من خلاله حزب الله، وداعمه الإقليمي، إلى تخوين المتظاهرين، ووصف ثورتهم الوطنية، غير المسبوقة، بزخمها ووضوحها وانتشارها في تاريخ البلدين، بأنها مؤامرة خارجية إمبريالية، كما وصف غيرها من الثورات العربية.
تتحمّل الطبقة السياسية الطائفية اللبنانية مسؤولية النهج الاقتصادي الريعي، وتدمير الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي، بل وتدمير القطاع السياحي أيضاً، عبر الإفساد والمحاصصة الفجة، حتى بأبسط الأمور، كملف النفايات والطرقات والشواطئ والكهرباء ومئات الملفات الخدمية، وصولاً إلى ملف الثروات الباطنية، والخلاف على نسبة انتفاع كل زعيم طائفي منها، والتي لم تعد تخفى على أي لبناني اليوم، في ظل تطور عالم الاتصالات والإنترنت، وبسبب فجاجة السياسيين الفاسدين اللبنانيين الذين يؤكدون، بطريقة غير مباشرة؛ وأحياناً مباشرة؛ فسادهم المالي والسياسي، في جميع لقاءاتهم التلفزيونية، من خلال خطاب المزاودة في الفساد، على قاعدة "فساد زعيمي أقل من فساد زعيمك"، فهم مقرّون بفساد نوابهم ووزرائهم وزعمائهم، لكنهم ممتعضون أو غيورون من حصّة الزعيم الطائفي الآخر في ملفاتٍ أخرى لم ينجحوا في قضم حصة الأسد منها. كما لن تنقذ استعادة العلاقة الاقتصادية والسياسية مع نظام الأسد الاقتصاد اللبناني من كارثته، كما يدّعي نصر الله، لأن الأزمة، في جوهرها، مرتبطة بالنهج الاقتصادي، فهل هناك بضائع لبنانية تنافسية زراعية وصناعية يمكن تصديرها نحو سورية والعراق، بكمياتٍ ضخمة وكبيرة؟ وهل هناك أسس قانونية تشجع المستثمرين اللبنانيين والعرب والأجانب على افتتاح مصانع حديثة وجديدة؟ وهل هناك بنية تحتية أولية ترفد القطاعين، الصناعي والزراعي، من شبكة الطرق، إلى موارد الطاقة النفطية والكهربائية والمائية، وصولاً إلى شبكات الصرف الصحي، والمياه النقية الصالحة للشرب والزراعة والصناعة أيضاً؟
يبدو من خطابات أمين عام حزب الله اللبناني أخيرا، ومن الأنباء المسرّبة عن عزم الطبقة
السياسية العراقية على وأد الثورة العراقية بأسرع وقت ممكن، وبأي ثمن، ومن تصريحات القادة الإيرانيين، أن محور الممانعة ماض نحو مواجهة مفتوحة مع الشارع الوطني المنتفض والثائر في المنطقة، بداية من العراق، وربما يليه لبنان، في حال تم النجاح في الأولى، فلبنان اليوم تحت مجهر جميع القنوات الإعلامية العربية والغربية، ما يصعب على أذرع إيران تنفيذ مخططاتها الإجرامية، وهو ما تفتقده الساحة العراقية للأسف، ما حولها إلى ساحة المواجهة المباشرة. ما يجعلنا موقنين بأننا اليوم أمام مشروعين على أعلى درجات الوضوح: وطني وحدوي وتقدّمي، ينشد بناء دولة مواطنة ذات اقتصاد قوي يلبي حاجات أبنائها، وآخر رجعي طائفي ريعي، يخدم مصالح داعميه الإقليميين والدوليين الخاصة، والتي تتناقض مع مصالحنا الوطنية الحقيقية. لذا يبدأ انتصار الثورة اللبنانية من انتصار ثورة العراق الوطنية، وهو ما سوف يمهد الطريق لمرحلة عربية جديدة، نأمل أن تكتمل معالمها الوطنية قريبا.
تتحمّل الطبقة السياسية الطائفية اللبنانية مسؤولية النهج الاقتصادي الريعي، وتدمير الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي، بل وتدمير القطاع السياحي أيضاً، عبر الإفساد والمحاصصة الفجة، حتى بأبسط الأمور، كملف النفايات والطرقات والشواطئ والكهرباء ومئات الملفات الخدمية، وصولاً إلى ملف الثروات الباطنية، والخلاف على نسبة انتفاع كل زعيم طائفي منها، والتي لم تعد تخفى على أي لبناني اليوم، في ظل تطور عالم الاتصالات والإنترنت، وبسبب فجاجة السياسيين الفاسدين اللبنانيين الذين يؤكدون، بطريقة غير مباشرة؛ وأحياناً مباشرة؛ فسادهم المالي والسياسي، في جميع لقاءاتهم التلفزيونية، من خلال خطاب المزاودة في الفساد، على قاعدة "فساد زعيمي أقل من فساد زعيمك"، فهم مقرّون بفساد نوابهم ووزرائهم وزعمائهم، لكنهم ممتعضون أو غيورون من حصّة الزعيم الطائفي الآخر في ملفاتٍ أخرى لم ينجحوا في قضم حصة الأسد منها. كما لن تنقذ استعادة العلاقة الاقتصادية والسياسية مع نظام الأسد الاقتصاد اللبناني من كارثته، كما يدّعي نصر الله، لأن الأزمة، في جوهرها، مرتبطة بالنهج الاقتصادي، فهل هناك بضائع لبنانية تنافسية زراعية وصناعية يمكن تصديرها نحو سورية والعراق، بكمياتٍ ضخمة وكبيرة؟ وهل هناك أسس قانونية تشجع المستثمرين اللبنانيين والعرب والأجانب على افتتاح مصانع حديثة وجديدة؟ وهل هناك بنية تحتية أولية ترفد القطاعين، الصناعي والزراعي، من شبكة الطرق، إلى موارد الطاقة النفطية والكهربائية والمائية، وصولاً إلى شبكات الصرف الصحي، والمياه النقية الصالحة للشرب والزراعة والصناعة أيضاً؟
يبدو من خطابات أمين عام حزب الله اللبناني أخيرا، ومن الأنباء المسرّبة عن عزم الطبقة