عنصرية ترامب تغلق أميركا

29 يناير 2017
ترامب: القرار لإبقاء الإرهابيين المتشددين خارج البلاد(مانديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -
يحرص الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثالي الحالي، على تأكيد أن التحذيرات وحالة الرعب التي كانت سائدة من تداعيات وصوله إلى الحكم لها ما يبررها. ترامب، الذي بدا خلال حملته الانتخابية كارهاً للأقليات وللأجانب، هو نفسه ترامب الذي وقّع مساء الجمعة، أي بعد أسبوع على تسلمه مفاتيح البيت الأبيض، قراراً تنفيذياً جديداً فرض بموجبه حظراً لأجل غير مسمى على دخول اللاجئين السوريين، وحظراً لمدة ثلاثة أشهر على دخول رعايا سبع دول إسلامية، حتى ممن لديهمم تأشيرات. أما الذريعة التي ساقها فلم تكن سوى حماية الولايات المتحدة من "الإرهابيين الإسلاميين المتشددين".
ووفق شبكة "سي أن أن" الإخبارية، فإن أكثر من 134 مليون شخص سيتأثرون من قرار ترامب، وسط مخاوف من أن القرار قد يكون مقدّمة لفرض حظر للدخول أوسع نطاقاً، كما قال مسؤول في البيت الأبيض لـ"سي إن إن".
ولم يكد ترامب يوقع القرار حتى بدأت تبعاته تظهر بعدما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن اللاجئين الذين كانوا في الجو خلال صدور قرار ترامب التنفيذي تم اعتقالهم فور وصولهم إلى المطارات الأميركية، أو  في حالة الفوضى داخل المطارات خارج الولايات المتحدة التي يتواجد فيها لاجئون يستعدون للانتقال إلى الولايات المتحدة أو حتى مواطنون من الدول السبعة المشمولة بالحظر. ووردت أنباء أمس حول أشخاص كانوا متوجهين إلى الولايات المتحدة علقوا في المطارات، ومنها منع 5 عراقيين ويمني من السفر من مطار القاهرة إلى أميركا. كما ذكرت وسائل إعلام أميركية، أن واشنطن جمدت برنامج لجوء خاص بالإيرانيين غير المسلمين. وقالت وكالة "أسوشييتد برس" إن النمسا، التي تعد محطة في رحلة اللجوء إلى الولايات المتحدة، رفضت أمس، استقبال 300 إيراني من الأقليات غير المسلمة، نظراً لتجميد واشنطن برنامج اللجوء الخاص بهم.
وترافقت هذه التطورات مع تعالي الأصوات الحقوقية والسياسية المحذرة والمنددة بالقرار سواء من داخل الولايات المتحدة حيث تستعد منظمات للتوجه إلى القضاء لمحاولة وقفه أو من خلال المواقف الدولية المنددة، وتذكير الرئيس الإيراني، حسن روحاني، لترامب بأن زمن بناء الجدران قد انتهى. 


"حماية الأمة"

ونصّ القرار الجديد الذي حمل عنوان "حماية الأمة من دخول إرهابيين أجانب إلى الولايات المتحدة"، على انه اعتباراً من تاريخ توقيعه يُمنع لمدة ثلاثة أشهر من دخول الولايات المتحدة رعايا الدول السبع الآتية: العراق وإيران وليبيا والصومال والسودان وسورية واليمن، على أن يستثنى من بين هؤلاء حملة التأشيرات الدبلوماسية والرسمية الذين يعملون لدى مؤسسات دولية. كذلك فإن القرار التنفيذي يوقف لمدة 120 يوماً العمل بالبرنامج الفدرالي لاستضافة وإعادة توطين اللاجئين الآتين من دول تشهد حروباً، أياً تكن جنسية هؤلاء اللاجئين. وهذا البرنامج الإنساني بدأ العمل به في العام 1980 ولم يجمد تطبيقه مذاك إلا مرة واحدة لمدة ثلاثة أشهر بعد اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وأما في ما خص اللاجئين السوريين، فيفرض القرار التنفيذي حظراً على دخولهم إلى الولايات المتحدة، وذلك حتى أجَلٍ غير مسمى أو إلى أن يقرر الرئيس نفسه أن هؤلاء اللاجئين ما عادوا يشكّلون خطراً على الولايات المتحدة. وكانت إدارة باراك أوباما تتوقع أن تستضيف الولايات المتحدة في العام 2017 لاجئين من العالم أجمع يبلغ عددهم 110 آلاف لاجئ، لكن إدارة ترامب خفضت هذا العدد إلى أكثر من النصف، إذ إن العدد الأقصى للاجئين الذين ستوافق عليهم في السنة المالية الحالية (الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2016 ولغاية 30 سبتمبر/أيلول 2017) "لن يتعدى 50 ألف لاجئ".
وسارعت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة، إلى دعوة إدارة ترامب إلى مواصلة تقديم اللجوء للفارين من الحرب والاضطهاد، قائلتين إن البرنامج الأميركي لإعادة التوطين مهم. وقالت المفوضية والمنظمة في بيان مشترك "لم تكن احتياجات اللاجئين والمهاجرين حول العالم أكبر مما هي عليه الآن".

من جهته، برر ترامب قراره بأنه جاء لـ"فرض إجراءات رقابة جديدة من أجل إبقاء الإرهابيين الإسلاميين المتشددين خارج الولايات المتحدة. نحن لا نريدهم هنا". وقال خلال حفل أقيم في البنتاغون بمناسبة تولي وزير الدفاع الجديد جيمس ماتيس مهام منصبه، إن القرار يهدف إلى حماية الولايات المتحدة من "الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين"، مضيفاً: "هذا أمر ضخم"، و"نريد أن نكون متأكدين من أننا لا نسمح بأن تدخل بلادنا التهديدات نفسها التي يحاربها جنودنا في الخارج. لن ننسى أبداً دروس 11 سبتمبر/أيلول" 2001.
وقبيل الإعلان رسمياً عن إصدار القرار، كانت وزارة الأمن الداخلي الأميركية قد أوقفت مؤقتاً رحلات موظفيها لإجراء مقابلات مع اللاجئين في الخارج، وذلك تنفيذاً لقرارات تقييد الهجرة التي وقّعها ترامب الأربعاء الماضي. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين مطلعين أن قرار قيادات الوزارة وقف رحلات إجراء المقابلات تم إبلاغه الأربعاء الماضي للقائمين على عملية دخول اللاجئين إلى الولايات المتحدة. وقالت بيكا هيلر، وهي مديرة المشروع الدولي لمساعدة اللاجئين في مركز "إربان جاستيس" في نيويورك، إنها علمت بقرار وقف المقابلات في الخارج من أشخاص داخل الحكومة وخارجها. وأضافت أن القرار سيتسبب في تعطيل عملية إدخال اللاجئين للبلاد.



توجّه للطعن بالقرار
وخلال فترة تعليق برنامجي التأشيرات واللاجئين، سيتم تحديد قواعد جديدة لما أشار إليه ترامب بأنه "إجراءات تدقيق قصوى" في خلفية مقدّمي طلبات الدخول. وأضاف أنه ستكون هناك استثناءات لبعض أفراد "أقليات دينية". كما قال ترامب في مقابلة مع شبكة البث المسيحية إن القرار سيساعد المسيحيين السوريين الفارين من الحرب الأهلية في بلادهم.
ويمنح القرار التنفيذي إدارة الأمن القومي الأميركي فسحة لإعادة ترتيب الأولويات في ما يتعلق بملف طالب اللجوء استناداً إلى قواعد دينية. وذكر ستيفن ليجومسكاي، وهو كبير مستشارين سابق في المواطنة والهجرة في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إن إعطاء الأولوية للمسيحيين قد يكون غير دستوري. لكن الأستاذ في كلية بيسلي للحقوق في جامعة تمبل، بيتر سبيرو، قال إن إجراء ترامب سيكون دستورياً على الأرجح. وأضاف "إنها أولويات مقبولة تماماً بقدر ما تتعرض له هذه المجموعة من اضطهاد".
وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية التي يتعين عليها تطبيق هذه الاجراءات مع وزارة الأمن الداخلي، أنها مستعدة للقيام بذلك على الفور. وقال المتحدث باسم الخارجية، مارك تونر، "سنعلن عن أي تغييرات تتعلق بالمسافرين إلى الولايات المتحدة بمجرد أن تتوفر المعلومات لذلك".
ودخلت القرارات حيز التنفيذ على الفور مما أثار الحيرة والفوضى لمن كانوا في طريقهم للولايات المتحدة ويحملون جوازات سفر من الدول السبع. وقالت جماعة "مسلم أدفوكيتس" المعنية بالحقوق المدنية في واشنطن إن السكان المقيمين في الولايات المتحدة بصفة دائمة وقانونية أي من يحملون "البطاقة الخضراء" تلقوا نصيحة باستشارة محامين للهجرة قبل السفر إلى الخارج أو محاولة العودة للبلاد. وأعلن عبد أيوب، مدير الشؤون القانونية والسياسية للجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز، أنه تلقى نحو 100 استفسار من أناس قلقين بشأن الأمر، وقال إنه قد يؤثر على حاملي البطاقة الخضراء والطلاب والقادمين إلى الولايات المتحدة طلبا للرعاية الطبية وآخرين. وأضاف "إنها فوضى".
ولم تتأخر الاعتراضات للصدور على هذا القرار، الذي شكك بعض الخبراء القانونيين في دستوريته. وقال مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية إن الأمر يستهدف المسلمين بسبب دينهم مما يتعارض مع حرية الاعتقاد المنصوص عليها في الدستور الأميركي. وأعلن مدير شيكاغو في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية أحمد رحاب، أن مجموعته ستلجأ إلى القضاء لمحاربة القرار "من دون تهاون"، مضيفاً أن القرار "يستهدف اشخاصاً على أساس دينهم وأصلهم وليس على أساس سجلهم الإجرامي أو شخصيتهم".
من جهته، قال المدير التنفيذي للاتحاد الأميركي للحريات المدنية أنطوني روميرو، إن "اجراءات التدقيق القصوى مجرد تعبير للتمييز ضد المسلمين". وتابع أن القرار الذي يحدد دولاً إسلامية من دون سواها إنما يشكل انتهاكا للدستور الاميركي الذي يحظر التمييز على أساس الدين. من جهته، قال غريغ تشين من الاتحاد الأميركي لمحامي الهجرة: "أخفى الرئيس ترامب حظراً تمييزياً ضد مواطني دول إسلامية تحت عباءة الأمن القومي".
وسارع الديمقراطيون أول من أمس الجمعة إلى إدانة الأمر التنفيذي بوصفه غير أميركي قائلين إنه سيلطخ سمعة الولايات المتحدة بصفتها أرضاً ترحب باللاجئين. وقال السيناتور الديمقراطي إدوارد ماركي في بيان "يتعلق الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس ترامب اليوم بالخوف الشديد من الأجانب أكثر مما يتعلق بالفحص المشدد". لكن بعض الجمهوريين أثنوا على القرار. وقال رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب بوب غودلاتي إن تنظيم "داعش" هدد باستغلال نظام الهجرة الأميركي مما يجعل تشديد الفحص أمراً مهماً. وأضاف في بيان "أنا سعيد لأن الرئيس ترامب يستخدم الأدوات التي يمنحها له الكونغرس والدستور للمساعدة في إبقاء أميركا آمنة والتأكد من أننا نعرف من يدخل الولايات المتحدة".

تأثيرات ومخاوف
وقد يؤثر الأمر أيضاً في برامج اللاجئين الخاصة بالعراقيين الذين عملوا مترجمين لصالح الحكومة الأميركية بعد غزو العراق عام 2003. وقالت جين سميرز، من الخدمات الكنسية العالمية وهي جماعة دينية تعمل مع المهاجرين، إن الأمر يؤثر بالفعل على لاجئين وأسرهم. وأضافت أنها تحدثت مع أم عراقية لا تزال ابنتاها التوأمتان في العراق بسبب تأخير عملية الفحص. وقالت "لن تتمكن الابنتان وعمرهما 18 عاماُ من الانضمام إلى الأم في الولايات المتحدة".
كما يخشى عراقيون يقولون إن أرواحهم معرضة للخطر لأنهم عملوا مع الحكومة الأميركية في العراق أن تكون فرصهم في إيجاد ملجأ في الولايات المتحدة قد تلاشت في ظل الأمر التنفيذي الجديد. ومن المتوقع أن يؤثر الأمر على برنامجين وضعهما النواب الأميركيون بعد سنوات قليلة من غزو العراق في 2003 لمساعدة عشرات الآلاف من العراقيين الذين خاطروا بأرواحهم لمساعدة الأميركيين. وتبدد أمل العراقيين الذين يرغبون في اللجوء إلى الولايات المتحدة في إطار برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة للعراقيين والذي توقف عن قبول طلبات جديدة في 2014 أو برنامج الدخول المباشر للعراقيين المنتسبين للولايات المتحدة. وقال رجل من بغداد سبق أن عملت زوجته محاسبة لدى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية "السيد ترامب الرئيس الجديد قتل أحلامنا". وتحدث الرجل في مقابلة مع "رويترز"، قائلاً: "ليس لدي أي أمل في الذهاب إلى الولايات المتحدة".
وتشير أرقام وزارة الخارجية الأميركية إلى أن ما يربو على سبعة آلاف عراقي عمل كثير منهم كمترجمين للجيش الأميركي أعيد توطينهم في الولايات المتحدة بموجب برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة منذ عام 2008 بينما لا تزال عملية فحص نحو 500 جارية. ويقول مشروع المساعدة الدولية للاجئين إن 58 ألف عراقي آخرين ينتظرون إجراء المقابلات بموجب برنامج الدخول المباشر.
وأعرب ألين فوت، وهو كابتن سابق بالجيش الأميركي ذهب إلى الفلوجة عام 2003 في مقابلة مع "رويترز"، عن قلقه من أن يعرض الأمر التنفيذي القوات الأميركية للخطر لأنه سيصعب من الحصول على دعم محلي في مناطق الحروب.
ولم تقتصر الاعتراضات على قرار ترامب على الداخل الأميركي، إذ أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت أمس السبت إثر لقائه نظيره الألماني سيغمار غابرييل في باريس، أن قرارات الرئيس الأميركي، وخصوصا فرضه قيوداً على دخول اللاجئين للولايات المتحدة، تثير "قلق" فرنسا وألمانيا. وقال إيرولت إن "استقبال اللاجئين الفارين من الحرب يشكل جزءا من واجباتنا. علينا ان ننظم أنفسنا لضمان حصول ذلك في شكل متساو وعادل ومتضامن".
من جهته، اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن زمن بناء الجدران بين الدول "انقضى"، في انتقاد ضمني لترامب من دون أن يسميه. وقال روحاني في كلمة بثها التلفزيون الإيراني الرسمي أمس: "لم نعد اليوم في عصر بناء الجدران بين الدول. لقد نسوا أن جدار برلين سقط قبل بضع سنوات".
أما الناشطة الباكستانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام ملالا يوسفزاي، فقد أعربت عن "حزنها العميق" للقرار. وحثت ترامب على عدم التخلي عن "الأطفال والأسر الأكثر ضعفاً" في العالم.

المساهمون