عنفٌ ضد أطباء تركيا

16 اغسطس 2015
أسباب العنف بالنسبة للأطباء كثيرة (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -

يعد العنف ضد العاملين في القطاع الصحي ظاهرة واسعة الانتشار في تركيا، ويشمل العنف اللفظي والضرب وصولاً إلى القتل العمد. وتكررت حوادث قتل الأطباء، وكان آخرها ما تعرض له طبيب الأمراض الصدرية كامل فورتون في يونيو/حزيران الماضي، عندما قُتل رمياً بالرصاص في مستشفى في مدينة سامسون على ساحل البحر الأسود.
ولا يتوقف الأطباء الأتراك عن تنظيم الاحتجاجات والوقفات ضد العنف الذي يتعرض له زملاؤهم من قبل مرافقي المرضى، وخصوصاً أن الاعتداء على طبيب أو ممرض أو قابلة في المستشفى بات أمراً متكرراً، وكثيراً ما يطرح في وسائل الإعلام التركية بشكل دوري.

وتجدر الإشارة إلى أن عدداً من الأطباء يتهمون وسائل الاعلام بلعب دور في التحريض عليهم بسبب "مقاربتها السطحية" للحوادث في المستشفيات، وتبنيها وجهة نظر أقارب المرضى، من دون استشارة الأطباء المتخصصين لمعرفة إن كان الخطأ الطبي يندرج ضمن الأخطاء المقبولة والممكنة أثناء ممارسة المهنة، أم أنها ناتجة عن إهمال متعمد، وحتى من دون التطرق إلى ظروف العمل القاسية وكثرة أعداد المرضى، ما يجبر الطبيب على معاينتهم جميعاً.

وبحسب إحصائيات نقابة الأطباء الأتراك، فإن أكثر من 40 في المائة من الأطباء المتخصصين يقرون أنهم تعرضوا للعنف اللفظي أو الجسدي لمرة واحدة سنوياً. أما أكثر المعرضين للعنف فهم أطباء الطوارئ، وخصوصاً العاملون في أقسام الإسعاف في المستشفيات الكبرى، والعاملون في أقسام العناية المركزة، بالإضافة إلى الأطباء النفسيين. وتشير الإحصائيات إلى أن الممرضين أكثر تعرضاً للعنف بـ 17 مرة.

في السياق، يؤكد رئيس قسم الجراحة في مستشفى سماتيا في مدينة إسطنبول أغار أرين أن نسبة العنف الموجهة ضد العاملين في القطاع الصحي تعد كبيرة جداً، مضيفاً أنه بعد إجراء مسح في قسم الإسعاف في المستشفى عن العنف، شمل 24 طبيباً و16 ممرضاً و7 آخرين عاملين في القسم، ظهرت نتائج خطيرة، على حد قوله، لافتاً إلى تأكيد الأطباء تعرضهم للعنف اللفظي يومياً. أما العنف الجسدي، فتصل نسبته إلى 87 في المائة سنوياً. ويؤكد 30 في المائة من المستطلعة آراؤهم أنهم يتعرضون للعنف بشكل يومي، وعادة ما تحصل الاعتداءات ليلاً. أما الشكاوى المقدمة للشرطة، فلا تتعدى الأربعين في المائة من حوادث الاعتداء، كما أن معظم المعتدين هم من أقارب المرضى.

أسباب العنف بالنسبة للأطباء كثيرة، بحسب البحث الذي أجرته غرفة أطباء مدينة إسطنبول، وهي: سياسات وزارة الصحة السيئة، وكذلك إدارة المستشفيات وخصوصاً الحكومية منها. إذ يشكو عدد كبير من الأطباء من الضغط الهائل الذي يتعرضون له أثناء العمل، من بينهم الطبيب إردال أوزتورك في مستشفى هاسكي التعليمي في إسطنبول، في ظل كثرة عدد المرضى في مقابل قلة عدد الأطباء. يقول: "أعاين خلال ثماني ساعات من العمل نحو خمسين حالة، ما يعني أن الوقت الذي يمكن أن أقضيه مع المريض قد لا يتجاوز التسع دقائق. خلالها، علي سماع المريض وفحصه ومحاولة إقامة علاقة ودية معه". ويسأل: "كيف يمكنني تقديم خدمة طبية حقيقية للمرضى في ظروف كهذه؟ هل يفكر أحد بتعبي حين يقترب الدوام من نهايته، لدرجة أنني أنسى المرضى الذين يأتون لمراجعتي مرة أخرى، بعدما أطلب منهم إجراء فحوصات".
ويشير أوزتورك إلى أن "المريض أيضاً يكون متعباً وغاضباً عندما يصل العيادة بسبب فترة الانتظار الطويلة، ما يؤدي بعض الأحيان إلى حصول شجارات مع الموظفين، في وقت تكون قدرتي على الاستيعاب والتحمل في أسوء مراحلها، حتى لأظن أنني السبب في حصول نسبة لا بأس بها من الشجارات".

ويؤكد سليمان أنل، وهو عضو في مجلس جمعية حقوق الصحة في إسطنبول، أن الحديث عن انخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمرضى كسبب للعنف ضد الأطباء أمر غير منطقي. ويقول إن "الأبحاث التي أجريناها تؤكد أن ارتفاع معدلات الفقر لا تترافق مع ارتفاع معدلات العنف في المستشفيات، بل إن ارتفاع المستوى الاقتصادي غالباً ما يترافق مع ارتفاع معدلات العنف، حتى أن المستشفيات في المناطق الفقيرة لا تشهد نسب عنف عالية، وعادة ما تجري الأمور فيها بسلاسة. هناك، يستجيب المريض لما يقوله الطبيب أو العاملون في القطاع الصحي بشكل أفضل، لكن هناك ميل عام إلى عنف في المجتمع التركي ناتج عن أمور كثيرة، منها عدم ثقة المواطن بإمكانية أن يأخذ حقه من خلال الشرطة والقضاء، بالإضافة إلى قلة التوعية حول حقوق المواطن في مجال الصحة والجهود المبذولة لتطوير القطاع الصحي".

من جهتها، تؤكد الطبيبة زينب سولاك أوغل، وهي عضو مجلس غرفة أطباء إسطنبول، أن أحد الأسباب هو أن طلاب كلية الطب لا يحصلون على دروس في الآداب والأخلاقيات الطبية، ولا يتعلمون كيفية إقامة علاقة إيجابية مع المريض. تتابع أن الطلاب لا يتعلمون كيفية إخبار المريض أو أقارب المريض بالأخبار السيئة، أو كيفية التعامل مع مختلف شخصيات المرضى، وإقناعهم أن الخدمة التي يحصلون عليها جيدة، حتى لا يظن المريض أن الطبيب لم يهتم به، أو يعامله بالاهتمام الكافي الذي يجب أن يناله.

اقرأ أيضاً: أطباء أتراك يزرعون نخاع عظام لطفل ليبي