تقدّم الدراسة قراءةً في مفهوم الاستشراق وتطبيقاته، عربياً وغربياً، على ضوء كتاب "الاستشراق للمفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد، والذي يرى المؤلّف أنه فتح الباب أمام سيل جارف من الكتابات التي قاربت الموضوع بكثير من السطحية.
يقول المؤلّف إنه "مع أن إدوارد سعيد قد وجّه للاستشراق ضربةً مؤلمة، عبر كتابه الأبرز "الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء" (1987)، إلا أنه لم يفعل، في الواقع، أكثر من أنه أيقظ مارد الاستشراق الذي استغرق في النوم منذ العقد السابع من القرن العشرين، في سرير العلوم الإنسانية والاجتماعية".
يضيف عبد الخالق في مقدّمة دراسته: "على قلّة ما كان يعرفه مثقّفو العرب في الثمانينيات، من الاستشراق وعن الاستشراق الذي توارى عن الأنظار منذ الستينيات، بفعل تصاعد المدّ القومي واليساري والإسلامي، فقد تكفّل كتاب سعيد بالإجهاز على ما تبقّى من هذه المعرفة لأسباب عديدة".
يعدّد عبد الخالق أربعة أسباب، هي: اقتصار كتّاب "الاستشراق"، تقريباً، على المضمون الاستشراقي السياسي (الخفيف) الخاص بعدد من كبار مسؤولي الإدارات الاستعمارية والرحّالة والمغامرين الغربيين، وافتقاره إلى الاشتباك مع المضمون الاستشراقي الفكري (الثقيل) الذي يمثّل جوهر وصلب الاستشراق، واتجاه تيارات قومية ويسارية وإسلامية عربية، لتوظيف الكتّاب توظيفًا أيدولوجياً وسياسياً ضد الغرب.
السبب الرابع، بحسب عبد الخالق، يتمثّل في أسطرة الكتاب والكاتب، بوصفهما اختراقين معرفيين تاريخيين، لخطاب ومؤسّسات الغرب الأوروبي والأميركي، وأخيراً فإن الكتاب أطلق سيلاَ جارفاَ من الكتب والدراسات والمقالات العربية حول الاستشراق، اتّسم معظمها بالسطحية والسعي إلى قطف ما يمكن قطفه من ثمار هذا "البزنس" المعرفي الذي أعاد كتاب سعيد إحياءَه، بحسب المؤلّف.
يلفت الكاتب إلى أن مضمون مؤلَّفه قد يتسبّب في صدمة لكثير من المثقّفين العرب الذين سلّموا تسليماً يكاد يكون تاماً بأن الاستشراق هو "الاستشراق" الذي وصّفه وعاينه سعيد، مضيفاً أن الاستشراق يكاد يكون كياناً مختلفاً تماماً عن "الصورة الثابتة" التي رسّخها سعيد، لأن مقولات هذا الاستشراق، في معظمها وفي حدّ ذاتها، قد تردّدت بطريقة أو بأخرى لدى بعض المثقّفين العرب، قديماَ وحديثاً، في سياق مراجعاتهم ونقوداتهم للتاريخ العربي والفكر العربي والأدب العربي والشخصية العربية (ابن سلام الجمحي وابن جبير وابن خلدون والكواكبي والوردي على سبيل المثال)، فبدا ما قالوه ضرباً من ضروب النقد الذاتي البنّاء، فيما بدا ما قاله بعض المستشرقين ضرباً من ضروب التحامل والتشكيك والتجريح.
يوضّح أستاذ النقد أن المواجهات التاريخية الممتدّة، عسكرياً وسياسياً وعقائدياً وثقافياً، بين الشرق والغرب، أسهمت في إظهار مقولات المستشرقين بمظهر الطعون المتعمّدة الهادفة إلى تحطيم وتدمير الشخصية العربية، ما أدى إلى تغييب الاشتباك مع أسئلة من قبيل "ماذا وكيف قالوا ما قالوا؟" لصالح الاشتباك مع سؤال "لماذا قالوا ما قالوا؟"، أي أن معاينة خطاب الاستشراق ظلّت في الغالب خارج "سؤال المعرفة" وداخل "سؤال التأويل".
يستشهد المؤلّف بما كتبه إدوارد سعيد نفسه، في معرض تقديمه النسخة العربية من كتابه "الثقافة والإمبريالية"، بأن كتاب "الاستشراق" قد جرى توظيفه على نحو مخالف تماماً، لما أراد له في البلاد العربية؛ حيث تساءل: "إن الأمر في نظري ليقع على مشارف اللغز أو السرّ؛ لماذا ساعد "الاستشراق" في باكستان والهند وأفريقيا واليابان وأميركا اللاتينية وأوروبا والولايات المتحدة، على إطلاق العديد من أنهاج الإنشاء الجديدة وأساليب التحليل الجديدة، وإعادات تأويل للتاريخ والثقافة، فيما ظلّ تأثيره في العالم العربي محدودًا؟".