عن الأحلام المتبقية

02 يناير 2019
+ الخط -
تجول في تخوم النفس التي لم تعد تسمع خبرا غير أخبار الحروب وويلاتها، عبر ظلمة ليل المدينة التي تنام منذ الظهر، عندما يعود أهلها ليتكوموا في مجالس النميمة المفرطة، وهم يمضغون (القات) في نشوة!
وأنت في ليالي هذا البلد القابع خارج خرائط الحياة الحديثة، يسألك آخرك الشخصي: هل تبقى حيزٌ للأحلام؟ تريد أن تجيب، لكن تخاف الإجابة؛ لأن كل متغيرات الزمكان تجيبك نافية.
وأنت تكاد تؤكد هذه الإجابة، لكن تتريث قليلا من باب ألا تسرب طاقتك السلبية إلى الآخرين، من دون أن تدري أن الطاقة نفسها في كل مكان.
أليس الكون مجرد لعبة طاقة عظمى؟ ولو فرضنا وجود هذا الحيز، فإن آخرك الشخصي سيسألك: هل ما زلت تحلم؟
تجيب: لا، لأني قد استيقظت منذ زمن.
استيقظتُ على هذا الواقع (الواقع) على رؤوسنا، فلو أني سُئلت: ما هو الواقع؟ لأجبت: هو ذاك الشيء الرهيب الذي يجب أن نقبل به، بل ونعيشه... نقبل به على طريقة "يتجرعه ولا يكاد يسيغه".
أما ما نعيشه، سيكون كالرضى بالشيب قسرا وقد وَخَطَ النواصي والفروعا، فيضيق بنا أو نضيق به، لا فرق، لذا لم يبقَ أمامنا سوى الواقع الافتراضي لنسكب أحلامنا/ أوهامنا فيه، وقد تغول فينا هذا الأخير، حتى أنني أخاف أن نغرق فيه، فننسى الواقع المعاش.
ونحن، بصراحة، نريد أن ننسى أو نتناسى، إن صح التعبير، هذا الواقع المعاش، لذا فالواقع الافتراضي يعد أحد أنواع الغيبوبة التي نفر إليها للهروب من ضغط الواقع.. لكن، هل هذا الهروب حل؟
لا أظن؛ فمهما كان هذا الواقع الافتراضي جميلا، فإنه لا وجود له إلا على "سطح المكتب"، تماما مثل الحُلم لا وجود له إلا في مخيلتنا..
صحيح أن هناك حالات إدمان لهذا الواقع الافتراضي، لكن هذا الإدمان لن يغيّر من الواقع المُعاش كثيرا، فمنْ يتخذ "فيسبوك"، على سبيل المثال، ملجأ أو مهربا من واقعه، فهو كمنْ يتلهى بالغيبوبة لكي لا يفيق.
ولا ننسى أن منْ صنع هذا الواقع الافتراضي لم يأتِ به من فراغ، بل هو صدى الواقع المُعاش، فهل يمكننا فصل واقع "فيسبوك" الافتراضي عن الواقع المُعاش؟
نعم ربما، لكن بشكل ضئيل جدا، تماما كما تفصل أحلام اليقظة صاحبها عن واقعه؛ وما أحلام اليقظة إلا تفكير في الواقع المُعاش عن طريق التمني والتخيل، وهذا التفكير يدور في واقع موازٍ لهذا الواقع المُعاش، لكن في مخيلة الشخص المفكر، لكنها أوقاتٌ مهما طالت، ونعود إلى واقعنا الواقع على رؤوسنا.
ونجد في واقع "فيسبوك" الافتراضي يوجد الواقع المُعاش مضخّما على الحائط؛ فهناك أخبار السياسة والفن والأدب والرياضة والعلوم… إلخ، مع التحليلات والتعليقات والجدال واللجَاجَة في الجدال، والسب والشتم، إن تطوّر الأمر،
أليس هذا هو الواقع المُعاش؟ ولو افترضنا أننا تركنا مواضيع الواقع الحقيقي وراء ظهورنا، فماذا ظل لنا لنتحدث عنه هناك؟
أحلامنا؟
صارت كوابيس والحمد لله.
المستقبل؟ أي منهم؛ مستقبل الماضي القادم بقضه وقضيضه أم المستقبل الافتراضي؟
الجغرافيا؟ أيا منها؛ الباقية أم المنهوبة؟ المشتعلة أم التي تتجهز للاشتعال المقبل؟
إذن لنتحدث عن التاريخ؟ أي تاريخ نقصد؛ هل الذي زُوّر في الماضي تحت سمع الحاكم بأمره وبصره؟ أم التاريخ المعاصر الذي يزوّر تحت سمعنا وبصرنا؟
لقد أصبحت شعوب المنطقة القاطنة في هذه الجغرافيا المنسية تعيش بفعل قصورها الذاتي ليس إلا، تماما كتدحرج برميل وضع على حافة منحدر. .. وهكذا نحن نتدحرج في فسحة العمر، لكن إلى أين؟ الله أعلم.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري