ما الذي كانت تفكّر فيه الشخصية العربية، وما الذي كانت تعمل لأجله في منتصف القرن العشرين؟ سواء كنا نتحدث عن شخصية واقعية، أو كنا نتحدث عن شخصية روائية؟ هل يحكمها الإحباط والشعور بالفشل والهزيمة، أو يحكمها الإصرار على المتابعة وإكمال مشوار التحرّر الذي بدأت به؟ قد يمكننا الجواب عن مثل هذا السؤال من تتبع أوجه الاختلاف التي تفرّق بينها وبين الشخصية الروائية في النصوص الأوروبية.
فإذا تتبعنا الرواية العربية، وخاصة في الزمن الذي شهد ظهور الأعمال الروائية العربية الناضجة لـ نجيب محفوظ وحنا مينه وعبد الرحمن الشرقاوي والسباعي وغيرهم، على ضوء ارتباطها بالتحولات الاجتماعية، فإننا سوف نلاحظ أن معظم تلك الشخصيات كانت مفعمة بالرغبة في التغيير.
والمتأمل في الزمن الذي بدأت فيه الرواية العربية تتجه نحو النضج، أي في منتصف القرن الماضي، سوف يلاحظ أيضاً أن معظم البلدان العربية كانت تعيش لحظة التحرر والاستقلال من الاستعمار، بينما كانت معظم الدول الأوروبية تعيش زمن الخروج من الحرب العالمية الثانية.
وإذا كان الإنسان هناك يحسّ بضياع معنى الحياة كما يشير إلى ذلك لوسيان غولدمان في "سوسيولوجيا الرواية" فإن الإنسان العربي في ذلك الزمن كان يتطلع إلى البحث عن معنى الحياة. كانت البطولة الإيجابية تعبيراً عن تطلعات هذا الإنسان وآماله وأشواقه ومساعيه لبناء بلاد تنعم بالحرية والرخاء.
وعلى الرغم من وضوح الفارق النوعي بين الشخصية الأوروبية والشخصية العربية في الرواية، فإن كثيرين من النقاد استخدموا المعايير ذاتها في الكلام النقدي عن الشخصية في الرواية، أو أن هذا المصطلح استُخدم دون النظر للاختلافات التاريخية والمجتمعية بين ثقافتين وتجربتين في كتابة الرواية. فالهموم والمشاكل والقضايا التي تواجهها الشخصية في رواية فرنسية أو ألمانية تختلف تماماً عن هموم الشخصيات في الرواية العربية.
من الصعب أن يُرى موقع الشخصية الروائية في أعمال محفوظ وسارتر وفق المعايير النقدية ذاتها التي يجب أن تَرى طبيعة تكوينها وهمومها بالتوازي مع المتغيرات في المجتمع. إذ يمكن الحديث عن أن الإخفاق البشري كان سابقاً على وجود الشخصية في الرواية الأوروبية بعد الحرب العالمية. كان الضياع والشعور باللاجدوى والعبث هو الطبيعة النفسية المرافقة لإنسان ما بعد الحرب في أوروبا. أي أن رواية ما بعد الحرب كانت تكتب عن الهزيمة الشاملة للقيم هناك.
بينما كانت المهام التي أنيطت بالإنسان العربي مهام ذات طابع إيجابي، كان شعور المواطن أن المستقبل مليء بالآمال الكبيرة، فشخصية الطروسي لحنا مينه في "الشراع والعاصفة" هي الشخصية التي حملت الأمل في العالم العربي الجديد، حيث لم تكن قد ظهرت بعد إخفاقات المشاريع السياسية الكبرى، أو تحققت الهزائم العسكرية، بينما بدا بطل رواية "في المنفى" لجورج سالم غريباً ومقحَماً على الواقع في بداية الستينيات.
غير أن الأنظمة العسكرية العربية دمرت آمال البطل الروائي الباحث عن المستقبل في ما بعد، بحيث انتهت الطروسية، ولم نعد نتحدث عن منفي واحد في رواية لجورج سالم، بل عن الملايين ممن باتوا في المنافي.