15 سبتمبر 2021
عن العلاقات الأردنية الخليجية
كنت في عمان مطلع شهر مايو/ أيار الجاري، للمشاركة في اجتماع الهيئة الاستشارية لمنظمة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، وقدر لي الالتقاء بنخب رفيعة المستوى من أهل الأردن، وكان حديثنا عن الأردن وما يحيط به من أخطار خارجية، وما يعتور طريق نموه وازدهاره من عقبات داخلية، منها اللاجئون والنازحون والعاطلون، والمعضلة الاقتصادية وشح الموارد وضيق ذات اليد.
(2)
يعبر بعض من تلك النخب المرموقة التي التقيت بها عن خيبة أملهم من تعامل أهل الخليج معهم ومع قيادتهم. يقول أحدهم، وهو محتد في الحديث، إن أهل الأردن ليسوا من قبائل النيجر أو السنغال أو من قبائل سكان الحبشة، ولسنا من قبائل غجر أوروبا المتنقلين. نحن قبائل عربية خرجت في عصر الفتوحات من بلاد العرب، حاملة الرايات العربية، حاربنا بقياداتٍ عربية جحافل الفرس والروم، وتصدّينا لغزوات الفرنجة لبلاد العرب ومقدساتهم في فلسطين. قيادتنا اليوم من أصول هاشمية قرشية، ليسوا أصحاب عمائم سود. حاربنا مع أهلنا في الخليج، بلا منة، كل حروبهم العسكرية والأمنية، وشاركناهم في معارك التنمية بكل حقولها (التعليم والإعلام والإدارة). قدمنا ونقدّم كل ما ينفع أهلنا في الخليج، لأننا نعتبر أنفسنا من أهل جزيرة العرب. لماذا تشيحون بوجوهكم عنا، وأبصاركم شاخصة نحو أقصى حدود الوطن العربي غرباً، وتلمح أبو الهول بكرم جم على الرغم من عثراته، وليست بيزنطة أكثر قرباً منا أو أكثر ولاء. ماذا طلب منا ولم نستجب له؟
تناول الحديث شخصية أخرى لها مكانتها، يقول: عتابنا لكم عتاب المحبين، وليس سواه. تستقبلون قادتنا بأقل دفء من استقبالكم قيادات عربية أخرى. تطول لقاءاتكم بالآخرين، وتختصر معنا وكأنكم على عجل. هم ونحن أقل منكم ثراء، لكننا لسنا أقل منكم مكانة ورفعة. لنا مكانتنا والتاريخ يشهد. طائراتكم تمر في أجوائنا متجهةً شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. وأيدينا ممدودة إلى السماء. ندعو الله أن يحفظكم، ويسدّد رميكم، وينفع بكم الأمة وأن يحفظكم من كل بلاء، وكم كنا نتمنى أن تحط طائراتكم في مطاراتنا، لتروا صدق الاستقبال ودفء المحبة والاحترام.
(3)
استأذنت مضيفنا في الحديث، وقلت: قادتنا ونحن أبناء الخليج العربي لم نشح وجوهنا عنكم. كنا معكم وما برحنا معكم. كانت آخر زيارة للملك عبدالله الثاني إلى المملكة العربية السعودية، وجرى له استقبال رسمي، لكن ليس كاستقبال ملك المغرب محمد السادس، كما تقول روايات (كلام غير قابل للنشر). ومع قصر الزيارة، إلا أنها كانت مثمرة كما تقول وسائل الإعلام، ثم كانت زيارة الملك دولة الإمارات. في الزيارة الأولى، وقعت اتفاقيات تنفيذ مشاريع اقتصادية ضخمة بين السعودية والأردن، تعتبر الأولى من نوعها. وقد كتبت الصحافية الإسرائيلية سميدار بيري المختصة بالشؤون العربية في "يديعوت أحرونوت" "إن تلك الاتفاقيات ستدر مالاً سعودياً طائلاً هو الأول من نوعه إلى الأردن". (1 مايو/ أيار الحالي). وكما أن مجالسكم تعج بعتب المحبين لبعض دول الخليج العربي، فإن مجالس أهل الخليج تعج بعتب عليكم أيضاً. ولأني من دعاة تقوية العلاقات بين الأردن ودول مجلس التعاون، فإني أورد عتبنا على الدبلوماسية الأردنية هنا. وليس قابلاً للنشر أو التداول ما سأقول في وسائل الاتصال الاجتماعي، وأرجو أن نلتزم عدم نشر ما سأقول، إلا موضوعاً واحداً أورده خارج التحفظ، هو أن رئيس وزراء دولة خليجية طلب زيارة الأردن منذ أشهر، ولم يتلق ردّاً، وهذا تجاهل غير مقبول بين الأشقاء.
استمعت بكل حواسي لما قلتم عن مؤتمر المانحين في لندن إن المتعهدين بدعم الأردن مالياً لم يفوا بالتزاماتهم، وكذلك المانحون في قمة شرم الشيخ العربية، وإن دولاً خليجية لم تف بالتزاماتها التي تعهدت بها للأردن. ليس عندي تفاصيل. ولكن، من الملاحظة والمقارنة، أقول لعل تلك الدول المانحة، في لندن وشرم الشيخ، طلبت من الأردن تقديم مشاريع ودراسات جدوى، بهدف تمويلها. جملة القول إنني أتمنى على كل دولة عربية وعدت بمنح مالية للأردن أن تفي بها، لأن وضع الأردن الاقتصادي لا يُحتمل.
(4)
أشك في أغراض ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية عن الشأن العربي، وأخشى أن يعود بآثار سلبية على العلاقات الخليجية الأردنية. فيجب التوقف عند كل فقرة في مقال سميدار بيري الآنف الذكر وتحليل مضمونها، فعندما تقول إن عبد الفتاح السيسي قدّم أرضاً للسعودية (جزيرتي صنافر وتيران) لاحظوا ما حدث في مصر بعد ذلك. فماذا عسى أن يقدم الأردن للسعودية، هل سيقدم أراضيَ لصالح جسر سلمان وقواعد عسكرية سرية، وماذا سيستفيد السعوديون مقابل أموالهم؟
الإشادة والمبالغة في قولها عن الاتفاقات والترتيبات الاقتصادية والمشاريع وزيارات رجال الأعمال السعوديين للأردن من تنظيم وترتيب "الداهية" باسم عوض الله أمر يبعث على القلق، فالرجل، في تقدير نخبٍ سياسية أردنيةٍ كثيرة، ليس ممن يُشار إليهم بالبنان، لكنهم لا يشكون في قدراته.
تسأل شخصية أردنية مرموقة: ماذا سيحدث في الأردن إذا لم يشْرع السعوديون في تنفيذ ما وعدوا في حضور الملكين سلمان وعبد الله الثاني، ووقعو عليه أخيراً في الرياض؟ يجيب: ستفقد الجبهة الداخية مصداقية الملك ومستشاره باسم عوض الله، وترد الفشل إلى جذور الأخير. وهنا، تنقسم الجبهة الداخلية بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي يقود إلى عدم استقرار.
آخر القول: أتمنى على القيادات السياسية في الأردن أن ينأوا بأنفسهم عن الخلافات الخليجية الخليجية، تصريحاً أو تلميحاً. كما أتمنى على قادة مجلس التعاون أن يسارعوا في الاندفاع نحو الأردن، لما فيه خير للجميع.
(2)
يعبر بعض من تلك النخب المرموقة التي التقيت بها عن خيبة أملهم من تعامل أهل الخليج معهم ومع قيادتهم. يقول أحدهم، وهو محتد في الحديث، إن أهل الأردن ليسوا من قبائل النيجر أو السنغال أو من قبائل سكان الحبشة، ولسنا من قبائل غجر أوروبا المتنقلين. نحن قبائل عربية خرجت في عصر الفتوحات من بلاد العرب، حاملة الرايات العربية، حاربنا بقياداتٍ عربية جحافل الفرس والروم، وتصدّينا لغزوات الفرنجة لبلاد العرب ومقدساتهم في فلسطين. قيادتنا اليوم من أصول هاشمية قرشية، ليسوا أصحاب عمائم سود. حاربنا مع أهلنا في الخليج، بلا منة، كل حروبهم العسكرية والأمنية، وشاركناهم في معارك التنمية بكل حقولها (التعليم والإعلام والإدارة). قدمنا ونقدّم كل ما ينفع أهلنا في الخليج، لأننا نعتبر أنفسنا من أهل جزيرة العرب. لماذا تشيحون بوجوهكم عنا، وأبصاركم شاخصة نحو أقصى حدود الوطن العربي غرباً، وتلمح أبو الهول بكرم جم على الرغم من عثراته، وليست بيزنطة أكثر قرباً منا أو أكثر ولاء. ماذا طلب منا ولم نستجب له؟
تناول الحديث شخصية أخرى لها مكانتها، يقول: عتابنا لكم عتاب المحبين، وليس سواه. تستقبلون قادتنا بأقل دفء من استقبالكم قيادات عربية أخرى. تطول لقاءاتكم بالآخرين، وتختصر معنا وكأنكم على عجل. هم ونحن أقل منكم ثراء، لكننا لسنا أقل منكم مكانة ورفعة. لنا مكانتنا والتاريخ يشهد. طائراتكم تمر في أجوائنا متجهةً شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. وأيدينا ممدودة إلى السماء. ندعو الله أن يحفظكم، ويسدّد رميكم، وينفع بكم الأمة وأن يحفظكم من كل بلاء، وكم كنا نتمنى أن تحط طائراتكم في مطاراتنا، لتروا صدق الاستقبال ودفء المحبة والاحترام.
(3)
استأذنت مضيفنا في الحديث، وقلت: قادتنا ونحن أبناء الخليج العربي لم نشح وجوهنا عنكم. كنا معكم وما برحنا معكم. كانت آخر زيارة للملك عبدالله الثاني إلى المملكة العربية السعودية، وجرى له استقبال رسمي، لكن ليس كاستقبال ملك المغرب محمد السادس، كما تقول روايات (كلام غير قابل للنشر). ومع قصر الزيارة، إلا أنها كانت مثمرة كما تقول وسائل الإعلام، ثم كانت زيارة الملك دولة الإمارات. في الزيارة الأولى، وقعت اتفاقيات تنفيذ مشاريع اقتصادية ضخمة بين السعودية والأردن، تعتبر الأولى من نوعها. وقد كتبت الصحافية الإسرائيلية سميدار بيري المختصة بالشؤون العربية في "يديعوت أحرونوت" "إن تلك الاتفاقيات ستدر مالاً سعودياً طائلاً هو الأول من نوعه إلى الأردن". (1 مايو/ أيار الحالي). وكما أن مجالسكم تعج بعتب المحبين لبعض دول الخليج العربي، فإن مجالس أهل الخليج تعج بعتب عليكم أيضاً. ولأني من دعاة تقوية العلاقات بين الأردن ودول مجلس التعاون، فإني أورد عتبنا على الدبلوماسية الأردنية هنا. وليس قابلاً للنشر أو التداول ما سأقول في وسائل الاتصال الاجتماعي، وأرجو أن نلتزم عدم نشر ما سأقول، إلا موضوعاً واحداً أورده خارج التحفظ، هو أن رئيس وزراء دولة خليجية طلب زيارة الأردن منذ أشهر، ولم يتلق ردّاً، وهذا تجاهل غير مقبول بين الأشقاء.
استمعت بكل حواسي لما قلتم عن مؤتمر المانحين في لندن إن المتعهدين بدعم الأردن مالياً لم يفوا بالتزاماتهم، وكذلك المانحون في قمة شرم الشيخ العربية، وإن دولاً خليجية لم تف بالتزاماتها التي تعهدت بها للأردن. ليس عندي تفاصيل. ولكن، من الملاحظة والمقارنة، أقول لعل تلك الدول المانحة، في لندن وشرم الشيخ، طلبت من الأردن تقديم مشاريع ودراسات جدوى، بهدف تمويلها. جملة القول إنني أتمنى على كل دولة عربية وعدت بمنح مالية للأردن أن تفي بها، لأن وضع الأردن الاقتصادي لا يُحتمل.
(4)
أشك في أغراض ما تكتبه الصحافة الإسرائيلية عن الشأن العربي، وأخشى أن يعود بآثار سلبية على العلاقات الخليجية الأردنية. فيجب التوقف عند كل فقرة في مقال سميدار بيري الآنف الذكر وتحليل مضمونها، فعندما تقول إن عبد الفتاح السيسي قدّم أرضاً للسعودية (جزيرتي صنافر وتيران) لاحظوا ما حدث في مصر بعد ذلك. فماذا عسى أن يقدم الأردن للسعودية، هل سيقدم أراضيَ لصالح جسر سلمان وقواعد عسكرية سرية، وماذا سيستفيد السعوديون مقابل أموالهم؟
الإشادة والمبالغة في قولها عن الاتفاقات والترتيبات الاقتصادية والمشاريع وزيارات رجال الأعمال السعوديين للأردن من تنظيم وترتيب "الداهية" باسم عوض الله أمر يبعث على القلق، فالرجل، في تقدير نخبٍ سياسية أردنيةٍ كثيرة، ليس ممن يُشار إليهم بالبنان، لكنهم لا يشكون في قدراته.
تسأل شخصية أردنية مرموقة: ماذا سيحدث في الأردن إذا لم يشْرع السعوديون في تنفيذ ما وعدوا في حضور الملكين سلمان وعبد الله الثاني، ووقعو عليه أخيراً في الرياض؟ يجيب: ستفقد الجبهة الداخية مصداقية الملك ومستشاره باسم عوض الله، وترد الفشل إلى جذور الأخير. وهنا، تنقسم الجبهة الداخلية بين مؤيد ومعارض، الأمر الذي يقود إلى عدم استقرار.
آخر القول: أتمنى على القيادات السياسية في الأردن أن ينأوا بأنفسهم عن الخلافات الخليجية الخليجية، تصريحاً أو تلميحاً. كما أتمنى على قادة مجلس التعاون أن يسارعوا في الاندفاع نحو الأردن، لما فيه خير للجميع.