عن تسليح الأكراد في "كوباني - عين العرب"
قدمت الولايات المتحدة الأميركية سلاحاً للمقاتلين الأكراد في كوباني- عين العرب، ستحاول هذه السطور أن تجيب عن سبب الدعم السريع للمقاتلين الأكراد، في حين ما زالت الولايات المتحدة متردِّدة في تقديم دعم حاسم للمعارضة السوريَّة المسلّحة.
أربَعةُ أسبابٍ أساسيَّة مُتداخلة فيما بينها (مرتَّبة هنا حسب الأهميَّة)، جَعلت مأساة كوباني- عين العرب، تحتلُّ المَنابر الإعلاميَّة ومُقدّمات النّشرات الإخباريَّة، وتثيرُ اهتمام المُجتمع الدولي أكثر من المدن السوريَّة الأخرى التي تتعرض للقصف اليومي بالبراميل والطائرات والأسلحة الثقيلة:
أوّلاً: ثمَّة ميلٌ واضحٌ في الأوساط الغربيَّة، في تعاطفٍ انِتقائي مع قضايا الأقليَّات الإثنيّة والمذهبيَّة في المشرق العربي، ومُحقّةٌ تلك الشكوى من ازدواجيَّة الحساسيَّة الإنسانيَّة الغربيَّة، إذْ أنَّ مجزرة مٌروِّعة إذا ارتُكِبَت بحق عرب السنّة الأرياف، ستكونُ غيرَ قادرةٍ على تحريك ركُود المجتمع الدولي، مثل اقتحام كتائِب جهاديَّة طائفيَّة قرى علويَّة في الساحل السوري، أو اقتحام جبهة النصرة قرية معلولا، ذات الرمزيّة الدينيّة المسيحيّة الآراميّة، أو قرية كسب ذات الغالبيَّة السكانيَّة الأرمنيَّة، أو اقتحام داعش مدينة "كوباني- عين العرب"، حيث الأكثريَّة السكانيّة الكرديَّة. إذن، ثمّة قناعةٌ تبسيطيَّةٌ في الوعي العام الغربي، يسهلُ فيها التّماهي بين الإسلام السنُّي وما يسمّى الإرهاب العالمي.
ثانياً: الأداءُ السياسي الركيك والمبتذل للمعارضة السياسيَّة السوريَّة، والمواقف المتخبّطِة وغير المدروسة تجاه التنظيمات الجهاديَّة المتطرّفة. رجل دينٍ معروفٌ باعتداله، مثلاً، أشادَ أكثر من مرّة بنضال رجال جبهة النصرة، وأعضاء في المجلس الوطني السوري كانوا يعتبرون "جبهة النصرة جزءاً أساسيَّاً من الثورة السوريَّة". طبعاً، لا يهمُّ إن كانت جزءاً أم لا، لكن الحديث، هنا، عن المراهقة السياسيَّة وعدم معرفة مخاطبة الرأي العام الغربي، كما أنَّ الحدود، حتّى الآن، غير واضحة، والعلاقات غامضة بين جماعات سياسيَّة كثيرة داخل المعارضة، والتنظيمات الجهادية داخل سورية. إذن، ثمَّة خطاب سياسي معارض سوري يفتقر إلى الدقة الصارمة، بخصوص الفرز الحاسم تجاه الكتائب الإسلامية الجهادية المقاتلة.
ثالثاً: عددُ الأكراد الضخم في أوروبا، وخبرتُهم في التّنظيم والاحتِجاج والتّواصل، وتَشكِيل شبكات تنسيق اجتماعي وتكافُل أهليّ ضخمة، بالإضافة إلى معرفة ساحات الاحتجاج العامة، وقنوات التأثير في مراكز القرار السياسي الحسَّاسة، وصياغةُ خطابٍ معقول موجَّه إلى الرأي العام الغربي. المأساةُ هي مُنتج، ويحصلُ التعاطف معها، في حال وجود خبرة في إدارة هذا المنتج وتسويقه، والتسويق السيئ كافٍ لتدمير المنتج الممتاز. مثلاً، خرجت عشرات المظاهرات في الدول الأوروبيَّة من أجل كوباني، في حين لم تستطع الثورة السوريَّة أن تجمع في أوروبا أو في الدول العربية المُجاورة أكثر من ألف إنسان، علماً أنَّ رسوماً كاريكاتورية مسيئة للإسلام لفنَّان مَغمور أمرٌ كافٍ لاندلاع مظاهرات مليونيَّة في كل الدول الإسلامية.
رابعاً: الإخلاص الواضح في العلاقة التاريخيَّة بين الولايات المتحدة والأكراد، والتجربة العراقيَّة مثالٌ حيّ وواقعي، لا عُقد مُمانعاتيَّة، أو ثقافيَّة، من قبيل "استعمار" أو "إمبرياليَّة". العلاقة الكرديَّة الأميركيَّة هي علاقة مَصلحة واضحة، لا لبسَ فيها ولا غموض. وجدير بالذكر، في هذه المناسبة، أنَّ سلاحاً أعطته الولايات المتّحدة للجيش العراقي أصبح بيد داعش، بعدما هرب الجيش العراقي من الموصل، وترك كلّ أسلحته، في عملية انسحاب غامضة ومفاجئة، تتهم إيران بتسهيلها وتشجيعها، وذلك لتقوية نفوذ "داعش" والتشويش على مسألة بشار الأسد. وهنالك سهولة في تحوُّل تيارات الإسلام السياسي من سلفيَّة إلى جهاديَّة إلى قاعديَّة. إذن، من حق الولايات المتحدة أن تسلِّح الأكراد بثقة أكبر من تسليح باقي الفصائل العربية أو الإسلامية المقاتلة.
التجربة الكردية في التعامل مع الولايات المتحدة، والبراعة في تسويق القضايا، وحشد الرأي العام، العالمي والمحلي، يجب أن تكون درساً إعلامياً وسياسياً للمعارضة السورية. ولكن، ما يحصل، الآن، هو الآتي: فشل في تسويق المأساة السورية، وتنديد بنجاح الأكراد في تسويق مأساة كوباني، والتي هي، بلا شك، جزء من المأساة السورية.