18 فبراير 2020
عن خيارات كرد سورية
أعاد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سحب قوات بلاده من شمال شرق سورية، الذاكرة الكردية إلى عام 1975، عندما رد وزير الخارجية الأميركي، هنري كيسنجر، على مناشدات الملا مصطفى البرزاني المتكررة بالتدخل لإنقاذ كرد العراق، عقب انتكاستهم الشهيرة، بعد أن تخلى عنهم شاه إيران عقب اتفاقية الجزائر، فردّ كيسنجر "إنهم كانوا يقومون بواجبهم، وعلى الكرد أن يميزوا بين النشاط الاستخباراتي والعمل التبشيري". ولعل رد كرد سورية لم يختلف كثيراً عن رد كرد العراق وقتها، عندما اتهموا إدارة ترامب بخيانة الكرد وتطلعاتهم. نعم إنه التاريخ يتكرّر على شكل دورة الأقدار. تبدأ الدورة على شكل بدء الغرب مد يده للكرد تحت شعارات إنسانية وأخلاقية للكرد. ولكن سرعان ما يتخلى عنهم عند بلورة المصالح، وعلى مذبح العلاقات الدولية. والسؤال: هل ذاكرة الكرد مثقوبة إلى هذه الدرجة التي لا يستفيدون فيها من دروس التاريخ، أم أن لا خيارات لديهم، بعد أن تحولوا إلى أمة محاصرة على هامش أمم كبرى، تعيش على لعنة الجغرافيا التي قسمتها الاتفاقيات الدولية عقب الحرب العالمية الأولى؟
ربما، سيقول كردٌ كثيرون إن لم نقل معظمهم، إنه لم تكن لديهم خيارات سوى التحالف مع أميركا، لحماية أنفسهم من هجوم مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على كوباني (عين العرب)، وإن مصيرهم ربما كان سيكون مشابهاً لمصير الإيزيديين في سنجار – شنكال العراقية، لولا هذا التحالف، لكن أميركا كانت واضحةً عندما أعلنت مراراً أنها في عقد معهم للحرب على "داعش"، وليس في تحالف استراتيجي إلى الأبد، إذ قال ترامب مراراً إنه سيسحب قواته من هناك، فيما رأى هؤلاء الكرد أن أميركا في تحالفٍ معهم، في إطار صراعه مع المشاريع الروسية والإيرانية على الجغرافيا السورية والمنطقة، وإن ما يجعل من هذا التحالف مستمراً أنهم الحليف الوحيد على الأرض لواشنطن، لكن سفن ترامب جاءت عكس توقعاتهم، ليجدوا أنفسهم، في لحظة حسّاسة وتاريخية، أمام مصير صعب وخيارات أصعب، إذ تتحدّث أنقرة عن هجوم ضخم وشيك، للقضاء على معاقلهم، في ظل جزمها أن المشروع الكردي في شمال شرق سورية ليس سوى مشروع قنديل الذي يديره حزب العمال الكردستاني، المصنف في قائمة الإرهاب.
قد يرى هؤلاء الكرد أنهم كسبوا كثيراً من تحالفهم مع الإدارة الأميركية، إذ إنهم بنوا إدارة ذاتية، وجيشاً شبه نظامي، وحصلوا على أسلحةٍ كثيرة، وقوة لا يستهان بها على الأرض، قد تعينهم على تحقيق مكاسب في التسوية السياسية المنتظرة للأزمة السورية، بعد أن كانوا منسيين قبل هذه الأزمة، فيما يرى آخرون أنهم قد يخسرون كل ما سبق في ظل الأجندة الإقليمية والدولية التي هي ضد تطلعاتهم القومية. ويرى هؤلاء أيضاً أن القرار الأميركي لم يترك لهم خياراً، سوى العودة إلى حضن النظام السوري، ومن دون أي مطالب قومية، وأن العملية التركية المنتظرة كفيلةٌ بجعل هذا الأمر استحقاقاً في المرحلة المقبلة. وهو ما يوجّه الأنظار مجدّدا إلى الجانب الأميركي، في الضغط على تركيا لمنع القيام بأي عمليةٍ عسكريةٍ، تقضّ مضاجعهم من جهة. ومن جهة ثانية، في بذل مزيد من الجهود، لوضعهم على خريطة التسوية السياسية. مع التأكيد على أن ملامح المرحلة الجديدة من استراتيجية ترامب غير واضحة تجاه الأزمة السورية، إلا أن المعطيات تفيد بأنه بات يتبع استراتيجيةً تقوم على وضع تركيا في مواجهة المشروع الإيراني في سورية، انطلاقاً من أنه، من دون استقطاب الحليف الاستراتيجي التركي الذي ذهب بعيداً نحو روسيا وإيران، لا يمكن الحد من النفوذين، الروسي والإيراني، في المنطقة.
ولعله في هذا السياق ينبغي النظر إلى صفقة بيع باتريوت إلى تركيا، وحل مشكلة تسليمها طائرات إف 35. وهو ما يعني جعل تركيا اللاعب الأكثر قوةً ونفوذاً في الشمال السوري، لمواجهة المشاريع الإقليمية الأخرى. ولكن، كيف سيترجم ذلك على الساحة الكردية؟ هل بعملية عسكرية تضع المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الكردية تحت نفوذ تركيا بشكل مباشر؟ الثابت أن المطلوب تركياً هو القضاء على رأس حزب العمال الكردستاني الذي يدير الإدارة الذاتية من جبال قنديل، والسؤال هنا، هل يستطع كرد سورية الانفصال فعلاً عن قنديل، بعد كل هذه السنوات من الارتباط العضوي؟ ربما بات التحدي الذي يجعل من خيارهم السياسي مقبولاً، وإلا فإن كل الخيارات الأخرى قد تجعل منهم ضحيةً على مذبح قرار ترامب والأجندة الإقليمية تجاههم، لا سيما أن الرهان على دور فرنسي محتمل يحل مكان الدور الأميركي لا يبدو خياراً مجدياً.
قد يرى هؤلاء الكرد أنهم كسبوا كثيراً من تحالفهم مع الإدارة الأميركية، إذ إنهم بنوا إدارة ذاتية، وجيشاً شبه نظامي، وحصلوا على أسلحةٍ كثيرة، وقوة لا يستهان بها على الأرض، قد تعينهم على تحقيق مكاسب في التسوية السياسية المنتظرة للأزمة السورية، بعد أن كانوا منسيين قبل هذه الأزمة، فيما يرى آخرون أنهم قد يخسرون كل ما سبق في ظل الأجندة الإقليمية والدولية التي هي ضد تطلعاتهم القومية. ويرى هؤلاء أيضاً أن القرار الأميركي لم يترك لهم خياراً، سوى العودة إلى حضن النظام السوري، ومن دون أي مطالب قومية، وأن العملية التركية المنتظرة كفيلةٌ بجعل هذا الأمر استحقاقاً في المرحلة المقبلة. وهو ما يوجّه الأنظار مجدّدا إلى الجانب الأميركي، في الضغط على تركيا لمنع القيام بأي عمليةٍ عسكريةٍ، تقضّ مضاجعهم من جهة. ومن جهة ثانية، في بذل مزيد من الجهود، لوضعهم على خريطة التسوية السياسية. مع التأكيد على أن ملامح المرحلة الجديدة من استراتيجية ترامب غير واضحة تجاه الأزمة السورية، إلا أن المعطيات تفيد بأنه بات يتبع استراتيجيةً تقوم على وضع تركيا في مواجهة المشروع الإيراني في سورية، انطلاقاً من أنه، من دون استقطاب الحليف الاستراتيجي التركي الذي ذهب بعيداً نحو روسيا وإيران، لا يمكن الحد من النفوذين، الروسي والإيراني، في المنطقة.
ولعله في هذا السياق ينبغي النظر إلى صفقة بيع باتريوت إلى تركيا، وحل مشكلة تسليمها طائرات إف 35. وهو ما يعني جعل تركيا اللاعب الأكثر قوةً ونفوذاً في الشمال السوري، لمواجهة المشاريع الإقليمية الأخرى. ولكن، كيف سيترجم ذلك على الساحة الكردية؟ هل بعملية عسكرية تضع المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الكردية تحت نفوذ تركيا بشكل مباشر؟ الثابت أن المطلوب تركياً هو القضاء على رأس حزب العمال الكردستاني الذي يدير الإدارة الذاتية من جبال قنديل، والسؤال هنا، هل يستطع كرد سورية الانفصال فعلاً عن قنديل، بعد كل هذه السنوات من الارتباط العضوي؟ ربما بات التحدي الذي يجعل من خيارهم السياسي مقبولاً، وإلا فإن كل الخيارات الأخرى قد تجعل منهم ضحيةً على مذبح قرار ترامب والأجندة الإقليمية تجاههم، لا سيما أن الرهان على دور فرنسي محتمل يحل مكان الدور الأميركي لا يبدو خياراً مجدياً.