23 اغسطس 2024
عن عصر التفاهة
نظام التفاهة أو الميديقراطية، نظرية فلسفية سياسية جديدة، تنبأ بها باكراً فيلسوف العلوم السياسية الكندي المعاصر، ألان دونو، ففي عام 2015 نشر كتابه الأول عن الميديقراطية، ثم أعقبه بكتابه الثاني، شارحاً نظريته عن نظام التفاهة، كاشفاً الستار عن عصر التفاهة الذي نعيشه اليوم بكل تجلياته. وتزداد التفاهة تجلياً اليوم من خلال ظاهرة الانحطاط الكبير الذي وصل إليه العالم سياسياً وفنياً وأدبياً. بدءاً من الحقل السياسي وصعود شخصيات شعبوية تافهة أخلاقياً، وتصدّرها للمشهد السياسي العالمي العام، مثل دونالد ترامب أميركا وبوريس جونسون بريطانيا، وبقية شخصيات الشعبوية السياسية الحاكمة للمشهد السياسي الراهن في معظم بلدان العالم الديمقراطي.
تتلخص نظرية آلان دونو بسيطرة التافهين على العالم، مؤكداً أن التافهين حسموا المعركة، من دون اجتياح الباستيل، إشارة إلى الثورة الفرنسية، ولا حريق الرايخشتاغ (البرلمان الألماني)، إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا. وقال إن التافهين قد ربحوا الحرب، وسيطروا على عالمنا، وباتوا يحكمونه، وإن القابلية للتعليب حلّت محلّ التفكير العميق. ويعطي ألان دونو نصيحة فجّة لناس هذا العصر، من باب السخرية، موجزها بأنه لا لزوم لهذه الكتب المعقدة. لا تكن فخوراً ولا روحانياً، فهذا يظهرك متكبراً. لا تقدّم أي فكرة جيدة، فستكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة (أي بمرونة وقابليه للتشكل) وكن كذلك. عليك أن تكون قابلاً للتعليب. لقد تغير الزمن، فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة.
وحين يسأل عن أسباب هذا التحول، يعيد أدورنو ذلك إلى عاملين، في السوسيولوجيا والاقتصاد، كما في السياسة والشأن العام الدولي، كأبرز مظاهر عصر التفاهة والتافهين الذين يتسيدون المشهد العام كله شمالاً وجنوباً، في الكرة الأرضية. ولم يعد هذا مقتصراً على مثلي ترامب وجونسون، فالعالم كله مُقدم على عصر التفاهة الكبير، كما تنبئ بذلك كل التوقعات التي أمامنا، وفي القلب من ذلك بلاد العرب ما بعد الربيع العربي، والنتائج التي آلت إليها الثورة العربية الديمقراطية الكبرى. كما تجلّى استمرار تجليات هذا المشهد العام للتفاهة اليوم خليجياً أيضاً، في صورة الأزمة الخليجية وتجلياتها، السياسية والإعلامية، والفنية. وما نشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي عن حجم السقوط والانحطاط والتفاهة التي تتسيد هذه اللحظة، من شخوص وأفكار وتوجهات وسياسات.
ما تشهده البشرية اليوم من سقوط على كل المستويات، وتراجع في قيم ومكتسبات فلسفية
كثيرة، وقد أصبحت تطبيقاتها القانونية والأخلاقية والسياسية، اليوم في محل اختبار حقيقي أمام موجات التافهين الذين أصبحوا مسيطرين على قمرة القيادة، ودفة السفينة البشرية المعاصرة.
غدت تجليات مثل هذه النظرية واقعاً، لا على مستوى النخبة السياسية الحاكمة فحسب، بل أصابت حتى المجال العام فنياً وأدبياً وثقافياً وذوقياً، فغابت كل الأفكار الجميلة، والإبداعات الإنسانية فكراً وفلسفة وقانوناً وأخلاقاً وفناً، واكتظ المشهد العام بهبوطٍ مريب للقيم الإنسانية النبيلة والخلّاقة، لتحلّ محلّها كل رداءة وسقوط في كل شيء.
هذا ما يتجلى اليوم في كل شيء أمامنا، وفي كل تفاصيل المشهد من حولنا. فقط ما عليكم سوى أن تجيلوا النظر من حولكم، وتلمحوا التفاهات التي تحاصرنا، وفي كل شيء نلمحه ويجول من حولنا، فأصبح الإنسان سلعة رخيصة الثمن، في زمن التفاهة والانحطاط، وتكاد تتلاشى القيم النبيلة في عالمنا اليوم.
وفي القلب من عاصفة التفاهة الراهنة يقع العرب، ويقدّمون أنفسهم وذواتهم وحاضرهم ومستقبلهم بأحط أنواع التفاهات والانحطاط، من ضياع وانهيار دولهم الوطنية، حتى موت قيمهم العروبية والإنسانية تجاه بعضهم بعضاً، وتجاه ذواتهم ومصالحهم، ففي عصر التفاهة لم يعد أحد يفرّق بين مصلحته ونقيضها. الكل يعمل ضداً حتى لمصالحه الخاصّة، في ظل شيوع حالة السطحية والتفاهة الحاكمة للأفكار والأذواق والأنساق والأنماط المعاصرة للتفكير والقرار.
انظروا من حولكم ماذا ترون في عالمكم العربي الكبير، المقسم والمجزوء، والغارق في حروب داحس والغبراء. العربي وحده اليوم مادّة وحيدة لأخبار الحروب والكوارث والمجاعات والصراعات. وحده اليوم مادّة للتندر والسخرية، فما بالكم والعربي نفسه هدف لكل هذه التفاهة الحاكمة من حولنا من واشنطن، مروراً بلندن، وصولاً إلى عواصم عربية محكومة بعصر الميديقراطية المزدهرة.
تتلخص نظرية آلان دونو بسيطرة التافهين على العالم، مؤكداً أن التافهين حسموا المعركة، من دون اجتياح الباستيل، إشارة إلى الثورة الفرنسية، ولا حريق الرايخشتاغ (البرلمان الألماني)، إشارة إلى صعود هتلر في ألمانيا. وقال إن التافهين قد ربحوا الحرب، وسيطروا على عالمنا، وباتوا يحكمونه، وإن القابلية للتعليب حلّت محلّ التفكير العميق. ويعطي ألان دونو نصيحة فجّة لناس هذا العصر، من باب السخرية، موجزها بأنه لا لزوم لهذه الكتب المعقدة. لا تكن فخوراً ولا روحانياً، فهذا يظهرك متكبراً. لا تقدّم أي فكرة جيدة، فستكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة (أي بمرونة وقابليه للتشكل) وكن كذلك. عليك أن تكون قابلاً للتعليب. لقد تغير الزمن، فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة.
وحين يسأل عن أسباب هذا التحول، يعيد أدورنو ذلك إلى عاملين، في السوسيولوجيا والاقتصاد، كما في السياسة والشأن العام الدولي، كأبرز مظاهر عصر التفاهة والتافهين الذين يتسيدون المشهد العام كله شمالاً وجنوباً، في الكرة الأرضية. ولم يعد هذا مقتصراً على مثلي ترامب وجونسون، فالعالم كله مُقدم على عصر التفاهة الكبير، كما تنبئ بذلك كل التوقعات التي أمامنا، وفي القلب من ذلك بلاد العرب ما بعد الربيع العربي، والنتائج التي آلت إليها الثورة العربية الديمقراطية الكبرى. كما تجلّى استمرار تجليات هذا المشهد العام للتفاهة اليوم خليجياً أيضاً، في صورة الأزمة الخليجية وتجلياتها، السياسية والإعلامية، والفنية. وما نشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي عن حجم السقوط والانحطاط والتفاهة التي تتسيد هذه اللحظة، من شخوص وأفكار وتوجهات وسياسات.
ما تشهده البشرية اليوم من سقوط على كل المستويات، وتراجع في قيم ومكتسبات فلسفية
غدت تجليات مثل هذه النظرية واقعاً، لا على مستوى النخبة السياسية الحاكمة فحسب، بل أصابت حتى المجال العام فنياً وأدبياً وثقافياً وذوقياً، فغابت كل الأفكار الجميلة، والإبداعات الإنسانية فكراً وفلسفة وقانوناً وأخلاقاً وفناً، واكتظ المشهد العام بهبوطٍ مريب للقيم الإنسانية النبيلة والخلّاقة، لتحلّ محلّها كل رداءة وسقوط في كل شيء.
هذا ما يتجلى اليوم في كل شيء أمامنا، وفي كل تفاصيل المشهد من حولنا. فقط ما عليكم سوى أن تجيلوا النظر من حولكم، وتلمحوا التفاهات التي تحاصرنا، وفي كل شيء نلمحه ويجول من حولنا، فأصبح الإنسان سلعة رخيصة الثمن، في زمن التفاهة والانحطاط، وتكاد تتلاشى القيم النبيلة في عالمنا اليوم.
وفي القلب من عاصفة التفاهة الراهنة يقع العرب، ويقدّمون أنفسهم وذواتهم وحاضرهم ومستقبلهم بأحط أنواع التفاهات والانحطاط، من ضياع وانهيار دولهم الوطنية، حتى موت قيمهم العروبية والإنسانية تجاه بعضهم بعضاً، وتجاه ذواتهم ومصالحهم، ففي عصر التفاهة لم يعد أحد يفرّق بين مصلحته ونقيضها. الكل يعمل ضداً حتى لمصالحه الخاصّة، في ظل شيوع حالة السطحية والتفاهة الحاكمة للأفكار والأذواق والأنساق والأنماط المعاصرة للتفكير والقرار.
انظروا من حولكم ماذا ترون في عالمكم العربي الكبير، المقسم والمجزوء، والغارق في حروب داحس والغبراء. العربي وحده اليوم مادّة وحيدة لأخبار الحروب والكوارث والمجاعات والصراعات. وحده اليوم مادّة للتندر والسخرية، فما بالكم والعربي نفسه هدف لكل هذه التفاهة الحاكمة من حولنا من واشنطن، مروراً بلندن، وصولاً إلى عواصم عربية محكومة بعصر الميديقراطية المزدهرة.