21 سبتمبر 2023
عن معارك نِهْم في اليمن
فجأة اندلعت معارك شرسة بين الحوثيين وقوات الشرعية اليمنية في جبال مديرية نهم (شمال شرقي صنعاء)، بعد توقف دام عامين، ولا تزال وتيرتها عالية، وتحصد عشرات القادة والجنود من طرفيها، وقد نشهد، فجأة، توقفها، ولربما تتسع دائرة المواجهات باتجاه العاصمة صنعاء، أو باتجاه مدينة مأرب، سواء انطلاقاً من هذه الجبهة، أو من جبهة صرواح التابعة لمأرب، والواقعة إلى الشرق من العاصمة، والتي توقف فيها القتال فترة طويلة، عدا مواجهاتٍ عادة ما تحصد أبرز الرجال من الطرفين.
ليس مصادفة اندلاع هذه المعارك بالتزامن مع استهداف معسكر تدريبي في مأرب، بواسطة صاروخ باليستي، تثار الشكوك بشأن مصدره؛ أهو مِن الحوثيين، أم من طرفٍ في التحالف؟ وليس مصادفة، كذلك، أن يكون المستهدفون داخل هذا المعسكر المليء بالقوات تجمعاً يضم قوات تابعة لألوية الحماية الرئاسية، أنهت برنامجها التدريبي، وتستعد للعودة إلى عدن، تطبيقاً لاتفاق الرياض الذي جمع بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، المنادي بانفصال الجنوب، والمدعوم إماراتيا.
المناوشات التي يقوم بها طرفا المواجهة، من حين إلى آخر، في كل من تعز والضالع والساحل الغربي، وجبهات أخرى في صعدة وحجّة والجوف، لا تزال، منذ أسابيع، على وضعها المتردّد بين الإثارة والسكون، وقد تقلّ أو تزداد وتيرتها هنا أو هناك، لكنها لن تبلغ من القوة ما بلغته، هذه المرّة، جبهة نهم، وهي جميعاً، عدا الجوف، بعيدة عن كل من مأرب وصنعاء.
في الجانب السياسي الذي يبدو مواكباً الأحداث العسكرية، لا يزال اتفاق الرياض يراوح مكانه، مترقباً نتائج تصاعد العنف في محيطي صنعاء ومأرب، ولكل منهما ارتباط وثيق بالآخر. وإلى ذلك تحرّكات مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي وصل إلى صنعاء الخميس الماضي، مطلقاً تصريحاتٍ مثيرة للجدل، بشأن رؤية جديدة لإحلال السلام، مضمونها العام "السلام من دون شروط مسبقة"، بمعنى أن المرجعيات الثلاث التي تتمسّك بها الحكومة الشرعية، المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ونتائج الحوار الوطني لعام 2013، وقرارات مجلس الأمن، سيما 2216؛ لن تكون أساساً لأي مفاوضات يمنية قادمة.
ملامح الارتباط بين استهداف قوات من الحماية الرئاسية داخل معسكر تدريبي في مأرب
والاندلاع المفاجئ للمواجهات المسلحة في نهم، والتباطؤ في تنفيذ اتفاق الرياض، تلخصها رؤية غريفيث "للسلام من دون شروط مسبقة". وتؤكدها تصريحاته عن حاجة مستقبل اليمن إلى وجوه جديدة، وفي ذلك إشارة إلى دخول المجلس الانتقالي الجنوبي طرفا في مفاوضات السلام التي يمهَّد لها. وهنا لن يجد اتفاق الرياض طريقه كاملاً إلى التنفيذ، عدا ما يخدم المجلس الانتقالي وقطبي التحالف اللذين تقاسما النفوذ في محافظات الجنوب، ووضعا الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي تحت سيطرتهما المباشرة، وفقاً لهذا الاتفاق.
أما السعودية والحوثيون، فلا تزال مبادرة "التحية والردّ بمثلها، أو بأحسن منها"، قائمة؛ فقد تراجعت غارات طائرات التحالف 80%، ولم تتعرّض المدن والمصالح السعودية لأي استهداف صاروخي باليستي، أو بالطائرات المسيرة من دون طيار، من الحوثيين. وخلافاً لما كما كان متوقعاً، لم يُحدِث مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، أي استجابةٍ خشنة منهم تجاه السعودية، بوصفهم أحد أذرع إيران الإقليميين، وهذا كله يضع الأحداث المسلحة التي شهدتها وتشهدها الجبهات في مأرب وصنعاء في سياقات جديدة تتفق مع رؤية المبعوث الأممي.
أحد هذه السياقات أن معارك نهم لن تتجاوز الحد المسموح به، المتمثل في تقريب كل الأطراف من اتفاق سلام جديد، يضع صنعاء في موضع مشابه لمدينة (ميناء) الحديدة التي أُوقِف القتال على أبوابها، بموجب اتفاق استوكهولم، أواخر 2018. وتتطلب هذه المسألة ثمناً باهظاً من الدماء، والتهويل بعواقب الإصرار على القتال، وأن ذلك لن يمكّن الحكومة الشرعية من الاقتراب من صنعاء، أو يمكّن الحوثيين من الاقتراب من مرب، ومن ثم اقتناع كلٍّ منهما بالدخول في المفاوضات من دون شروط مسبقة.
تم هذا السياق أم لم يتم عاجلاً، فهو تعطيل ضمني وجزئي لاتفاق الرياض، في ما يخص الحكومة الشرعية. وفي حال وقوعه إنما يعني انتصار الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ لأن كلا منهما لا يؤمن بالمرجعيات الثلاث، وستكون مناطق سيطرة الحوثيين محصّنة عسكرياً، وباتفاقياتٍ سلام تحظى بتأييد دولي، أما المجلس الانتقالي، ففي الحالتين، إنما يناور للاستفراد بالجنوب، مهما كان موقف التحالف منه.
وهكذا تكون الحكومة الشرعية في مأزق؛ لأنها تُساق إلى حتفها، ما لم تتدارك ذلك عسكرياً وسياسياً، بالسعي نحو تحقيق موطئ قدم آمن وراسخ لقياداتها في الجنوب، فضلاً عن الشمال، والحؤول دون الوقوع في فخّ مفاوضات جديدة، ما لم تكن مبنيةً، كشرط أساس، على المرجعيات الثلاث، وإعادة النظر في الشراكة مع التحالف الذي إن لم تكن أطماعه أولوياته، فإن سياساته فاشلة.
المناوشات التي يقوم بها طرفا المواجهة، من حين إلى آخر، في كل من تعز والضالع والساحل الغربي، وجبهات أخرى في صعدة وحجّة والجوف، لا تزال، منذ أسابيع، على وضعها المتردّد بين الإثارة والسكون، وقد تقلّ أو تزداد وتيرتها هنا أو هناك، لكنها لن تبلغ من القوة ما بلغته، هذه المرّة، جبهة نهم، وهي جميعاً، عدا الجوف، بعيدة عن كل من مأرب وصنعاء.
في الجانب السياسي الذي يبدو مواكباً الأحداث العسكرية، لا يزال اتفاق الرياض يراوح مكانه، مترقباً نتائج تصاعد العنف في محيطي صنعاء ومأرب، ولكل منهما ارتباط وثيق بالآخر. وإلى ذلك تحرّكات مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، الذي وصل إلى صنعاء الخميس الماضي، مطلقاً تصريحاتٍ مثيرة للجدل، بشأن رؤية جديدة لإحلال السلام، مضمونها العام "السلام من دون شروط مسبقة"، بمعنى أن المرجعيات الثلاث التي تتمسّك بها الحكومة الشرعية، المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لعام 2011، ونتائج الحوار الوطني لعام 2013، وقرارات مجلس الأمن، سيما 2216؛ لن تكون أساساً لأي مفاوضات يمنية قادمة.
ملامح الارتباط بين استهداف قوات من الحماية الرئاسية داخل معسكر تدريبي في مأرب
أما السعودية والحوثيون، فلا تزال مبادرة "التحية والردّ بمثلها، أو بأحسن منها"، قائمة؛ فقد تراجعت غارات طائرات التحالف 80%، ولم تتعرّض المدن والمصالح السعودية لأي استهداف صاروخي باليستي، أو بالطائرات المسيرة من دون طيار، من الحوثيين. وخلافاً لما كما كان متوقعاً، لم يُحدِث مقتل قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، أي استجابةٍ خشنة منهم تجاه السعودية، بوصفهم أحد أذرع إيران الإقليميين، وهذا كله يضع الأحداث المسلحة التي شهدتها وتشهدها الجبهات في مأرب وصنعاء في سياقات جديدة تتفق مع رؤية المبعوث الأممي.
أحد هذه السياقات أن معارك نهم لن تتجاوز الحد المسموح به، المتمثل في تقريب كل الأطراف من اتفاق سلام جديد، يضع صنعاء في موضع مشابه لمدينة (ميناء) الحديدة التي أُوقِف القتال على أبوابها، بموجب اتفاق استوكهولم، أواخر 2018. وتتطلب هذه المسألة ثمناً باهظاً من الدماء، والتهويل بعواقب الإصرار على القتال، وأن ذلك لن يمكّن الحكومة الشرعية من الاقتراب من صنعاء، أو يمكّن الحوثيين من الاقتراب من مرب، ومن ثم اقتناع كلٍّ منهما بالدخول في المفاوضات من دون شروط مسبقة.
تم هذا السياق أم لم يتم عاجلاً، فهو تعطيل ضمني وجزئي لاتفاق الرياض، في ما يخص الحكومة الشرعية. وفي حال وقوعه إنما يعني انتصار الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي؛ لأن كلا منهما لا يؤمن بالمرجعيات الثلاث، وستكون مناطق سيطرة الحوثيين محصّنة عسكرياً، وباتفاقياتٍ سلام تحظى بتأييد دولي، أما المجلس الانتقالي، ففي الحالتين، إنما يناور للاستفراد بالجنوب، مهما كان موقف التحالف منه.
وهكذا تكون الحكومة الشرعية في مأزق؛ لأنها تُساق إلى حتفها، ما لم تتدارك ذلك عسكرياً وسياسياً، بالسعي نحو تحقيق موطئ قدم آمن وراسخ لقياداتها في الجنوب، فضلاً عن الشمال، والحؤول دون الوقوع في فخّ مفاوضات جديدة، ما لم تكن مبنيةً، كشرط أساس، على المرجعيات الثلاث، وإعادة النظر في الشراكة مع التحالف الذي إن لم تكن أطماعه أولوياته، فإن سياساته فاشلة.