09 نوفمبر 2024
عن موجة الإسلاموفوبيا في فرنسا
مما نراه مسلّما به، في تحليل الأحداث السياسية في فرنسا، ارتباطها الشديد بالمسائل ذات المنحى الحضاري، أو لنقُلها صراحة، ذات منحى عنصري/ يميني مقيت، حيث تشهد فرنسا، منذ أشهر، تصاعد موجة الإسلاموفوبيا والعداء للمهاجرين، لم تعرف مثلها من قبل، وهو ما يُنذر بأن الأزمة الاقتصادية بلغت مداها، من ناحية، وأنّ البحث عن تنفيسٍ للإحباط النّاتج، سواء من أزمة الاتحاد الأوروبي، أو أزمات فرنسا في الساحل، سورية وغيرها، من ناحية أخرى، قد وصل إلى درجةٍ لا يمكن معها إلا إثارة مثل هذه القضايا الشّائكة التي من تداعياتها الكبرى الإضرار بصورة فرنسا في العالم، وبالتالي مصالحها.
تتبادر إلى الذّهن، بشأن هذه المسألة، إشكالات عديدة يساهم طرحها في فهم سبب ارتباط الأزمات الاقتصادية ومراحل الانتخابات بإثارة العنصرية المقيتة ضدّ المسلمين، ممثّلة، بصفة خاصّة، بالإعلان، في العلن، وبدون مواربة، من السياسيين والمثقّفين، بل ومن بعض الإعلاميين، عن العداء للحجاب، وكل ما يمثّل من أبعاد، إلى درجة أنّ أحدهم، وهو سياسي فرنسي، عبّر، في برنامج إذاعي، عن مكنون نفسيته، بقوله، صراحة، "أنا أكره الإسلام والمسلمين". وسياسي آخر، وفي جلسة لمجلس إقليمي في إحدى النّواحي الفرنسية، يعبّر، بملء فمه، أن الجلسة لا يمكن أن تتمّ بحضور إحدى الأمّهات المرافقات لخرجة مدرسية لطلاب الابتدائي وأمام ابنها.
من بين تلك الإشكالات المثارة، يجب التنويه، بداية، ببيئة سياسية في فرنسا، تعيد تنظيم نفسها تحضيرا للمواعيد الانتخابية المقبلة. ولكن مع التّأكيد على التّوجه اليميني لكل النّخبة السياسية، يمينها ووسطها ويسارها، على حد سواء، سيما في المسائل التي تخصّ الجالية المسلمة،
المغاربية، ومسألة الهوية التي يريدونها مسيحية - يهودية، وبثقافة وعادات غربية لا تعير للتعدّدية الهوياتية، الثقافية والدّينية الفرنسية بكل أطيافها، أية أهمية، مثيرة مسائل شائكة، قال عنها وزير الدفاع الأسبق، الاشتراكي شوفنمان، في حديث صحافي، إنّ الأمر يكاد يشير إلى نُذُر حرب أهلية، لأنها تتضافر مع الانقسام الاجتماعي العميق بين الطبقات في فرنسا، على خلفية ما جرى في إطار أزمة "السّترات الصّفراء".
تضاف إلى ذلك، من باب المؤشّرات الاجتماعية، محاولات التغطية على حزمة قراراتٍ يريد ماكرون اتّخاذها لإصلاح منظومة التّقاعد، البطالة والنظام الضريبي، لصالح الفئات الأكثر ثراء في المجتمع الفرنسي. ولا يمكن أن يتم ذلك بدون دخان كثيف، يجعل الرؤية ضبابيةً لهذه المسائل المصيرية. ولهذا تثار مسائل الحجاب، الخلط بين الإسلام والإرهاب، إضافة إلى الموضوع الحاضر دائما في الجدالات السياسية الفرنسية: إشكالية الهجرة والحد منها، بزعم أن المهاجرين هم أسباب الإرهاب والعنف الحضري والبطالة.
من المُسلّم به، في العصر الحديث، أنّ الإعلام هو مرآة المجتمع وخزّان الأفكار التي تدور بين فئاته المختلفة وهو مربط الفرس، هنا، بالنسبة لتعالي أصوات العداء والعنصرية تجاه الأجانب والإسلام، بالذّات، في فرنسا، إذ فتح الإعلام الفرنسي الباب، واسعا، أمام بعض من يُطلق عليهم مسمّى الأصوات اليمينية المتطرفة، على غرار برنارد هنري ليفي، الصهيوني المثير للجدال والفيلسوف المتباكي على المستضعفين، لكنّه المناصر، دوما، للاستكبار الصهيوني في فلسطين. من دون أن يُنسى الوجه الآخر لهذا التيار، الصهيوني إريك زمور، الذي ما فتئ يصرّح، بأعلى صوته، بأنّ الخطر كل الخطر هو الاستمرار في التعايش مع المسلمين، بل
وتخيير هؤلاء بين البقاء في جنّة الغرب، بكل التضحيات تصل إلى تغيير أسمائهم، أو الرّحيل عنها إلى نار الحروب، التطرف والتخلف، أي العالم العربي - الإسلامي، وخصوصا، في ذهنه، المغرب العربي.
وتجب الإشارة هنا إلى أن الشّاشات الفرنسية لا تتوانى عن بثّ هذا الخطاب المتطرّف والمعادي للأجانب والإسلام، كما تفتح صفحات الصحف، خصوصا منها اليمينية المعروفة، لمقالات تفوح منها تلك الفلسفة الغربية الجديدة الداعية إلى العداء/ الصدام بين الحضارات.
ولا يجب أن يُنسى، هنا، أن ثمّة أصواتا من المفترض أنها من أبناء جلدة العرب والمسلمين، تساعد هذا التيار بتبرير فكره وفلسفته، وهم من أطلق عليهم الباحث الفرنسي، باسكال بونيفاس، في كتاب له أثار جدلا كبيرا، وقوطع وتم التشهير به، "المثقفون المدلسون"، ومن هؤلاء محمد سيفاوي، رجل المخابرات الجزائري واللاجئ في فرنسا، وكمال داود، الكاتب الجزائري المثير للجدل بكتاباته التي ردّ عليها حتى بعض المثقفين الفرنسيين، والمغربي طاهر بن جلون والجزائري بوعلام صنصال، وكلاهما روائي يبرز في كتاباتهما العداء الشديد للدائرة الحضارية العربية الإسلامية، وأبعادها الثقافية، الهوياتية وما تعرف بـ"العادات والتقاليد البالية"، وفق ما يكتبون ويتحدّثون.
تتّهم تلك الأصوات، وتلك الكتابات، التّنشئة، والعادات والتقاليد، وكذا الهوية الحاضرة في سلوكيات العرب والمسلمين وعقلياتهم هي المسؤولة عن أمراض المجتمع الفرنسي الاجتماعية والأمنية، كما أنّ الأصوات التي كانت تتحدّث بمواربة وبحذر، في العقود الماضية، عن تلك المسائل، أصبحت لا تتواني، من كل الأطياف السياسية، عن رمي التّهم، جزافا، على المسلمين، متحجّجين بأنّ فرنسا، بلد حقوق الإنسان والحريات، لا يمكنها أن تتحمّل كل أزمات العالم، أو
ما أُطلق عليها كل "مآسي العالم"، لتنتج عن ذلك، كله، هذه الفلسفة الجديدة المرتكزة على نخبةٍ سياسيةٍ، ثقافية وإعلامية، تتّخذ من تلك المسائل منطلقا للحديث عن إشكالات قديمة واستدعاء التاريخ بمآسيه لتبرير الاستعمار، الاستعباد، العنصرية وتعالي حضارة الإنسان الأبيض، وصولا إلى نظرية متطرّفة، تحمل مسمّى خطر الغزو الديمغرافي المسلم أو الإسلامي.
يربط بعضهم بين صعود ماكرون، رجل المال والبنوك، إلى سُدّة الرئاسة في فرنسا، وتعالي هذه الأيديولوجيا اليمينية في منحنى العداء والكراهية. ولكن الملاحظ للتطورات الاجتماعية لفرنسا، منذ حوالي ثلاثة عقود، أن الأمر لا يعدو ترجمة لسلوكيات فرنسا التاريخية التي قادتها إلى الحروب الاستعمارية، الجرائم الاستيطانية وبناء منظومة عداء لساكنة جنوب الكرة الأرضية، بفعل التوسع الاقتصادي الرأسمالي، حينا، وبفعل عوامل أخرى، تختزنها الهوية والعقل السياسي/ الحضاري الفرنسي، أحيانا أخرى. ولا يمكن أن ينتج عنها إلاّ ما نراه من ممارساتٍ، لا تمتّ إلى الحضارة والإنسانية بأيّ صلة.
يستدعي هذا التفكير من ساكنة هذا الجزء الجنوبي، بالنسبة لنا الواقعين في المتوسط، قبالة أوروبا المتحضرة، والضحية لهذه الممارسات العدائية من دولة كبيرة مثل فرنسا، إعادة التفكير في منظومة العلاقات المبنية على التبعية الموروثة من عهود الاستعمار وبناء منظومة بديلة للقوة والاستقلال، تنطلق من الانعتاق من ربقة الاستبداد والارتكاز على المعطيات/ المؤهلات لمقابلة هذا المد العاصف من الكراهية والعداء، ومن دون ذلك الاستمرار في التّباكي والحديث عن مناقضة حضارة الشعار الكاذب "مساواة، حرية، وأخوة" للمسارات الحالية، مع العلم أن ما دعا بابا الكنيسة الكاثوليكية، بينيدكت، إلى استدعاء قضية الحروب الصليبية، في محاولة لقراءة الأحداث الحالية، هو نفسه ما يدفع النخبة الفرنسية إلى الارتكاز على العداء والعنصرية، للخروج من الأزمات الاقتصادية ومعالجة مشكلات الانسجام الاجتماعي والانقسام الطبقي الفرنسي المنذر، كما قال شوفينمان، بالحرب الأهلية، حقيقة لا مجازاً.
من بين تلك الإشكالات المثارة، يجب التنويه، بداية، ببيئة سياسية في فرنسا، تعيد تنظيم نفسها تحضيرا للمواعيد الانتخابية المقبلة. ولكن مع التّأكيد على التّوجه اليميني لكل النّخبة السياسية، يمينها ووسطها ويسارها، على حد سواء، سيما في المسائل التي تخصّ الجالية المسلمة،
تضاف إلى ذلك، من باب المؤشّرات الاجتماعية، محاولات التغطية على حزمة قراراتٍ يريد ماكرون اتّخاذها لإصلاح منظومة التّقاعد، البطالة والنظام الضريبي، لصالح الفئات الأكثر ثراء في المجتمع الفرنسي. ولا يمكن أن يتم ذلك بدون دخان كثيف، يجعل الرؤية ضبابيةً لهذه المسائل المصيرية. ولهذا تثار مسائل الحجاب، الخلط بين الإسلام والإرهاب، إضافة إلى الموضوع الحاضر دائما في الجدالات السياسية الفرنسية: إشكالية الهجرة والحد منها، بزعم أن المهاجرين هم أسباب الإرهاب والعنف الحضري والبطالة.
من المُسلّم به، في العصر الحديث، أنّ الإعلام هو مرآة المجتمع وخزّان الأفكار التي تدور بين فئاته المختلفة وهو مربط الفرس، هنا، بالنسبة لتعالي أصوات العداء والعنصرية تجاه الأجانب والإسلام، بالذّات، في فرنسا، إذ فتح الإعلام الفرنسي الباب، واسعا، أمام بعض من يُطلق عليهم مسمّى الأصوات اليمينية المتطرفة، على غرار برنارد هنري ليفي، الصهيوني المثير للجدال والفيلسوف المتباكي على المستضعفين، لكنّه المناصر، دوما، للاستكبار الصهيوني في فلسطين. من دون أن يُنسى الوجه الآخر لهذا التيار، الصهيوني إريك زمور، الذي ما فتئ يصرّح، بأعلى صوته، بأنّ الخطر كل الخطر هو الاستمرار في التعايش مع المسلمين، بل
وتجب الإشارة هنا إلى أن الشّاشات الفرنسية لا تتوانى عن بثّ هذا الخطاب المتطرّف والمعادي للأجانب والإسلام، كما تفتح صفحات الصحف، خصوصا منها اليمينية المعروفة، لمقالات تفوح منها تلك الفلسفة الغربية الجديدة الداعية إلى العداء/ الصدام بين الحضارات.
ولا يجب أن يُنسى، هنا، أن ثمّة أصواتا من المفترض أنها من أبناء جلدة العرب والمسلمين، تساعد هذا التيار بتبرير فكره وفلسفته، وهم من أطلق عليهم الباحث الفرنسي، باسكال بونيفاس، في كتاب له أثار جدلا كبيرا، وقوطع وتم التشهير به، "المثقفون المدلسون"، ومن هؤلاء محمد سيفاوي، رجل المخابرات الجزائري واللاجئ في فرنسا، وكمال داود، الكاتب الجزائري المثير للجدل بكتاباته التي ردّ عليها حتى بعض المثقفين الفرنسيين، والمغربي طاهر بن جلون والجزائري بوعلام صنصال، وكلاهما روائي يبرز في كتاباتهما العداء الشديد للدائرة الحضارية العربية الإسلامية، وأبعادها الثقافية، الهوياتية وما تعرف بـ"العادات والتقاليد البالية"، وفق ما يكتبون ويتحدّثون.
تتّهم تلك الأصوات، وتلك الكتابات، التّنشئة، والعادات والتقاليد، وكذا الهوية الحاضرة في سلوكيات العرب والمسلمين وعقلياتهم هي المسؤولة عن أمراض المجتمع الفرنسي الاجتماعية والأمنية، كما أنّ الأصوات التي كانت تتحدّث بمواربة وبحذر، في العقود الماضية، عن تلك المسائل، أصبحت لا تتواني، من كل الأطياف السياسية، عن رمي التّهم، جزافا، على المسلمين، متحجّجين بأنّ فرنسا، بلد حقوق الإنسان والحريات، لا يمكنها أن تتحمّل كل أزمات العالم، أو
يربط بعضهم بين صعود ماكرون، رجل المال والبنوك، إلى سُدّة الرئاسة في فرنسا، وتعالي هذه الأيديولوجيا اليمينية في منحنى العداء والكراهية. ولكن الملاحظ للتطورات الاجتماعية لفرنسا، منذ حوالي ثلاثة عقود، أن الأمر لا يعدو ترجمة لسلوكيات فرنسا التاريخية التي قادتها إلى الحروب الاستعمارية، الجرائم الاستيطانية وبناء منظومة عداء لساكنة جنوب الكرة الأرضية، بفعل التوسع الاقتصادي الرأسمالي، حينا، وبفعل عوامل أخرى، تختزنها الهوية والعقل السياسي/ الحضاري الفرنسي، أحيانا أخرى. ولا يمكن أن ينتج عنها إلاّ ما نراه من ممارساتٍ، لا تمتّ إلى الحضارة والإنسانية بأيّ صلة.
يستدعي هذا التفكير من ساكنة هذا الجزء الجنوبي، بالنسبة لنا الواقعين في المتوسط، قبالة أوروبا المتحضرة، والضحية لهذه الممارسات العدائية من دولة كبيرة مثل فرنسا، إعادة التفكير في منظومة العلاقات المبنية على التبعية الموروثة من عهود الاستعمار وبناء منظومة بديلة للقوة والاستقلال، تنطلق من الانعتاق من ربقة الاستبداد والارتكاز على المعطيات/ المؤهلات لمقابلة هذا المد العاصف من الكراهية والعداء، ومن دون ذلك الاستمرار في التّباكي والحديث عن مناقضة حضارة الشعار الكاذب "مساواة، حرية، وأخوة" للمسارات الحالية، مع العلم أن ما دعا بابا الكنيسة الكاثوليكية، بينيدكت، إلى استدعاء قضية الحروب الصليبية، في محاولة لقراءة الأحداث الحالية، هو نفسه ما يدفع النخبة الفرنسية إلى الارتكاز على العداء والعنصرية، للخروج من الأزمات الاقتصادية ومعالجة مشكلات الانسجام الاجتماعي والانقسام الطبقي الفرنسي المنذر، كما قال شوفينمان، بالحرب الأهلية، حقيقة لا مجازاً.