خلال الأزمة التي عاشتها الجزائر في بداية تسعينيات القرن الماضي، شهدت القرى والبلدات الجبلية نزوحاً لافتاً إذ إنّ سكّانها اضطروا إلى الهروب نحو ضواحي المدن وقد تخلوا عن أراضيهم وأنشطتهم الزراعية خوفاً على حياتهم. لكنّه، منذ عام 2005، بعد إقرار قانون المصالحة الوطنية واستسلام آلاف المسلحين واستقرار الوضع الأمني وسيطرة الجيش على كل المناطق الجبلية، راح السكان يعودون إلى قراهم وبلداتهم وأراضيهم لممارسة الأنشطة الزراعية، بينما فضّل بعض منهم البقاء في المدن.
منذ عام 1993، انقطع سكان منطقة سيدي محمد بن عائشة، الواقعة بالقرب من بلدة الجبابرة الجبلية بولاية عين الدفلى، إلى غرب العاصمة الجزائرية، عن زيارة أرضهم التي كانوا قد غادروها إلى منطقة سهل متيجة في سبعينيات القرن الماضي طلباً للعمل والدراسة. حينها، كانت الظروف الأمنية المتأزمة بعد الانقلاب العسكري في عام 1992، قد منعت السكان من العمل في أراضيهم في تلك المنطقة الجبلية حيث انتشرت مجموعات مسلحة كثيرة.
اقــرأ أيضاً
خليفة محمد يهتم اليوم بكرم يملكه والده في الجبابرة. يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نذهب إلى حقولنا في تلك المنطقة بصورة يومية أو شبه يومية لمزاولة نشاطنا الزراعي. والسكان كانوا قد اهتموا بحقول القمح وكروم العنب وحظائر دجاج وحفروا آبار المياه. وكانت تُجمع في مواسمها محاصيل الزيتون والخروب والتوت البري والزعتر وغيرها، لتُباع في الأسواق الشعبية". يضيف محمد أنّه "بعد بداية الأعمال الإرهابية، انقطعنا عن المنطقة، ما عدا زيارات بين الحين والآخر. فالوضع كان خطراً وغير مناسب، إذ إنّه لا يمكن التنبؤ بما قد يصادفك".
من جهته، يملك عبد القادر لياني الذي تقاعد من الجيش، حقل زيتون في المنطقة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في تلك الفترة العصيبة، لم يكن ممكناً الذهاب إلى أراضينا هناك. فإذا صادفتك مجموعة مسلحة قد يكون مصيرك القتل أو الابتزاز، لأنّ الإرهابيين كانوا يشكّون في بعض المزارعين. بالنسبة إليهم، قد يكونون مخبرين مدفوعين من قبل الجيش وقوى الأمن للتجسس على المجموعات الإرهابية وكشف أماكنها. أمّا في حال صدف أن وجدت في نطاق عملية تمشيط عسكرية، فإنّه من الصعب إقناع الجيش بأنّك هناك للزراعة. بالتالي، فأنت محلّ شك". يُذكر أنّه إلى جانب المزارعين الذين فقدوا مورد رزقهم من الزراعة والرعي، اضطر كل المقيمين في المنطقة إلى مغادرتها بصورة نهائية وانتقلوا للسكن في المدن، بينما اضطر بعضهم إلى تشييد مساكن عشوائية، وكلّ ذلك طلباً للأمن وبحثاً عن بدائل للعيش.
بعد عام 2005، عادت الحياة لتدبّ في مناطق الريف الجزائري والمناطق الجبلية، فعادت مظاهر الحياة والنشاط الزراعي والرعي إليها. وبفعل تحسّن الأوضاع الأمنية، ازدهرت الزراعة في منطقة سيدي محمد بن عائشة، وراح المزارعون يلتحقون بأراضيهم لممارسة مختلف الأنشطة. كذلك، عمد عدد منهم إلى استصلاح الأراضي الحرجية تمهيداً لزراعتها بأشجار مثمرة. ساهم ذلك في توفير عدد مهمّ من فرص العمل للشبان المهتمين بالزراعة والرعي، بينما نظّف السكان والمزارعون الآبار والمنابع التي كانت قد أُهملت في وقت سابق، إلى جانب الاهتمام بأشجار الزيتون والتين واللوز المنتشرة في المنطقة.
وخلال السنوات الأخيرة، عملت الحكومة الجزائرية على إعادة توطين السكان في قراهم الأصلية، وتشجيع عودتهم إلى الأنشطة الزراعية، كمؤشّر إلى نجاح سياسات استتباب الأمن. ووضعت وزارة الزراعة خطة لمنح السكان امتيازات الحصول على قروض مالية من دون فوائد لزراعة الأراضي الجبلية، ولمنحهم حق استصلاح الغابات وزراعة الأشجار المثمرة. وفي تصريح صحافي سابق، قال وزير الزراعة الجزائري عبد القادر بوعزقي إنّ الحكومة تنفذ خطة للتنمية الريفية بهدف المساهمة بعودة السكان إلى أراضيهم الزراعية التي هجروها من قبل واستعادة حيوية تلك المناطق النائية. وأشار إلى توفير الأمن وشق الطرقات وتعبيدها وإنشاء المدارس وتوفير النقل المدرسي لأبناء تلك القرى، كحقّ دستوري ومواطني لتثبيتهم في مناطق عيشهم، بالإضافة إلى توصيل الكهرباء والغاز إلى بعض القرى الريفية التي كانت محرومة من هذه الضروريات.
اقــرأ أيضاً
على الرغم من الإغراءات التي قدّمتها الحكومة إلى السكان، فإنّ عدداً من سكان القرى الجبلية قرّر تأجيل العودة أو الاستقرار النهائي في المدينة، وذلك بعدما تعوّد الأبناء على حياة المدينة حيث تتوفر المرافق والخدمات. ففي دائرة أحمر العين بولاية تيبازة (غرب العاصمة) التي لا تبعد كثيراً عن قرية الجبابرة، شيّدت الحكومة مساكن ريفية ومدرسة في قرية الحساسنة الجبلية التي هجرها سكانها بصورة كاملة في خلال سنوات الأزمة الأمنية، وحاولت إقناع الأهالي بالعودة إلى قريتهم لكنّهم رفضوا ذلك. وهؤلاء بمعظمهم مزارعون اشتروا مساكن وأراضي للبناء في المدينة وضواحيها، وما زالت تلك المساكن والمدرسة التي أنشأتها السلطات مهجورة حتى الآن.
منذ عام 1993، انقطع سكان منطقة سيدي محمد بن عائشة، الواقعة بالقرب من بلدة الجبابرة الجبلية بولاية عين الدفلى، إلى غرب العاصمة الجزائرية، عن زيارة أرضهم التي كانوا قد غادروها إلى منطقة سهل متيجة في سبعينيات القرن الماضي طلباً للعمل والدراسة. حينها، كانت الظروف الأمنية المتأزمة بعد الانقلاب العسكري في عام 1992، قد منعت السكان من العمل في أراضيهم في تلك المنطقة الجبلية حيث انتشرت مجموعات مسلحة كثيرة.
خليفة محمد يهتم اليوم بكرم يملكه والده في الجبابرة. يقول لـ"العربي الجديد": "كنا نذهب إلى حقولنا في تلك المنطقة بصورة يومية أو شبه يومية لمزاولة نشاطنا الزراعي. والسكان كانوا قد اهتموا بحقول القمح وكروم العنب وحظائر دجاج وحفروا آبار المياه. وكانت تُجمع في مواسمها محاصيل الزيتون والخروب والتوت البري والزعتر وغيرها، لتُباع في الأسواق الشعبية". يضيف محمد أنّه "بعد بداية الأعمال الإرهابية، انقطعنا عن المنطقة، ما عدا زيارات بين الحين والآخر. فالوضع كان خطراً وغير مناسب، إذ إنّه لا يمكن التنبؤ بما قد يصادفك".
من جهته، يملك عبد القادر لياني الذي تقاعد من الجيش، حقل زيتون في المنطقة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه "في تلك الفترة العصيبة، لم يكن ممكناً الذهاب إلى أراضينا هناك. فإذا صادفتك مجموعة مسلحة قد يكون مصيرك القتل أو الابتزاز، لأنّ الإرهابيين كانوا يشكّون في بعض المزارعين. بالنسبة إليهم، قد يكونون مخبرين مدفوعين من قبل الجيش وقوى الأمن للتجسس على المجموعات الإرهابية وكشف أماكنها. أمّا في حال صدف أن وجدت في نطاق عملية تمشيط عسكرية، فإنّه من الصعب إقناع الجيش بأنّك هناك للزراعة. بالتالي، فأنت محلّ شك". يُذكر أنّه إلى جانب المزارعين الذين فقدوا مورد رزقهم من الزراعة والرعي، اضطر كل المقيمين في المنطقة إلى مغادرتها بصورة نهائية وانتقلوا للسكن في المدن، بينما اضطر بعضهم إلى تشييد مساكن عشوائية، وكلّ ذلك طلباً للأمن وبحثاً عن بدائل للعيش.
بعد عام 2005، عادت الحياة لتدبّ في مناطق الريف الجزائري والمناطق الجبلية، فعادت مظاهر الحياة والنشاط الزراعي والرعي إليها. وبفعل تحسّن الأوضاع الأمنية، ازدهرت الزراعة في منطقة سيدي محمد بن عائشة، وراح المزارعون يلتحقون بأراضيهم لممارسة مختلف الأنشطة. كذلك، عمد عدد منهم إلى استصلاح الأراضي الحرجية تمهيداً لزراعتها بأشجار مثمرة. ساهم ذلك في توفير عدد مهمّ من فرص العمل للشبان المهتمين بالزراعة والرعي، بينما نظّف السكان والمزارعون الآبار والمنابع التي كانت قد أُهملت في وقت سابق، إلى جانب الاهتمام بأشجار الزيتون والتين واللوز المنتشرة في المنطقة.
وخلال السنوات الأخيرة، عملت الحكومة الجزائرية على إعادة توطين السكان في قراهم الأصلية، وتشجيع عودتهم إلى الأنشطة الزراعية، كمؤشّر إلى نجاح سياسات استتباب الأمن. ووضعت وزارة الزراعة خطة لمنح السكان امتيازات الحصول على قروض مالية من دون فوائد لزراعة الأراضي الجبلية، ولمنحهم حق استصلاح الغابات وزراعة الأشجار المثمرة. وفي تصريح صحافي سابق، قال وزير الزراعة الجزائري عبد القادر بوعزقي إنّ الحكومة تنفذ خطة للتنمية الريفية بهدف المساهمة بعودة السكان إلى أراضيهم الزراعية التي هجروها من قبل واستعادة حيوية تلك المناطق النائية. وأشار إلى توفير الأمن وشق الطرقات وتعبيدها وإنشاء المدارس وتوفير النقل المدرسي لأبناء تلك القرى، كحقّ دستوري ومواطني لتثبيتهم في مناطق عيشهم، بالإضافة إلى توصيل الكهرباء والغاز إلى بعض القرى الريفية التي كانت محرومة من هذه الضروريات.
على الرغم من الإغراءات التي قدّمتها الحكومة إلى السكان، فإنّ عدداً من سكان القرى الجبلية قرّر تأجيل العودة أو الاستقرار النهائي في المدينة، وذلك بعدما تعوّد الأبناء على حياة المدينة حيث تتوفر المرافق والخدمات. ففي دائرة أحمر العين بولاية تيبازة (غرب العاصمة) التي لا تبعد كثيراً عن قرية الجبابرة، شيّدت الحكومة مساكن ريفية ومدرسة في قرية الحساسنة الجبلية التي هجرها سكانها بصورة كاملة في خلال سنوات الأزمة الأمنية، وحاولت إقناع الأهالي بالعودة إلى قريتهم لكنّهم رفضوا ذلك. وهؤلاء بمعظمهم مزارعون اشتروا مساكن وأراضي للبناء في المدينة وضواحيها، وما زالت تلك المساكن والمدرسة التي أنشأتها السلطات مهجورة حتى الآن.