18 أكتوبر 2024
عون وتنفيذ خطاب القسم
جاء خطاب القسم للعماد ميشال عون، بعد انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية لجهة سياسة لبنان الخارجية وعلاقاته بمحيطيه العربي والإقليمي. أراد الخطاب تكريس سياسة النأي بالنفس، لا سيما في الموضوع السوري، رافضاً الاصطفاف مع أحد طرفي الصراع، مؤكداً أن مصير سورية يقرره أهلها. وكذلك بشأن العلاقة مع الدول العربية، حيث شدّد خطاب القسم على أفضل العلاقات مع العرب، وعلى دور لبنان في جامعة الدول العربية. وبشأن العداء للكيان الإسرائيلي الذي يحتّل جزءاً من الأراضي اللبنانية، أكد الخطاب على تحرير الاراضي المحتلة بأي وسيلة ممكنة، من دون أن يتحدّث عن ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، ومن دون أن يعطي أي غطاءٍ لوجود حزب الله في سورية، وإنْ تحدّث عن حربٍ استباقية على الإرهاب، مفضلاً حصر موضوع مكافحة الإرهاب بأجهزة الدولة الرسمية.
ثم جاءت مقابلة وزير خارجية لبنان، جبران باسيل، (صهر رئيس الجمهورية، ورئيس التيار الوطني الحر الذي أسّسه الرئيس) مع صحيفة الشرق الأوسط، أكثر وضوحاً لجهة سيادة لبنان، والنأي به عن الموضوع السوري. وقال باسيل فيها إنّ موقفهم الدائم، تياراً وحكومةً ووزارةً، هو تحييد لبنان عن النزاعات الخارجية، ثم أضاف: "حزب الله هو فريق من 80 دولة متداخلة في سورية"، معتبراً أنّ الوضع يتطلب "انسحاب الجميع وترك سورية للسوريين". وهذه دعوة صريحة وواضحة من صهر الرئيس، وربما من العهد لحزب الله، بالاكتفاء بهذا القدر من التورط في سورية، والانسحاب منها، والعودة إلى لبنان مع العهد الجديد، وقد ترك هذا الكلام انطباعاً سلبياً عند محور "الممانعة والمقاومة"، عبّر عنه أحد ممثلي النظام السوري في مجلس الشعب، بقوله: "لعب الكبار ليس للصغار وإلا …أنت أدرى". كلام جاء بمثابة رسالة تهديد أكثر من أي شيء آخر.
ثم جاءت زيارة موفد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى رئيس الجمهورية، ميشال عون، بعنوان تقديم التهنئة. ولم يُعلم ما دار في هذا اللقاء، ولا حقيقة ما حمله الموفد. كما أن وزير
خارجية إيران، محمد جواد ظريف، زار القصر الجمهوري مهنئاً الرئيس، في زيارة تزامنت مع زيارة موفد النظام السوري، ما أعطى انطباعاً أن الزيارتين تحملان معنى سياسياً له علاقة بالموقع الذي أراد رئيس الجمهورية أن يضع لبنان فيه، من خلال خطاب القسم، والتفاهم مع رئيس الحكومة المكلّف، سعد الحريري (رئيس تيار المستقبل)، ومع رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع. لذا، قد يكون هدف الزيارتين محاولة احتواء الموقف الجديد للبنان في عهد الرئيس ميشال عون، وعدم السماح له بالتموضع في المنطقة الرمادية المحايدة، أو الوسطى، خصوصاً وأن مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي أكبر ولايتي، صرّح معتبراً أن انتخاب عون في لبنان بمثابة نصر كبير لحزب الله وإيران، وتالياً بشكل غير مباشر للنظام السوري. إذاً هي محاولة احتواء واستقطاب جديد للعهد الذي يرأسه عون، بهدف قطع الطريق على أي تموضع في المنطقة المحايدة، من ناحية أخرى.
وفي مقابل الزيارتين، وبالتزامن معهما، زار وفد من السفراء الخليجيين في بيروت رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، وأبدى التأييد له، وشدّد على أواصر الصداقة بين لبنان والخليج، وهي أيضاً تدخل في إطار الاستقطاب ومحاولات الاحتواء للعهد الجديد. ويدفع ذلك كله إلى السؤال: كيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يقدم على تنفيذ ما ورد في خطاب القسم، خصوصاً لجهة السياسية الخارجية التي سيقدم عليها لبنان في العهد الجديد؟
لا شك في أن السياسة الخارجية في العهد الجديد بدأت، منذ اللحظة الأولى، تتعرّض لحالة
استقطاب بين المحاور الإقليمية. إيران والنظام السوري من جهة، والدول العربية والخليج من ناحية ثانية، ما سيترك انعكاساً على الأداء الداخلي، وما قد يؤخر ولادة الحكومة من جهة، أو يمكن أن يجعلها تعاني ما عانته الحكومة الحالية من محاولات تعطيل أو شلل من ناحية ثانية، أو يمكن أن يدفع الأطراف المنافسة إلى مزيدٍ من التنازل، في ملفاتٍ كثيرة، تجعل مقاليد البلد بيد فريق واحد، مصداقاً لقول ولايتي، أو قد يدفع ذلك إلى مواجهات جديدة في بداية العهد الرئاسي.
سيضع ذلك كله الرئيس الجديد وعهده في حالة معقدة وصعبة، ويبحث عن التوازنات الداخلية والخارجية، حتى تتمكّن من السير بلبنان فيما يشبه حقل الألغام، وهذا ليس سهلاً وبسيطاً، وإلاّ فإنّ أي خروج من المنطقة المحايدة إلى منطقة الاصطفاف القائمة سيعني تعقيد المشهد من جديد، إن لم نقل بداية تفكّكه، خصوصاً وأن اللبنانيين سيفقدون، عند ذلك، بقية الأمل التي كانت عندهم عن قيام الدولة. ومن هنا، يأتي التحدّي الكبير أمام عون في المرحلة المقبلة، للحفاظ على أمل اللبنانيين بدولتهم الحرّة السيّدة المستقلة، أمام محاولات استقطابهم لصالح المحور الذي يثير الضوضاء في المنطقة.
ثم جاءت مقابلة وزير خارجية لبنان، جبران باسيل، (صهر رئيس الجمهورية، ورئيس التيار الوطني الحر الذي أسّسه الرئيس) مع صحيفة الشرق الأوسط، أكثر وضوحاً لجهة سيادة لبنان، والنأي به عن الموضوع السوري. وقال باسيل فيها إنّ موقفهم الدائم، تياراً وحكومةً ووزارةً، هو تحييد لبنان عن النزاعات الخارجية، ثم أضاف: "حزب الله هو فريق من 80 دولة متداخلة في سورية"، معتبراً أنّ الوضع يتطلب "انسحاب الجميع وترك سورية للسوريين". وهذه دعوة صريحة وواضحة من صهر الرئيس، وربما من العهد لحزب الله، بالاكتفاء بهذا القدر من التورط في سورية، والانسحاب منها، والعودة إلى لبنان مع العهد الجديد، وقد ترك هذا الكلام انطباعاً سلبياً عند محور "الممانعة والمقاومة"، عبّر عنه أحد ممثلي النظام السوري في مجلس الشعب، بقوله: "لعب الكبار ليس للصغار وإلا …أنت أدرى". كلام جاء بمثابة رسالة تهديد أكثر من أي شيء آخر.
ثم جاءت زيارة موفد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى رئيس الجمهورية، ميشال عون، بعنوان تقديم التهنئة. ولم يُعلم ما دار في هذا اللقاء، ولا حقيقة ما حمله الموفد. كما أن وزير
وفي مقابل الزيارتين، وبالتزامن معهما، زار وفد من السفراء الخليجيين في بيروت رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، وأبدى التأييد له، وشدّد على أواصر الصداقة بين لبنان والخليج، وهي أيضاً تدخل في إطار الاستقطاب ومحاولات الاحتواء للعهد الجديد. ويدفع ذلك كله إلى السؤال: كيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يقدم على تنفيذ ما ورد في خطاب القسم، خصوصاً لجهة السياسية الخارجية التي سيقدم عليها لبنان في العهد الجديد؟
لا شك في أن السياسة الخارجية في العهد الجديد بدأت، منذ اللحظة الأولى، تتعرّض لحالة
سيضع ذلك كله الرئيس الجديد وعهده في حالة معقدة وصعبة، ويبحث عن التوازنات الداخلية والخارجية، حتى تتمكّن من السير بلبنان فيما يشبه حقل الألغام، وهذا ليس سهلاً وبسيطاً، وإلاّ فإنّ أي خروج من المنطقة المحايدة إلى منطقة الاصطفاف القائمة سيعني تعقيد المشهد من جديد، إن لم نقل بداية تفكّكه، خصوصاً وأن اللبنانيين سيفقدون، عند ذلك، بقية الأمل التي كانت عندهم عن قيام الدولة. ومن هنا، يأتي التحدّي الكبير أمام عون في المرحلة المقبلة، للحفاظ على أمل اللبنانيين بدولتهم الحرّة السيّدة المستقلة، أمام محاولات استقطابهم لصالح المحور الذي يثير الضوضاء في المنطقة.