عيد الغطاس والشبيحة
ميخائيل سعد
ذكرتني قريبتنا اللاجئة السورية إلى كندا، أن اليوم هو عيد الغطاس، وقد كنا نحتفل به في سورية.
عادت بي الذاكرة إلى طفولتي الريفية الأولى، وأستطيع تقدير الزمن بـأنه، ربما كان في عام 1952 أو 1953. اصطحبتني أختي الكبيرة معها إلى نبع القرية مع صديقاتها، للغطس في المياه المجمّعة في بركة قرب النبع، وهو تقليد مسيحي ريفي، احتفالا بذكرى تعميد يوحنا المعمدان للمسيح في نهر الأردن، ولنيل البركة في الوقت نفسه.
أذكر شيئين متناقضين، لا تفسير عندي لهما؛ الأول أنه لم يكن هناك حاجة للحذر من عيون الشباب الفضولية المكبوتة، ولا مبرر عند الأهل للطلب من أولادهم الذكور عدم الاقتراب من نبع القرية في منتصف الليل، لأن الصبايا سيذهبن للغطس في مياه النبع، وهذا حرام وخطيئة لن يغفرها لهم المسيح، والشباب أنفسهم يعرفون أن لكل منهم أختاً بين الصبايا، أو ابنة عم أو قريبة هي بموقع الأخت.
الثاني، وله علاقة بالتاريخ الذي ذكرته، فقد كان عمري، كما أظن، بين ثلاث سنوات إلى أربع، وأميل إلى هذا التقدير، لأنني لا أحمل في ذاكرتي أي صورة عن الصبايا العاريات، وهن يرتجفن من البرد والمياه الجبلية الباردة أيضا.
فقريتنا ترتفع بحدود 800 متر فوق سطح البحر، وأحيانا كثيرة يكون الفصل مثلجًا أيضاً في مثل هذا اليوم. والتفسير الطريف الذي يمكن استعارته من الصديق نجم الدين سمان الذي يقول عني إنني من بني عذرة، قد يكون ظهر مبكراً عندي، لذلك لا أذكر أنني أحمل أي صورة عن الصبايا العاريات السابحات في المياه المقدسة.
أذكر، أيضا، أن صبايا القرية قد تخلين عن عادة الذهاب إلى النبع للغطس ليلاً في السادس من يناير/كانون الثاني من كل عام، وهو تاريخ عيد الغطاس. لأن بعض الشباب بدأوا يحومون حول النبع في السنوات التالية، فمات تقليد جميل من تقاليد القرية الجبلية المسيحية، مع وصول أولى قوافل البعثيين والقوميين السوريين إليها.
ما يحز بالنفس حتى هذه الأيام السورية المليئة بالدم، أن الكثير من مسيحيي قريتنا، ومسيحياتها، هم مع نظام الأسد، ربما هو الخوف أو الانتهازية أو العقل الريفي الأقلياتي الخائف من الخرافة التي خلقها الأسد عن المسلمين الذين يحلمون بسبي نساء المسيحيين والعلويين والدروز.
وربما كان مصدر خوفهم، بالإضافة إلى ما سبق ذكره، أن قريتهم محاطة بسياج من القرى العلوية، التي لم يبق فيها أحياء إلا بعض الزعران (الشبيحة)، الذين عبّروا في أكثر من مناسبة عن نيتهم تملّك البيوت الجميلة في القرية.
المشكلة الأخرى هي تبخّر حلم عودة "الصبايا الأخوات" من دون خوف، في الثالثة بعد منتصف الليل، فقد تبخر مع هذا الحلم الأسدي، حلم البقاء على قيد الحياة لكل من يملك مالاً أو سيارة في المنطقة، فعين ”الشبيحة" لا تشبع!!!