عيد اللاجئين.. سعادة مؤجّلة لسوريّي المنفى

بيروت

ألكسندر أيوب

avata
ألكسندر أيوب
إسطنبول

سما الرحبي

avata
سما الرحبي
02 أكتوبر 2014
CCDC49B1-5D77-4DE2-B64D-3EC91739F991
+ الخط -

يحاول العيد أن يجد مكاناً له بين الخيام القديمة، وبيوت الصفيح، التي يسكنها السوريون في دول اللجوء. لكنّ الخذلان والفقر، ينافسانه. ينتظر اللاجئون تبرعاً ما، ويحمّلون العيد أمنياتهم.
باتت الحياة لدى الكثير من السوريين الذين اقتلعوا من أرضهم، مجرد حالة انتظار شاقة لفرج ينهي معاناتهم. هم يأملون في العودة إلى سورية منتصرين. عيد الأضحى، بالنسبة إليهم، ليس مميزاً. هو كأي يوم آخر. لكنّه يحمل إليهم ابتسامات متقطعة، تترافق مع تفاؤل في مستقبل أفضل.
يتحدث الناشط الإغاثي في مخيم البقاع للاجئين السوريين في لبنان، غيث العمري لـ"العربي الجديد" عن مظاهر العيد في المخيم. يقول: "هنا لا تكاد تخلو أسرة من شهداء ومفقودين من أب وأخ، أو أقارب محاصرين في مناطق الداخل السوري الثائر". ويضيف: "رغم ذلك فوجئت اليوم في حديثي مع عدد من العائلات بأنهم يجهزون لتحضير حلوى العيد، البسيطة، المؤلفة من أكلات بسيطة تعتمد على السميد، الزيت، والسكر، مما يوزع عليهم من المنظمات".
يتابع غيث: "ليست لديهم القدرة على شراء الحلويات الجيدة، ويقتصر الأمر على صنع بعض البسكويت، بالإضافة إلى التمور والعصائر".
في المخيمات ليس هنالك سوى الفرق المتطوعة والمؤسسات المحلية والجمعيات السورية الصغيرة، تهتم بأحوال الناس. فيما تهتم بعض المنظمات العالمية بشؤون الأطفال اللاجئين. ومنذ أسبوعين بدأ التجهيز لشراء ثياب للأطفال، فأحصيت أعدادهم، وأخذت مقاساتهم، على أمل توزيع الملابس عليهم قبل حلول الأضحى. وتقول عضو جمعية "معاً" لدعم اللاجئين السوريين، لمياء الخطيب إنّ هنالك تحضيراً "لبرامج ترفيه ونشاطات توزع من خلالها اللعب، وهنالك أحياناً فكرة تنظيم رحلات إلى مدينة الملاهي أو أحد المتنزهات".
وتعرّف نشاط الجمعية بالقول: "نحن تجمع تطوعي نعتمد على المساعدات من السوريين في الخارج، ولكن مع ذلك فالضغط كبير جداً، نحاول أن نبذل كل ما بوسعنا لزرع ابتسامة على وجوه الأطفال السوريين في العيد".
هناك في مخيم البقاع اعتادت الأسر اللاجئة المعيشة وتأقلمت مع المخيم، بعد سنوات تكاد تنهي عامها الرابع. فبدأ يشكل لهم موطناً بديلاً، مع الكثير من الحب والألفة التي تزداد كل يوم، مع شركاء النار والمأساة في بيوت الصفيح والخيام.

عرسال حاضرة

فيما يحاول العيد أن يحجز خيمة مؤقتة في البقاع، لا يجد في بلدة عرسال من يستقبله. تضمّ البلدة الحدودية أكثر من 30 مخيماً للاجئين السوريين.
تنفر أم خالد (54 عاماً) من جبال القلمون في ريف دمشق، لدى سؤالها عن العيد. تقول: "في العيد الماضي كنت أنتظر زوجي المعتقل في سجون الأسد وأدعو له بالفرج، واليوم أنتظر أولادي الذين اعتقلهم الجيش اللبناني، فأي عيد هذا!؟.
تعيش المرأة اليوم في خيمة أقاربها بعد "حرق الجيش اللبناني" لخيمتها. لا تستطيع المرأة الخمسينية حبس دموعها وهي تتحدث عن أبنائها، وتقول: "لم يعد لشيء طعم. أصبحت الحياة ثقلاً على كاهلنا. هربنا من ظلم بشار الأسد لنقع تحت ظلم غيره. العيد ليس للشعب السوري. وما يؤلم أكثر هو منظر هؤلاء الأطفال وهم يستقبلون العيد في كل سنة ضمن الخيام القديمة والعوز والذل".
من جهته، خرج سالم ابن العشر سنوات من مدينة القصير في ريف حمص، مع والده إلى مخيم عرسال، بعد وفاة والدته. يعيش اليوم لدى جيرانه في المخيم بعد اعتقال السلطات اللبنانية لوالده. تقول فاتن التي يسكن سالم معها: "أحاول عبثاً أن ألهيه عن ذكر والده، فأكذب عليه يومياً بأن أباك سيعود غداً. وعندما قام بعض الناشطين بتوزيع ثياب للأطفال من تبرعات المنظمات، لم يقبل سالم أن يأخذها".
يبدو أنّ سالم ليس الوحيد الذي سيقضي هذا العيد بمفرده، فأغلب العائلات السورية اللاجئة في عرسال تنتظر أبناءها، بعد اعتقال 200 شخص من المخيم. راغدة (26 عاماً) كانت تنتظر عيد الأضحى بفارغ الصبر، فمن المفترض أن تتزوج هي وخطيبها في أول أيامه. لكنّه اعتقل و"الظاهر أننا الأضحية في هذا العيد فالجميع ضحى بنا. كل عام نعيش على أمل الفرج في العيد المقبل، واليوم تضيق الحياة بشكل لم يعد يحتمل" تقول راغدة.
وعن تحضيرات العيد تقول راغدة: "لا أحد في مخيم عرسال مهتم للعيد وخصوصاً بعد الحوادث الأخيرة. النسوة في الأعياد الماضية كن يصنعن الحلوى، بما يقدم لهن من المنظمات الإغاثية، أما اليوم، فينظّمن التظاهرات في ساحات المخيم على أمل الإفراج عن أبنائهن وأزواجهن".

مخيمات تركيا

في مخيم كلس الملاصق للحدود الشمالية السورية، تعاني العائلات السورية اللاجئة من الفقر الشديد والحاجة. ومع غلاء المدن التي تحوي المخيمات، تزداد وطأة المعيشة الصعبة. فلا دخل أو مردود مادي للاجئين، إلا لحوالي 10% من النساء والرجال والأطفال الذين يعملون بأجور بسيطة.
طريف أحد هؤلاء الأطفال. يرمي علب المحارم من يديه الصغيرتين أرضاً، ويركض كالطير حافياً ليختبئ بين الحارات الضيقة في مدينة غازي عنتاب القديمة، بعد رؤيته سيارة الشرطة التركية.
هو العام الثاني الذي يمضيه طريف (12 عاماً) في مخيم كلس، مع أسرته. بهجة انتظار العيد تغيب عن ملامحه القاسية. يبدو رجلاً مسؤولاً، يحمل همّ أمه وإخوته. عمل طريف طوال الأشهر الماضية في بيع المحارم على أرصفة المدينة، ليدخر مبلغاً قليلاً يسعد به قلب أمه الأرملة.
يقول طريف بكل براءة: "كل صباح أذهب إلى المجمع التجاري في المخيم، وأشتري علب المحارم بالبطاقة الشرائية المقدمة من الحكومة التركية، لأبيعها في الطرقات وأمام مواقف وسائل النقل، سعر العلبة ليرة واحدة. وفي آخر النهار أحصل على مردود يتراوح بين 3 و6 ليرات".
يتوقف طريف عن بيع المحارم خلال عيد الأضحى، لا ليلعب وأصدقاءه، أو يذهب إلى مدينة الملاهي، بل ليبيع الحلويات التي تعدّها والدته خولة، داخل المخيم.
تقول خولة: "أتمنى أن نعود في العيد المقبل إلى حلب، وأن أرى طريف كأي طفل آخر يلعب مع أصدقائه، أنا لست سعيدة بعمله، ولكن بعد استشهاد والده ليس لنا من معيل إلّا هو". وتضيف: "كلّ عام نقول إنّ العيد لم يعد له بهجة، ولكن مجرد أن تشرق شمس اليوم الأول وترى الأطفال يركضون بين الخيام، تشعر بسعادة، ولو أننا نشعر بالألم الكبير على ما هم فيه، وعلى مستقبلهم المجهول".
دلالات

ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.