بسبب الهجمات الأخيرة لخلايا وجيوب مسلحة تتبع لتنظيم "داعش"، في مناطق بنينوى وكركوك وصلاح الدين، شمالي العراق، والمصنفة ضمن ما يعرف بالمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، المصطلح الذي برز بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وإقرار إقليم كردي شمال العراق متمتع بحكم شبه ذاتي، بحسب الدستور العراقي الجديد، عاودت أربيل مجدداً التنسيق مع التحالف الدولي من أجل العودة لتلك المناطق بحجة التصدي لـ"داعش"، وذلك بعد أكثر من عام كامل على طرد القوات العراقية للأكراد منها إثر تداعيات تنظيم أربيل استفتاء للانفصال عن العراق.
وتبلغ مساحة المدن التي كان الأكراد يسيطرون عليها عقب اجتياح "داعش" للبلاد عام 2014 أكثر من 42 ألف كيلومتر مربّع، وأبرزها كركوك وسنجار وطوزخورماتو، وهي ذاتها المدن التي تشهد هجمات بشكل متكرر على أهداف مدنية وأمنية بين يوم وآخر من قبل عناصر التنظيم.
في هذا السياق، كشف مسؤولون عراقيون في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن "تحركات كردية مع واشنطن تهدف للعودة إلى تلك المناطق بشكل أو بآخر، تحت عنوان الإرهاب ومحاربة داعش، وفي أحيان أخرى لحماية الأكراد في تلك المناطق".
وبحسب موظف رفيع في مكتب رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، فإن "الأخير أبلغ وفداً من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة واشنطن، بأن عودة الأكراد مرفوضة وأن الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب لا يحتاجان مساعدة البشمركة بشكل أو بآخر، وأنه يرفض مزج الملف الأمني بملفات سياسية"، في إشارة منه إلى عودة البشمركة إلى المناطق المتنازع عليها تحت ادّعاءات "الأمن وهجمات داعش".
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن "الأميركيين يضغطون باتجاه إشراك البشمركة بالملف العسكري والأمني في كركوك ومناطق أخرى، وهو ما ترفضه بغداد وتعتبر أن الدولة الاتحادية هي المسؤولة، وأن قيمة البشمركة في تواجدها على حدود الإقليم الدستورية لا خارجها". ولفت إلى أن "فترة التفاوض مع الأكراد سياسياً حول تشكيل الحكومة الجديدة شهدت تراخياً من قبل كتل وقوى سياسية في تحالف الفتح وائتلاف نوري المالكي (دولة القانون)، إضافة إلى أنه حصلت هجمات يُعتقد أنها مفتعلة في مناطق متنازع عليها سمحت للبشمركة بالتقدم بشكل تدريجي إلى تلك المناطق، وبات الآن هناك 3 أفواج: فوج على بعد 7 كيلومترات فقط من حدود محافظة كركوك، وفوجا طوزخورماتو وسنجار ومناطق أخرى من نينوى، خصوصاً سهل نينوى ذي الأغلبية المسيحية العربية". وأشار إلى أن "التحرك الكردي هذه المرة مدعوم من قبل واشنطن وضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة".
ورجّح قادة وضباط في الجيش أن "بعض الهجمات مفتعلة ولا يقف داعش خلفها جميعاً". وقال أحد ضباط لواء التدخل السريع في كركوك لـ"العربي الجديد"، إن "بعض الهجمات نعتقد أن خلفها أطراف كردية أو أنها أخلت الطريق لداعش لتنفيذها، لأهداف سياسية معروفة تريد من ورائها العودة لكركوك". وأضاف أن "بعض الهجمات لا تبدو مشابهة لأسلوب داعش في الهجمات الإرهابية، وهو ما يدفعنا للشك بأن هناك جهات غير داعش تقف وراءها".
وبحسب مصادر كردية في أربيل، فقد "عقدت قيادات في البشمركة اجتماعاً مع ممثلين عسكريين عن التحالف الدولي في إقليم كردستان، جرت خلاله مناقشة الهجمات المتكررة لتنظيم داعش في المناطق المتنازع عليها، لا سيما في محافظتي نينوى وكركوك الشماليتين". واعترف بذلك مسؤول بحكومة كردستان في أربيل، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع تناول أيضاً تمدد مليشيات الحشد وممارستهم نشاطات مريبة وتضييقاً بمسحة طائفية وعنصرية على الأكراد في مناطق بمحافظتي نينوى وكركوك".
ونشر تنظيم "داعش"، مطلع الأسبوع الحالي، تسجيلاً مصوراً ضمن سلسلة إصداراته لما يسميها "ولاية كركوك"، أظهر جرائم مختلفة نفذها عناصره بحق مسؤولين محليين من مخاتير الأحياء الواقعة على أطراف بلدة الحويجة، جنوب غربي المدينة، فضلاً عن اعتقال منتسبين إلى "الحشد العشائري"، وتنفيذ جملة إعدامات بالرصاص في الرأس، وذبح عدد منهم، بالإضافة إلى استهداف آليات للجيش والشرطة بواسطة عبوات زرعها التنظيم في شوارع متفرقة. وأظهر التسجيل كذلك تحرك عناصر "داعش" بسهولة لافتة في سفوح جبال حمرين.
كما شهدت مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى)، شمال العراق، توتراً أمنياً بين القوات العراقية من جهة، وفصائل مسلحة تابعة لمليشيا "الحشد" من جهة أخرى. وقال مصدر أمني محلي إن "مدينة الموصل شهدت، يوم الاثنين الماضي، انتشاراً مكثفاً لقوات الجيش والشرطة، على خلفية قيام عناصر من الحشد الشعبي باقتحام مقرات تابعة للشرطة العراقية بالمدينة".
بدوره، أوضح النائب عن تحالف سائرون محمد رضا، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يمكن إرجاع البشمركة لكركوك والمناطق المتنازع عليها، إلا بشرط أن تكون جزءاً من القوات العراقية، وتتلقى أوامر من القائد العام للقوات المسلحة وله حق تحريكها ونقلها لأي مكان، أما حالياً فالمناطق المتنازع عليها هي تحت سيطرة الدولة، وهو الإجراء الصحيح والقوات العراقية قادرة على إدارة الملف بكفاءة". وأضاف أن "الدولة يجب أن تبسط سيطرتها ليس على كركوك فقط بل في إقليم كردستان أيضاً، كالحدود والمنافذ البرية والجوية وكل ما ذكره الدستور".
من جهته، نفى القيادي بالتحالف الكردستاني بيستون زنكنة، وجود "تحرك أميركي لصالحهم في الملف بسبب كونه حقاً قانونياً لهم، وهو أن تنتشر البشمركة في المناطق الواقعة ضمن المادة 140 من الدستور"، في إشارة إلى المناطق المتنازع عليها. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "تم طرح هذا الموضوع على القوى السياسية في بغداد خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، كما طُرحت مواضيع أخرى، ونعتقد أن من حق البشمركة العودة وهي قد أثبتت كفاءتها في ضبط الأمن والتصدي للإرهاب".
في غضون ذلك، أكدت وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأميركي أن "الولايات المتحدة وافقت على صفقة عسكرية مع العراق بقيمة 82 مليون دولار". ونقلت وسائل إعلام محلية عن تقرير للوكالة ذكره أن "الصفقة تضمنت تجهيز العراق بخمس طائرات مروحية، فضلاً عن أجهزة اتصالات حديثة، وأسلحة مختلفة أخرى"، موضحة أن "هذه التجهيزات جاءت لتعويض ما خسره العراق سابقاً من مروحيات وأجهزة خلال سنوات الحرب على تنظيم داعش".