07 نوفمبر 2024
عُماني هارب من الحروب
كان الكاتب الراحل، علي المعمري، يكتب بمزاج رحّالٍ، وقلب شاعرٍ يقود مركبه في مياه العالم، بحثا عن أشياء عادية وأليفة، ككتاب جميل، أو ابتسامة، أو رائحة القهوة، وذكريات طفولةٍ في قريةٍ كانت واندثرت، وكانت قريبةً من بحر، وكأنها كانت تنتظر الأهوال والفتن والحروب من الشرق، أو من الغرب، كما في كتابه "سفينة الخريف الخلاسية" أو "في زمن الأهوال عش رجبا".
كان علي المعمري يجيد التواصل، والإنصات للإنسان في أي بقعة من العالم، ودائما ما يثيره الغرباء من الناس، وخصوصا أصحاب الحكايات والأحلام من أهل السفر والترحال.
كان علي يكتب كما يحلم، ولا يعلن للعالم عن أحزانه كما يفعل بعضهم، كان يعلن دائما عن ضحكاتٍ مجلجلةٍ، وأمل يسافر كل يوم مع الشمس، ثم يعود بالبركة والبخور والتوابل والعطور هدايا لأصحابه. وكل سنواتٍ يكتب كتابا، ويتركه هكذا في بيوت أصدقائه، من دون انتظار أي شيء، أو أي أملٍ أو وجاهةٍ منتظرة.
كان يكتب ما يعيشه، ويعيش ما يكتبه، ويبحث عن غزواته، كطفل سعيد في العالم، وجد مركبه. هكذا ينتقل من بلد إلى بلد. لم تكن له أي أطماع باهظة بشأن الكتابة. كان فقط يتساند إلى أفراحه كي ينتقل من بلد إلى بلد، ومن كتابٍ إلى كتاب، ومن ضحكةٍ إلى ضحكة، حتي تنتهي "السالفة" على أي نحو، حتى دخله الوجع من أجمل مكانٍ فيه، من قلبه، فسافر.
كان على المعمري يبحث عن الكتب، يبحث عن تاريخ روحه وأشواقه ونهمه للتاريخ، ثم يترك الكتب للأصدقاء. كان يهربُ إلى روايةٍ أو حكاية، كان يؤمن بعنوان كتابه "في زمن الأهوال عش رجبا"، على الرغم من أنه كان يصنع الأهوال في الليل بمحبة. وفي الصباح، ولا كأن أي شيء قد حدث، ويضحك ضحكته المجلجلة.
فرّ من أهوال البلاد إلى جنون السرد، وخرافية الحكاية التي كانت تتضافر مع حكايته هو، وتنافسها أيضا، وفرّ من ضيق الوظيفة إلى براح العالم، تاركا الخناجر والدرجات الوظيفية، كي يكسب نفسه وقلبه، فكسب نفسه، ولكن خانه القلب بالوجع.
كان على المعمري خلطةً هائلةً من العزلة أحيانا، والفرح الهائل بالجمال، حدّ الطيران وراء العالم، بحثا عن صفاءٍ فيه. كان حينما يحزن يجد راحته في الكتب. وحينما تزيد عليه كآبة الكتب يرمي بنفسه إلى العالم، وشكّلت له القاهرة، في آخر حلقهٍ من عمره، والإسكندرية في صدر شبابه، محطتين مهمتين إنسانيا وإبداعيا.
كان يفرح، حينما يعود من رحلة إلى "شجرة مريم" في المطرية، ويترك كتبه للأصدقاء بعد الشاي، ويطلق بخوره مع الحكايات لمحبّة الناس والضيوف. عرّافٌ هائمٌ من عُمان جاء يبحث عن السعادة، من دون أن يمتلك وصفةً أو أي كتاب.
في القاهرة، وفي شارع ضيق اسمه بستان بني قريش سكن. أسكره اسم الشارع كثيرا، وكاد أن يطير به من الفرح. وكانت البناية قديمة، والغرفة وحيدةً على السطوح، وبجواره فنانة تشكيلية اعتزلت العالم، واكتفت بهواجسها فقط، ولا يفكّ شفرة الحديث معها إلا هو، كأنها سرّه، وكأنه سرّها. يرمي عليها السلام، فتبتسم وتردّ ثم تعود إلى عالمها، ويعاود صبّ الشاي لنفسه، والقلب الموجوع يعطيه العلامات بالوجع. وهو كما هو، لا يكفّ عن الفرح والطيران من بلد إلى بلد، حاملا الكتب والبخور واللبان والضحكات والسوالف، كعادة العُمانيين.
يستعينون "بالسالفة" على وحدتهم في البحر، بحثا عن الرزق، أو جريا وراء الحظ والطالع، وقد يصادفهم الرزق في بحار الهند، وقد تصادفهم محبّة.
كان علي المعمري يجيد التواصل، والإنصات للإنسان في أي بقعة من العالم، ودائما ما يثيره الغرباء من الناس، وخصوصا أصحاب الحكايات والأحلام من أهل السفر والترحال.
كان علي يكتب كما يحلم، ولا يعلن للعالم عن أحزانه كما يفعل بعضهم، كان يعلن دائما عن ضحكاتٍ مجلجلةٍ، وأمل يسافر كل يوم مع الشمس، ثم يعود بالبركة والبخور والتوابل والعطور هدايا لأصحابه. وكل سنواتٍ يكتب كتابا، ويتركه هكذا في بيوت أصدقائه، من دون انتظار أي شيء، أو أي أملٍ أو وجاهةٍ منتظرة.
كان يكتب ما يعيشه، ويعيش ما يكتبه، ويبحث عن غزواته، كطفل سعيد في العالم، وجد مركبه. هكذا ينتقل من بلد إلى بلد. لم تكن له أي أطماع باهظة بشأن الكتابة. كان فقط يتساند إلى أفراحه كي ينتقل من بلد إلى بلد، ومن كتابٍ إلى كتاب، ومن ضحكةٍ إلى ضحكة، حتي تنتهي "السالفة" على أي نحو، حتى دخله الوجع من أجمل مكانٍ فيه، من قلبه، فسافر.
كان على المعمري يبحث عن الكتب، يبحث عن تاريخ روحه وأشواقه ونهمه للتاريخ، ثم يترك الكتب للأصدقاء. كان يهربُ إلى روايةٍ أو حكاية، كان يؤمن بعنوان كتابه "في زمن الأهوال عش رجبا"، على الرغم من أنه كان يصنع الأهوال في الليل بمحبة. وفي الصباح، ولا كأن أي شيء قد حدث، ويضحك ضحكته المجلجلة.
فرّ من أهوال البلاد إلى جنون السرد، وخرافية الحكاية التي كانت تتضافر مع حكايته هو، وتنافسها أيضا، وفرّ من ضيق الوظيفة إلى براح العالم، تاركا الخناجر والدرجات الوظيفية، كي يكسب نفسه وقلبه، فكسب نفسه، ولكن خانه القلب بالوجع.
كان على المعمري خلطةً هائلةً من العزلة أحيانا، والفرح الهائل بالجمال، حدّ الطيران وراء العالم، بحثا عن صفاءٍ فيه. كان حينما يحزن يجد راحته في الكتب. وحينما تزيد عليه كآبة الكتب يرمي بنفسه إلى العالم، وشكّلت له القاهرة، في آخر حلقهٍ من عمره، والإسكندرية في صدر شبابه، محطتين مهمتين إنسانيا وإبداعيا.
كان يفرح، حينما يعود من رحلة إلى "شجرة مريم" في المطرية، ويترك كتبه للأصدقاء بعد الشاي، ويطلق بخوره مع الحكايات لمحبّة الناس والضيوف. عرّافٌ هائمٌ من عُمان جاء يبحث عن السعادة، من دون أن يمتلك وصفةً أو أي كتاب.
في القاهرة، وفي شارع ضيق اسمه بستان بني قريش سكن. أسكره اسم الشارع كثيرا، وكاد أن يطير به من الفرح. وكانت البناية قديمة، والغرفة وحيدةً على السطوح، وبجواره فنانة تشكيلية اعتزلت العالم، واكتفت بهواجسها فقط، ولا يفكّ شفرة الحديث معها إلا هو، كأنها سرّه، وكأنه سرّها. يرمي عليها السلام، فتبتسم وتردّ ثم تعود إلى عالمها، ويعاود صبّ الشاي لنفسه، والقلب الموجوع يعطيه العلامات بالوجع. وهو كما هو، لا يكفّ عن الفرح والطيران من بلد إلى بلد، حاملا الكتب والبخور واللبان والضحكات والسوالف، كعادة العُمانيين.
يستعينون "بالسالفة" على وحدتهم في البحر، بحثا عن الرزق، أو جريا وراء الحظ والطالع، وقد يصادفهم الرزق في بحار الهند، وقد تصادفهم محبّة.