كانت هذه آخر اللحظات لعمير عمر شحادة (19 عاما)، من قرية عوريف إلى الجنوب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، إذ أبلغ من كانوا معه في العمل، أن يبحثوا عن عامل آخر بدلا منه، موقنا بأنه سيكون شهيدا مساء السبت، العاشر من مارس/ آذار الجاري.
من كانوا معه في ذات المركبة، التي عاد بها من مكان عمله في قرية الزاوية شرقي سلفيت، إلى مسقط رأسه عوريف؛ قالوا إنّه "عندما وصله خبر اقتحام المستوطنين، فرح وظل يلح على سائق السيارة، كي يزيد من سرعته للوصول إلى قريته، وحينها توجه بملابس العمل إلى مكان المواجهة، حمل بيديه حجارة، ألقى الأولى والثانية، ثم سرعان ما اخترقت رصاصة صدره، أطلقها عليه جندي كان يحمي ظهور المستوطنين وهم يستبيحون الأرض ويهاجمون منازل الناس وأصحابها".
وجوه أصحاب عمير، عابسة حزينة على فراق صديقهم الذي لا تفارق الابتسامة محياه، وفق ما يقولون لـ"العربي الجديد".
ويقول صديقه المُقرب أنس شحادة لـ"العربي الجديد": "عُمير شاب خلوق، دائم المرح والمزاح معنا، صلينا يوم استشهاده جماعة قبل أن يعود إلى المنزل، كان يلتقط الصور معنا بكثافة، وكأنه كان يودعنا".
ويوضح أن عمير ينتمي لعائلة محافظة، تربى على الدين والخلق الحسن وعلى حب الوطن والانتماء له، هو الشقيق الأصغر لثلاثة إخوة وأربع أخوات، كان محبوبا لديهم، أنهى الثانوية العامة بنجاح قبل عام، وقرر أن يلتحق بالعمل مع أخيه في البناء، ليؤسس لنفسه مستقبلا كريما.
Twitter Post
|
يقول شقيقه إبراهيم لـ"العربي الجديد": "الحمد لله كان مميزا بكل معنى الكلمة، وجنازته تشهد على حب الناس له، لم يقبل يوما أن يكون متفرجا والمستوطنون يعتدون على أهل بلده وقريته، وفي الاعتداء الأخير على القرية، كان من بين الشباب الذين خرجوا للتصدي للاقتحام، والحمد لله كان نصيبه أن ينال الشهادة".
معروف لدى كل من يخرج لمواجهة المستوطنين في عوريف، أن عُمير من أشجع الشبان والفتية الذين يخرجون إلى التلال التي تدور في رحاها المعارك مع المستوطنين، ليردوا هجومهم، ليس هذا فحسب، بل إن جيش الاحتلال الإسرائيلي كان يعرفه جيدا، وبحسب ما لفت إليه شقيقه، فإنه قبل نحو شهر، أبلغ ما يسمى بـ"الارتباط الإسرائيلي" المجلس القروي عن شاب بمواصفات عُمير سيتم استهدافه لجرأته وشجاعته، بالإضافة إلى أن ضابط مخابرات الاحتلال المسؤول عن منطقة جنوب نابلس، هدده بالقتل أو الاعتقال.
Twitter Post
|
وتعتبر عائلة الشهيد عُمير استهدافه من قبل جنود الاحتلال، اغتيالا مباشرا وواضحا، وذلك بعد أن تم تهديده ومتابعته، وهذا ليس بعيدا عن الاحتلال، إلا أنها توكل أمرها لله، وتحتسب ابنها عند الله شهيدا، ليس أول الشهداء ولا آخرهم، وقد لحق بركب الشهداء، وركب عمه الشهيد إبراهيم عمير، الذي استشهد في حرب لبنان عام 1982.
كثيرة هي المواقف التي يستذكرها أصحابه عنه، لكن ما يعلق في ذاكرتهم هو مزاحه الدائم، حبه لهم، بساطته في التعامل مع الحياة ومنغصاتها، محافظته على صلاة الجماعة، وخلقه الحسن.
Twitter Post
|
في ميدان المواجهة مع المحتل، كان الشهيد يمازح أحد أصدقائه، ويخبره عن التفاف الجنود حوله، فدعاه صديقه للانتباه، قائلا له: "لأنك طويل يا عمير وين ما يطخ الجندي بصيبك دير بالك"، بعد لحظات نادى عمير على صديقه ليساعده؛ فاعتقد الأخير أنه يمازحه، لكن الشهيد كان يرتجف بعد تلقيه الرصاصة، وحمله الشبان في محاولة لإسعافه، لكنه روى الأرض الخضراء بدمائه، ورحل شهيدا مدافعا عن قريته ووطنه.
تحدث رفاقه عن شجاعته، وجرأته العالية في مواجهة المستوطنين وجيش الاحتلال، كان دوما يقف في أول الصفوف، ورأس حربة في كل مواجهة، غير خائف ولا آبهٍ لرصاص الجنود، وهو ينتمي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وكان يشارك في نشاطاتها، ونشاطات الفصائل الأخرى، حيث كان انتماؤه للوطن، طاغيا على الانتماء الحزبي.
Twitter Post
|
رحل عُمير، وهو يدافع عن أرض يستبيحها المستوطنون تحت حماية الجنود المدججين بالسلاح، والتي تنتهك في كل يوم من قبل قطعان المستوطنين؛ فمستوطنو "يتسهار" المقامة على قمة جبل سلمان جنوب نابلس، لا يكلون ولا يملون من مهاجمة قرى عوريف وبورين وعصيرة القبلية وحوارة ومادما وعينابوس، ويخططون دوما لاستهداف كل ما ينطق بالعربية في تلك المنطقة، وينفذون مخططات صهيونية تستهدف سرقة الأرض وترهيب الإنسان.