غارة الجولان: حزب الله سيردّ... بلا حرب شاملة

20 يناير 2015
07A89DCE-35FD-4EC5-B61C-C855FEAAB79D
+ الخط -
كان من الطبيعي جداً أن ترفع الغارة الإسرائيليّة على موكب تابع لـ "حزب الله" في القنيطرة السورية، مستوى الحذر على الحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلة، ذلك أن الضربة التي تلقاها الحزب، ومعه على الأقل ضابط إيراني، هي ضربة قويّة، وهو ما يحتّم على الحزب الردّ. لكن العارف بمنطق حزب الله في الظرف الحالي، فإنه يستبعد رداً يُشعل حرباً واسعة النطاق. فالحرب الشاملة ليست في مصلحة أحد، لا حزب الله ولا إسرائيل، ولا حلفاء الطرفَين. لكن هذا لا يعني أن الحزب لن يردّ على الغارة الإسرائيلية. القراءة الهادئة للغارة الإسرائيليّة وما سيليها، يُمكن اختصارها بالنقاط التالية:
 

1 ــ نقلت الغارة الاشتباك بين حزب الله وإسرائيل في سورية، من اشتباك غير مباشر، إلى اشتباك مباشر. بالتالي، فإن السنوات الثلاث الماضية، شهدت تبادل رسائل غير مباشرة بين الجانبين، من دون أن يتورّط أحدهما بمواجهة مباشرة. لكن غارة القنيطرة غيرت هذه المعادلة، وهو ما يحتّم على حزب الله العمل انطلاقاً من المعطى الجديد. في هذا الإطار، جاء نفي الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، في مقابلته التلفزيونية قبل أيام، وجود قوات لحزب الله تتولى مقاومة إسرائيل عبر الجولان المحتل. هذا لا يلغي أن للحزب وجودا عسكريا في درعا وفي المناطق الجنوبية الأخرى من سورية، ولا يُلغي أيضاً أن الحزب أرسل كوادر، درّبت عناصر سورية على حرب العصابات ضد إسرائيل منذ فترة طويلة. أبرز عمليّات هذه المجموعة كانت استهداف إحدى دوريات الجيش الإسرائيلي في مارس/آذار من العام الماضي في مجدل شمس. لكن بعد الغارة، تتحوّل الجغرافيا السورية إلى منطقة اشتباك مباشر، وخصوصاً منطقة الجولان المحتل، ولا يُستبعد أن يقوم الحزب بعمليات مباشرة في الجولان. بعبارات مبسّطة، توسّعت "الحدود الشمالية"، لينضمّ الجولان إليها.

2 ــ لا يُمكن للحزب أن يدخل في حرب شاملة انطلاقاً من رغبته الخاصة أو رغبة جمهوره. مَن يعرف الحزب، يقول إنه يجب أن يوازن بين المعطيات الموضوعية من جهة، وبين الحاجات المعنوية لجمهوره من جهة ثانية، وهو الجمهور الذي يُطالبه بالرد حتى لا يتحوّل الحزب إلى نسخة أخرى من حزب البعث السوري في توعده الدائم بـ"الرد في التوقيت والمكان المناسبين". في أي حرب شاملة، يأخذ الحزب في عين الاعتبار الواقع الداخلي اللبناني بتعقيداته. كذلك واقع النظام والجيش السوري، إن لجهة قدرته، أو رغبته في الدخول بحرب من هذا النوع. كما أن أي حرب شاملة، لا يُمكن أن تُفصل عن المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة. فالحزب لا يُمكن أن يكون عامل "تفجير" لهذه المفاوضات، التي ينقل سياسيّون لبنانيون عن السفير الإيراني في لبنان محمد فتح علي أن "الاتفاق النووي بات في حكم المنجز". وبرأي مقربين من الجانب الإيراني، فإن هذا الاتفاق يشمل الملف النووي والتعاون الكامل في العراق، "لكنه يفتح المجال بشكلٍ أوسع أمام التسوية في سورية". من هنا فإن حسابات الردّ بالنسبة لحزب الله لا يُمكن أن تكون معزولة عن هذه الوقائع.

3 ــ لا يستطيع حزب الله ترك حادثة من هذا النوع من دون رد وإسرائيل تدرك ذلك. إذ سبق للحزب أن كرّس معادلة الرد على الاغتيالات الإسرائيليّة لكوادره، عندما تبنى رسمياً العبوة التي استهدفت دورية اسرائيليّة في مزارع شبعا في أكتوبر/تشرين الأول 2014 رداً على اغتيال أحد المسؤولين فيه، علي حسن حيدر، في عدلون (جنوبي لبنان) في سبتمبر/أيلول 2014. وكانت تلك المرّة الأولى التي يُعلن فيها حزب الله عن تبنٍ رسمي لعمليّة ضد إسرائيل بعد حرب يوليو/تموز 2006. وبالتالي، ليس من مصلحة حزب الله أن يتراجع عن هذه المعادلة، ما يعني أنه سيردّ من دون أن يحصر جغرافيا الردّ في مزارع شبعا المحتلة أو في الجولان المحتل. فعدم الردّ يعني أن الحزب سمح للإسرائيلي بفرض معادلة جديدة.

4 ــ رغم أن لا مصلحة لحزب الله بالحرب الشاملة، لكن المنطق العسكري يفرض عليه تأمين الجهوزية الكاملة قبل الردّ، وذلك تحسباً لاحتمال وجود قرار إسرائيلي في التوسّع نحو حرب شاملة؛ رغم أن هذا الاحتمال بعيد، لكن حسابات الداخل الإسرائيلي خصوصاً مع اقتراب موعد انتخابات مارس/آذار قد تتغير. وقد يظهر شيء من الأجواء الإسرائيلية اليوم، حين يجتمع "الكابينت" لبحث التطورات بعد الغارة. لكن من جهة الحزب اللبناني، يبقى احتمال فتح جبهة شاملة أشبه بالقرار الانتحاري، لأسباب موضوعية، أبرزها واقع أن قوات حزب الله تنتشر على بقعة جغرافية واسعة (سورية ولبنان)، إضافة إلى الإرهاق الذي يطال المقاتلين بسبب حرب الاستنزاف الطويلة في سورية. وتُضيف مصادر سياسيّة لبنانيّة قريبة من النظام السوري، أن أي حرب شاملة يجب أن تأخذ في عين الاعتبار حجم الخسائر التي ستطال لبنان والحزب مباشرة، والتي "لا يبدو أن إيران قادرة على تحملها حالياً"، بسبب تدهور أسعار النفط من جهة، والاستنزاف المالي في سورية من جهة أخرى، وهو ما دفع حزب الله أخيراً إلى خفض ميزانية عدد من حلفائه في لبنان إلى النصف تقريباً، بحسب هذه المصادر.

5 ــ قُتل في الغارة الإسرائيليّة أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، محمد علي الله دادي. فقد أكّدت وكالة أنباء فارس الإيرانية، خبر مقتله، وأشار البيان الصادر عن الحرس الثوري الإيراني، إلى أنّ "دادي هو أحد المستشارين العسكريين الإيرانيين، الموجودين في سورية، حيث كان يقدم الاستشارات اللازمة للحكومة وللجيش هناك، لمواجهة الإرهابيين الذين يهددون أمن البلاد".

وبحسب موقع "يزدي نيوز" فإنّ دادي كان قائداً سابقاً للواء الغدير، في منطقة يزد الإيرانية. وتُشكل حادثة الاغتيال هذه، أول عمليّة اغتيال رسميّة تقوم بها إسرائيل لضابط إيراني رفيع في سورية. فقد سبق أن قُتل ضباط وعلماء، في سورية وإيران، ووجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل من دون وجود دليل علني واضح على هذا الاتهام.

كما أن بيان الحرس الثوري الإيراني، حول مهام الضابط، يُلغي فرضية أن "الجولة التفقديّة" للموكب بحسب ما جاء في بيان النعي الصادر عن حزب الله، كانت لمجموعات سوريّة تخطط لعملٍ مقاوم ضد إسرائيل، بل حصر البيان الإيراني المهمة في "محاربة الارهاببين".

6 ــ جاءت الضربة الإسرائيلية موجعة على الصعيد المعنوي أكثر من العسكري. فمقتل جهاد مغنية، نجل القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية، (اغتيل في دمشق في فبراير/شباط 2008)، تصدّر الأخبار، رغم أنه ليس الأعلى رتبة في الموكب الذي استهدف. الضربة القاسية عسكرياً، هي اغتيال محمد عيسى (أبو عيسى) المولود عام 1972، والذي شارك في العمل المقاوم ضد إسرائيل منذ تأسيس حزب الله.

لكن المعلومات المتوافرة عن المستهدفين في الغارة، تُشير إلى أن جميعهم أبناء بيئة حزب الله الصلبة. جهاد مغنية، لا يحتاج لتعريف، وهو الذي خسر والده، وعمّيه بعمليات اغتيال إسرائيلية. أمّا أبو عيسى، فبحسب وسائل إعلام لبنانيّة، فقد شيّع "عديله" (زوج شقيقة زوجته)، الذي قتل في سورية أيضاً، قبل اغتياله بأسابيع. أمّا عباس حجازي، فهو نجل أحد مؤسسي حزب الله (بحسب وسائل إعلام لبنانيّة)، ومتزوج من ابنة أبو حسن سلامة الذي اغتالته إسرائيل عام 1999. هذه الضربة الموجعة معنوياً، هي التي دفعت المتحمسين من جمهور حزب الله إلى المطالبة بـ"انتقام كبير". في المقابل، فإن جزءاً من بيئة حزب الله، وفي الجنوب تحديداً، لم يكن متحمساً لردّ يُدخل الجنوب بحرب مع إسرائيل، لعلمه بصعوبات النزوح بسبب الوضع السوري.

حروب إسرائيل على لبنان

في يونيو/تموز 2006، شنت إسرائيل آخر حروبها ضدّ لبنان. بررتها في حينه باختطاف حزب الله لجنديين إسرائيليين. قتلت إسرائيل في هذه الحرب أكثر من 1400 مدني وجرح نحو 4000 مدني لبناني، ودمّرت ما يزيد على 15000 وحدة سكنية وعشرات الطرقات والجسور، وقدرت خسائر لبنان الاقتصادية بنحو 15 مليار دولار بحسب موقع الجيش اللبناني. لكنها فشلت في الدخول البري إلى لبنان.

انتهت حرب عام 2006، بالقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن. وقضى القرار بانتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، بمساندة من قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) التي عززت ليصل عديدها إلى نحو 12 ألف جندي. كما قضى القرار بمنع أي مظاهر مسلّحة جنوبي الليطاني إلا تلك العائدة للسلطة الرسميّة. ومنذ ذلك الحين، يُعتبر الجنوب اللبناني من أكثر المناطق الهادئة أمنياً في لبنان رغم حصول بعض الخروقات، من نوع انفجار مخزن سلاح، أو الاشتباك الذي امتد لساعات فقط بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي في العديسة عند الحدود مع فلسطين المحتلة في أغسطس/آب 2010.

وكانت حرب 2006، أول حرب إسرائيليّة على لبنان بعد الانسحاب من جنوب لبنان في 24 مايو/أيار 2000. لكن قبل ذلك، شنت إسرائيل اعتداءات واسعة على لبنان في الأعوام 1997 و1999 و2000 واستهدفت بشكل خاص محطات الكهرباء والجسور وسواها من منشآت حيوية.

أمّا في إبريل/نيسان 1996، شنت إسرائيل حرباً واسعة على لبنان، بحجة أن حزب الله استهدف مدنيين إسرائيليين في شمال فلسطين المحتلة بالقصف الصاروخي. وقد جاء قصف حزب الله رداً على اعتداءات إسرائيل على المدنيين اللبنانيين. استمرت حرب 1996 لمدة 16 يوماً وقتل فيها 175 مدنياً لبنانياً، بينهم أكثر من مائة طفل وامرأة في مركز للقوات الدوليّة في بلدة قانا جنوبي لبنان، وبلغت خسائر لبنان نحو 500 مليون دولار بحسب الخبراء الاقتصاديين. وانتهت هذه الحرب بتوقيع "تفاهم نيسان" الذي قضى بتجنيب المدنيين من الطرفين.

وكانت إسرائيل قد شنت حرباً في يوليو/تموز 1993، لمدة سبعة أيام، حاولت فيها الضغط على الحكومة اللبنانيّة لمنع أي عمل مقاوم انطلاقاً من جنوب لبنان، لكن الحرب فشلت في تحقيق هذا الهدف. أما الحرب الكبرى على لبنان فقد شنتها إسرائيل في يونيو/حزيران 1982 ووصل جيشها إلى العاصمة اللبنانية بيروت، أول عاصمة عربية يدخلها بعد القدس، بحجة محاولة اغتيال أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين في لندن. لكن تلك كانت ذريعة اسرائيليّة لدخول حرب خططت لها إسرائيل مطوّلاً من أجل القضاء على منظمة التحرير الفلسطينيّة والمقاومة الوطنية اللبنانية. وانتهت الحرب، نظرياً، بانسحاب قوات المقاومة الفلسطينيّة بحراً إلى تونس، ثم حصلت مجزرة صبرا وشاتيلا بحق اللاجئين الفلسطينيين بعد أيام من هذا الانسحاب. واضطرت إسرائيل إلى الانسحاب من بيروت تحت ضربات المقاومة الوطنية في العام عينه.

ذات صلة

الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
الصورة
غارة جوية على قرية الخيام جنوب لبنان، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

سياسة

يكثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من سياسة تدمير المربعات السكنية ونسفها في جنوب لبنان على غرار الاستراتيجية التي يعتمدها في غزة منذ بدء حربه على القطاع
الصورة
آلية عسكرية إسرائيلية قرب حدود قطاع غزة، 6 أكتوبر 2024 (ميناحيم كاهانا/فرانس برس)

سياسة

شهر أكتوبر الحالي هو الأصعب على إسرائيل منذ بداية العام 2024، إذ قُتل فيه 64 إسرائيلياً على الأقل، معظمهم جنود، خلال عمليات الاحتلال في غزة ولبنان والضفة.