جاء إعلان سلطنة عُمان قبل أيام عن طرح مناقصة خلال شهر مايو/أيار الجاري، لإنشاء خط بحري لأنابيب الغاز، يربط بين مدينة صحار العُمانية وإيران، ليزيل الغبار عن مشروع ينظر إليه البلدان بأهمية في ظل التوقعات باحتياج مسقط إلى المزيد من واردات الغاز في السنوات المقبلة، وكذلك رغبة طهران في أن تكون السلطنة بوابة لتصدير الغاز للأسواق العالمية.
وطال تنفيذ مشروع تصدير الغاز الإيراني إلى عُمان، رغم الاتفاق عليه قبل ما يقارب أربع سنوات، والذي يقضي بتصدير عشرة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني سنوياً، من خلال أنابيب تمتد عبر خليج عُمان، لتصل إلى ميناء صحار، ويبلغ طولها نحو 260 كيلومتراً، وجاء الاتفاق خلال زيارة قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى السلطنة بعد وصوله إلى سدة الرئاسة في عام 2013.
وقال محمد حسين سيف اللهي، الصحافي الإيراني المتخصص في الشؤون الاقتصادية، إن عمر هذا المشروع أطول بكثير من ذاك التاريخ، فالحديث عن الفكرة بدأ قبل 14 عاماً تقريباً، إذ اتفق الطرفان على التوصل لهذه الصفقة على هامش مؤتمر لمنظمة "أوبك"، وهو الذي يقضي بتصدير 30 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني في اليوم الواحد إلى السلطنة، ومن ثم تأجل المشروع إلى عام 2013 بسبب عوامل كثيرة.
ورأى سيف اللهي أن هذا المشروع يفتح لإيران فرصة الدخول لسوق الغاز المسال، ولا سيما أنها مازالت تصدر غازها الطبيعي عبر أنابيب إلى الشركاء، متوقعاً أن يكون للشركات الأجنبية حصة كبرى من المشروع ولاسيما أن مناقصة ضخمة بانتظار المتنافسين، البالغ عددهم ثمانية تقريباً، حسب قوله.
واعتبر أيضاً أن مخزون سلطنة عمان من الغاز الطبيعي قليل، مقارنة ببقية الدول المحاذية لها، وهو ما سيجعل هذا المشروع هاماً للغاية بالنسبة لمسقط بالدرجة الأولى، فستؤمن غازها، كما ستحقق منفعة لإيران من خلال إعادة تصدير الغاز الذي سيتحول جزء منه إلى دول ثانية.
وفي فبراير/شباط 2016، حملت زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى طهران عناوين وملفات اقتصادية بالغة الأهمية، وكان لصفقة الغاز الضخمة هذه حصة كبيرة من الزيارة، فالتقى بن علوي حينها بوزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، بحضور وزير التجارة العماني علي السنيدي ورئيس مؤسسة التنمية وتطوير الصادرات سالم الإسماعيلي.
وأكد بن علوي في ذاك الوقت أن مشروع الغاز سيدخل حيز التنفيذ العملي خلال ستة أشهر، وهو ما سيوفر فرصة تصدير الغاز الإيراني لبلدان ثانية انطلاقاً من الأراضي العمانية.
لكن المحلل الاقتصادي الإيراني حسين أنصاري فرد، برر سبب هذا التأخير بوجود عوامل سياسية ومسببات اقتصادية، موضحا أن "سلطنة عمان عضو هام في مجلس التعاون الخليجي، وبسبب بروز خلافات بين إيران والسعودية من جهة والإمارات من جهة ثانية، فضلاً عن حصول الأزمة الخليجية، كل هذا أخّر دخول المشروع إلى حيز التطبيق العملي".
ورأى أيضاً أن تكلفة إنجاز المشروع داخل الأراضي الإيرانية ستكون على عاتق إيران نفسها، وستتولى شركة النفط الوطنية ذلك عبر مؤسساتها، معتبراً أن ارتباطاتها الكثيرة وصفقاتها العديدة، وتركيزها كذلك على إنجاز ومتابعة مشروع خط السلام، الذي من المفترض أن يوصل الغاز الطبيعي إلى باكستان والهند، فضلاً عن ضرورة تأمين احتياجات الداخل من الغاز الطبيعي، واحتياجات الخارج التي من المفترض أن ترسلها إيران للشركاء، ساهم كذلك بإعادة صياغة العقد عدة مرات.
ونوه إلى إمكانية تسريع المشروع بعد إعادة صياغته قبل فترة، فكان من المفترض أن تشارك دولة الإمارات في جزء منه، وعادت وغيرت كل من مسقط وطهران خريطة المشروع، ليبدأ من أنابيب تمتد براً عبر الأراضي الإيرانية، وهو ما سيقع على عاتق إيران، ومن ثم يصل إلى المياه الخليجية، لتتولى مهمة مد الأنابيب عبرها شركة أجنبية.
ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة المشروع 2.5 مليار دولار، وتحاول شركات روسية وصينية وفرنسية الحصول على مناقصته، لخبرتها في امتلاك التكنولوجيا اللازمة لنقل الغاز عبر البحار، ويتوقع خبراء إيرانيون أن يفتح هذا الباب أمام تصدير غاز بلادهم إلى دول أخرى كاليمن وغيرها.
ومن المتوقع كذلك أن يتطلب استكمال المشروع عامين تقريباً، لتبدأ طهران بضخ الغاز بعدها، هذا بحال تم تجاوز كل العقبات، واستطاعت إحدى الجهات الحصول على المناقصة التي ستطرحها عمان.
كان المدير التنفيذي للشركة الوطنية لتصدير الغاز الإيراني أمير معيني، أعلن في فبراير/شباط الماضي، أن اختيار آلية تطبيق مشروع تصدير الغاز الطبيعي إلى عمان ما زال قيد الدراسة.
ونوه إلى أن هذا المشروع سيستمر لمدة 15 عاماً على الأقل، ويرمي لإيصال الغاز المسال إلى السوق الإقليمية انطلاقاً من إيران التي سترسل الغاز الطبيعي ومنها إلى سلطنة عمان التي ستدخل في مشاريع تكثيف الضغط وتأمين المعدات اللازمة بعد مد الأنابيب المطلوبة التي ستصل إلى وجهتها في ميناء صحار العماني.
أما سلطنة عمان التي تنتج نحو 96 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، وتستورد 5 ملايين متر مكعب يومياً من الإمارات، فتراجع إنتاجها من الغاز في سنوات سابقة وانخفض مخزونها، وهو ما يتطلب تعويضاً قد يوفره مشروع الغاز الإيراني الضخم.
ورأى رضا وثوقي، رئيس تحرير مجلة أرض الطاقة الاقتصادية، أن لدى مسقط برنامجا تنمويا يهدف لإحداث نهضة وتنمية اقتصادية كبيرة ومشروع الغاز الإيراني جزء منه بحسب وصفه.
وقال وثوقي لـ"العربي الجديد"، إن ثلاث جولات من المحادثات على الأقل خضع لها المشروع بعد الاتفاق عليه، وهو ما أجّل تطبيقه، بسبب دور الإمارات التي عملت على تأخير المشروع، الذي سيمر من الطرف الشرقي لمضيق هرمز نحو سلطنة عمان مباشرة دون المرور بطرف ثالث.
وأشار إلى أن لدى إيران القدرة على تصدير الكمية المطلوبة منها، لكنها ستستمر بالاستفادة من حقولها الجنوبية وخاصة الموجودة في منطقة (شهر افتاب) أو المسماة بغوزة.
وأضاف أن سلطنة عمان تتمتع بموقع جغرافي استثنائي، قد يفتح لإيران الباب نحو حصد نتائج اقتصادية هامة، لافتاً إلى أن المشروع يحتاج ما يزيد عن 1.2 مليار دولار.
ورغم التأخير في تنفيذ المشروع فقد رأى وثوقي، أن مشروعاً بهذا الحجم يحتاج وقتاً للتخطيط والتنفيذ، مشيراً إلى أنه بعد العام 2020 سيبدأ الطرفان في حصد النتائج المرجوة.
لكن المتحدث الإيراني نوه إلى مسألة ارتفاع مستوى استهلاك الغاز في عمان بين الأعوام 2002 و2012، موضحاً أن هذا الاستهلاك بحال استمر بالازدياد، فسيؤثر على خطة تصدير الغاز الإيراني من عمان إلى الخارج، كون المشروع سيركز على تلبية احتياجات السلطنة كذلك، وهي التي تستخدم الغاز الطبيعي في الصناعات وفي القطاع البتروكيماوي على وجه الخصوص.
ووسّعت إيران، خلال الأشهر الأخيرة، من تحركاتها نحو تحصين الاقتصاد، عبر خلق بدائل في مختلف المجالات مع شركائها الرئيسيين القدامى أو شركاء جدد، لتفادي تداعيات العقوبات المحتملة حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الست (الصين، روسيا، أميركا، فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) مع طهران في 2015، وتم بمقتضاه رفع العقوبات الاقتصادية عنها مطلع 2016.
وبجانب التوسع في سوق الغاز، تبدو إيران متمسكة بالحفاظ على حصصها في سوق النفط العالمي، حيث لوحت وزارة النفط في إبريل/نيسان الماضي، بخفض أسعار نفطها في السوق العالمية لحماية حصتها السوقية. ووفق وزير النفط بيجن زنغنه، فإن صادرات بلاده من الخام والمكثفات تبلغ 2.5 مليون برميل يومياً حالياً.
ويتصاعد القلق من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو/ أيار المقبل وفرض عقوبات جديدة على طهران، وهو ما أظهرته تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزارة الخارجية الأميركية خلال الأيام الأخيرة.