مع اقتراب نهاية يناير/كانون الثاني، التي كان من المقرر أن تتوجه فيها الأطراف اليمنية إلى جولة جديدة من المحادثات السياسية، يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث جولاته المكوكية في أكثر من عاصمة بالمنطقة، لإنقاذ اتفاق استوكهولم بشأن مدينة الحديدة الاستراتيجية، والتي كانت أبرز ما خرجت مفاوضات تديرها الأمم المتحدة منذ سنوات، لكن باتت في مهب الريح، في ظل العقبات التي تواجه التنفيذ.
ويوجد غريفيث في صنعاء منذ مساء الاثنين الماضي، إذا أفادت مصادر سياسية بالعاصمة اليمنية لـ"العربي الجديد"، أن سلسلة لقاءات يجريها مع قادة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، تتمحور حول سبل تنفيذ اتفاق السويد بما في ذلك الوصول إلى أرضية اتفاق مع الحوثيين للتعاون مع البعثة الأممية المعنية بمراقبة تنفيذ اتفاق الحديدة المبرم في استوكهولم في الـ13 من ديسمبر/كانون الأول المنصرم.
ووفقاً للمصادر، يواجه الجانب الأممي موقفاً رافضاً من قبل الحوثيين بالتعاون مع أعضاء فريق المراقبين الدوليين، الذين يترأسهم الجنرال الهولندي المتقاعد، باتريك كاميرت، حيث تعرض موكب الأخير لإطلاق نار في الحديدة مؤخرا، تبادلت فيه القوات الحكومية والحوثيون الاتهامات، في ظل استمرار الانتقادات الحوثية العلنية لكاميرت واعتباره منحازاً لخصومهم، وهو الموقف الذي جددته الجماعة، يوم الاثنين، على لسان الأمين العام لمكتبها السياسي فضل أبوطالب، والذي قال لمعين شريم، نائب المبعوث الأممي، خلال لقاء جمعهما في صنعاء إن "كاميرت يحاول حرف مسار اتفاق الحديدة وجره إلى سياقات خارج ما تم التفاهم عليه في السويد".
وتعد زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء، الثاني بأقل من شهر، والأولى من نوعها، بعد القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي ويحمل الرقم 2452، وكان أبرز ما تضمنه الموافقة على طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بنشر مراقبين إضافيين لوقف إطلاق النار في الحديدة (أكثر من 70 مراقباً) وكذا "إنشاء بعثة سياسية خاصة، هي بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، من أجل دعم تنفيذ الاتفاق المتعلق بمدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى المنصوص عليه في اتفاق استوكهولم"، علماً أن صيغة "البعثة السياسية" لا تزال تثير جدلاً، إذ ليس من الواضح، ما إذا كانت تعني توسيع مهام اللجنة الرقابة في الحديدة، إلى الجانب السياسي، أو اعتبار الأخيرة بديلاً عن الأولى، التي تواجه العديد من العقبات بالقيام بعملها.
وعلى عكس قرار مجلس الأمن السابق 2451 بشأن اليمن، والصادر في الـ21 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ولاقى ترحيباً جزئياً من الحوثيين، بدا موقف الجماعة، أكثر تحفظاً تجاه القرار الأخير، الذي وسع من مهام المراقبين، وتقول مصادر سياسية يمنية، إن كاميرت يخطط لنقل اجتماعات لجنة التنسيق وإعادة الانتشار المؤلفة من أعضاء عن الحكومة والحوثيين إلى خارج اليمن، بعد أن فشل في مواصلة اجتماعاتها بمدينة الحديدة.
وتشكلت لجنة التنسيق وإعادة الانتشار في الحديدة، بناءً على اتفاق الحديدة في استوكهولم، وتضم ثلاثة أعضاء عن الحكومة ومثلهم عن الحوثيين برئاسة الأمم المتحدة، واجتمعت في الحديدة (بمناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين)، لأسبوعين متتاليين، عقب تشكيلها، إلا أن القوات الموالية للجماعة، منعت في وقتٍ لاحق حضور ممثلي الجماعة، للاجتماع بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ما أدى إلى تعقيد مهمة اللجنة، وزاد من ذلك، حادثة إطلاق النار التي تعرض لها موكب رئيس فريق المراقبين الدوليين يوم الخميس الماضي، أثناء خروجه من اجتماع مع ممثلي الحكومة في لجنة إعادة الانتشار.
وفي الوقت الذي لم تؤكد فيه الأمم المتحدة رسمياً، معلومات عن التوجه بنقل اجتماعات لجنة إعادة الانتشار إلى خارج اليمن، تمثل الخطوة إذا ما تمت، اعترافاً بالتعقيدات التي وقفت أمام المنظمة الدولية في الحديدة، وبالتالي فإنها ستلتقي بظلالها على خطة الأمين العام للأمم المتحدة بنشر المزيد من المراقبين. وفي السياق نفسه، يسعى غريفيث الموجود في صنعاء، إلى الخروج بتفاهمات مع الحوثيين من شأنها أن تحدث انفراجة في خطوات اتفاق الحديدة، بما في ذلك إمكانية التفاهم حول نقل اجتماعات لجنة إعادة الانتشار إلى خارج البلاد وانتزاع موافقة الحوثيين على نشر المزيد من المراقبين.
من زاوية أخرى، تأتي جولة غريفيث في وقت تتواصل فيه اجتماعات لجنة اتفاق تبادل الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسرياً من الجانبين في العاصمة الأردنية عمّان، حيث تبادل الطرفان الملاحظات حول كشوفات الأسرى المقدمة من كل طرف، وتضم الآلاف من الأسماء، بعدما كان الاتفاق بشأن التبادل وآلية التنفيذ بمشاركة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ثاني أهم ما خرجت مشاورات السويد إلى جانب اتفاق الحديدة.
وأعلنت الأمم المتحدة في ختام محادثات استوكهولم الشهر الماضي، أنها تسعى لجمع الطرفين على طاولة مفاوضات جديدة أواخر الشهر الجاري، تتناول الأجزاء الأخرى التي لم يتم الاتفاق حولها في السويد، بما فيها الإطار السياسي للحل الشامل في البلاد. ومع ذلك، فإن التعقيدات في طريق ما تم الاتفاق عليه الشهر الماضي، لا تزال هي المتصدر للتحركات الأممية في ظل التهديد الذي يعترض طريق التنفيذ ويهددها بالانهيار.