مثّل الحصار الإسرائيلي الذي فُرض على قطاع غزة صيف العام 2006، القشة التي قصمت ظهر الحياة المائية في القطاع الذي يقطنه نحو مليوني إنسان.
وتُعد المياه الجوفية المصدر الوحيد لتلبية حاجات القطاع في مجالات متعددة، المنزلية والصناعية والزراعية، إلا أن جملة من التحديدات الخطرة تواجه المخزون الجوفي، أبرزها الزحف العمراني الذي أدى إلى انخفاض نسبة المياه المترشحة إلى الأرض، إلى جانب إنشاء الاحتلال للآبار على طول الحدود لمنع الانسياب الجانبي للمياه الجوفية داخل القطاع، وإقامة السدود على الأودية لمنع الاستفادة من المياه السطحية، الأمر الذي جعل من مياه الأمطار المصدر الوحيد لتغذية الخزان الجوفي.
وضع كارثي
ويصف المدير العام لمصلحة مياه بلديات الساحل، منذر شبلاق، الواقع المائي في قطاع غزة بالكارثي، ويقول إن نسبة المياه غير الصالحة للاستخدام الآدمي وصلت إلى 95%، أما النسبة المتبقية فمهددة بالتلاشي خلال السنوات القليلة المقبلة، وذلك بسبب ارتفاع نسبة المركبات الكيمائية في المياه؛ نتيجة للسحب غير المنظم للمياه الجوفية"، مبيناً أن أعلى نسبة ملوحة تم تسجيلها في آبار المياه كانت في "مخيم الشاطئ" للاجئين غرب مدينة غزة، ووصلت لـ1600 مليغرام/لتر، بما يعادل نسبة ملوحة مياه البحر.
وأشار شبلاق، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى عدم وجود نظام صرف صحي يمكن من خلاله تجميع المياه ثم معالجتها والاستفادة منها برفع منسوب الخزان الجوفي وتعويض الفاقد، أو بمد القطاع الزراعي بالمياه الخاصة بالري، موضحاً أن المواطن الواحد يعاني من نقص المياه بمقدار النصف وفق المعدلات العالمية، فمعدل استهلاك الإنسان من المياه في القطاع 80 لتراً، بينما تحدد المعدلات العالمية 150 لتراً للفرد الواحد.
ونبه شبلاق إلى أن ما يسحب من الخزان الجوفي أعلى بكثير مما يتم تجميعه من مياه الأمطار أو مياه الصرف الصحي المعالجة، حيث يصل العجز السنوي لنحو 100 مليون متر مكعب، ففي الوقت الذي يستهلك القطاع نحو 180 مليون متر مكعب في العام، يعود للخزان الجوفي كمصادر متجددة نحو ثمانية ملايين متر مكعب في العام الواحد، الأمر الذي أوجد حالة عدم التوازن بميزان المياه في قطاع غزة.
مياه البحر
ويوضح شبلاق أن حفر المواطنين للآبار المنزلية من دون رقابة أدى إلى تسارع استهلاك المياه، وزحف مياه البحر نحو المياه الجوفية، مشدداً على أهمية تحسين محطات معالجة مياه الصرف الصحي وزيادة كفاءتها والعمل على الاستفادة من المياه المعالجة لإعادة استخدامها بالزراعة، إلى جانب تبديل شبكات التوزيع والمعدات والاتجاه نحو مشاريع تحلية المياه.
وتفاقمت أزمة ملوحة المياه مع اختلاط مياه البحر الأبيض المتوسط بمياه الخزان الجوفي العذبة، وامتداد
خطر الملوحة لعمق كليومترين داخل القطاع، إلى حد لم يعد بمقدور المواطنين الغزيين الاستحمام بالمياه التي يتم استخراجها من الخزان الجوفي؛ نظراً لملوحتها الشديدة، ما يضطرهم لشراء "المياه المحلاة" من محطات التحلية، والتي باتت منتشرة بشكل كبير بين الأحياء السكانية.
بدوره، ذكر نائب مدير سلطة المياه، مازن البنا، لـ "العربي الجديد" أن الخزان الجوفي أصبح لا يلبي احتياجات قطاع غزة، والذي يشهد زيادة سكانية متسارعة، في ظل تهالك مقومات البنية التحتية المائية، الأمر الذي دفع نحو وضع خطط عاجلة ومشاريع استراتيجية تتكفل بوضع حد للمشاكل المتفاقمة لقطاع المياه، بما يلبي متطلبات الحاضر والمستقبل، مؤكداً على أهمية المطالبة بالحقوق المائية الفلسطينية الثابتة التي يدمرها الاحتلال الإسرائيلي ويستولي على مصادرها.
ويضيف البنا: "في عام 2007 وضعت خطة لإنشاء ثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، أولاها في شمال القطاع وتعالج نحو 30 ألف متر مكعب في الساعة وتخدم محافظات بيت لاهيا وبيت حانون، أما الثانية فخصصت لخدمة محافظة غزة والمحافظة الوسطى بقدرة انتاجية تقدر بنحو 200 ألف متر مكعب يومياً، بينما كانت الثالثة في الجنوب وتخدم المناطق الجنوبية من القطاع، وتعالج نحو 40 ألف متر مكعب يومياً، إلا أن مرحلة التنفيذ اصطدمت بالحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر الحدودية".
ويلفت البنا إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي عمد خلال فترة سيطرته على القطاع على إنشاء التجمعات الاستيطانية في الأراضي التي تتميز بوفرة الخزان الجوفي، مما مكّنه من السيطرة على أكثر من عشرة ملايين متر مكعب سنوياً من أعذب مصادر المياه الجوفية. وكذلك حفر الاحتلال العديد من الآبار الاسترجاعية والمصائد المائية على طول حدود القطاع الشمالية والشرقية، مما تسبب بنهب نحو 20 مليون متر مكعب من المياه".
ويوضح المسؤول الحكومي في غزة أن إسرائيل خلال احتلالها لغزة عام 1967، نفذت العديد من الخطط التي تهدف إلى نهب المخزون الجوفي، فوادي غزة الذي يبلغ طوله (160 كم)، يجري فيه سنوياً 20 مليون متر مكعب، ولكن نتيجة للسدود التي يقيمها الاحتلال على حدود الوادي الشرقية مع القطاع، لا يصل شيء من تلك الكمية، إلا عندما تفيض كميات المياه عند السدود، فيفتحها بشكل مفاجئ تجاه الأراضي الزراعية، مما يتسبب في غرق المزارع مع المنازل المحيطة بمجرى الوادي.
وينتهك الاحتلال الإسرائيلي جميع المواثيق الدولية والمعاهدات التي أكدت على حق الحصول على المياه، وعدم السيطرة على مصادرها وسرقتها، إلى جانب أن الاحتلال يخالف الاتفاقيات التي وقعها مع السلطة الفلسطينية والتي أكدت على الحقوق المائية الفلسطينية.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، قد قال "أن نعطي ياسر عرفات السيطرة على مصادر المياه، فهذه مخاطرة كبيرة جداً".