غزة: صحافيون على خطى آبائهم

05 فبراير 2017
كما آباؤهم (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
"مهنة الآباء في أيدي الأبناء"، عبارة ترجمها عدد من الصحافيين والمصورين الفلسطينيين على أرض الواقع، حين ساروا على نفس الدرب الذي شقه آباؤهم في طريقهم "الوعِر" ومسيرتهم في مهنة الصحافة التي تعد واحدة من أكثر المهن تعباً ومشقة. 

اللقب الذي أُلصِق بصاحبة الجلالة "مهنة المتاعب" لم يثنِ عدداً من الصحافيين على اقتفاء أثر آبائهم وأمهاتهم الصحافيين والصحافيات، بل زادهم إصراراً على تحدي تلك المتاعب، وتطويعها من أجل عكس هموم وآمال وتطلعات أبناء الشعب، وإيصال الرسالة، وخدمة القضية.

الأوضاع السيئة في قطاع غزة المحاصر منذ عشرة أعوام، وانعدام فرص العمل والتوظيف كذلك لم تثنِ هؤلاء الصحافيين، بل شكلت حافزاً إضافياً للتقدم والاستمرار، من أجل إثبات النفس، والحفاظ على مسيرة آبائهم الطويلة.

المدير التنفيذي لشركة ميادين الإعلامية الصحافي فارس الغول يقول لـ"العربي الجديد" إنه اختار مهنة المتاعب بعد أن حببه فيها والده الإعلامي مروان الغول، والذي يعد من أوائل الصحافيين الفلسطينيين، الذين شاركوا بتغطية أهم الأحداث التي مرت فيها القضية الفلسطينية.
ويوضح الغول أن تأثير والده عليه كان كبيراً، إذ كان يدفعه منذ الصغر لحمل الكاميرا ومرافقته إلى العمل: "والدي لم يُطلِق في يوم من الأيام على الصحافة عبارة (مهنة المتاعب)، بل كان يخبرني أنها (مهنة الوطن)، ويوصيني بعدم الانحياز أو التحزب أو قبول رشوة"، مشيراً إلى أنه لم يكن يفكر في أن يصبح صحافياً، لولا أن والده كان سبباً في عشقه لهذه المهنة، وأنه يحاول إكمال مسيرة والده.

الحال لم يختلف كثيراً عند الصحافي شهير الحلو، الذي يعمل مصوراً في تلفزيون فلسطين الرسمي، وقد عمل مصوراً حراً في عدة مكاتب وشركات خاصة، ويقول إنه تأثر بعمل والده الصحافي معين الحلو الذي بدأ العمل قبل نحو 22 عاماً، كمذيع ومدير للقسم العبري في التلفزيون، وأصبح شغوفاً بامتهانها.



ويشير الحلو الذي بدت حكايته منذ الحرب الأولى على قطاع غزة عام 2008 إلى أن والده كان داعمه الأول وقدوته، موضحاً أنه هوى التصوير منذ صغره، من أجل عكس صورة مدينته وإيصال معاناتها وآلامها وآمالها إلى العالم "علينا التوحد في وجه الظلم والانتهاكات سواء السياسية أو انتهاكات الاحتلال".

بدوره، يقول الصحافي ثائر أبو عون مراسل وكالة النيو تايز الروسية، إنه اختار مهنة الصحافة لشغفه بها، رغم دراسته اللغة الإنكليزية، لافتاً إلى أن بالغ الأثر في ذلك الاختيار يرجع لوالده الصحافي فايز أبو عون، الصحافي في جريدة الأيام، والذي يعد من أقدم الصحافيين، الذين كتبوا في عدة صحف.

ويشير أبو عون بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن توجيهات والده كانت ذات أثر كبير في صقل مهارته الإعلامية، والتي بدأت في الثامنة عشرة حين كتب أول تقرير لزاوية اقتصادية في احدى المجلات، لافتاً إلى أن حبه لهذه المهنة ازداد بعد أن شهد إصرار والده عليها رغم الصعوبات التي واجهها، "الذي يعمل في مجال الصحافة يحمل قضية ينبغي عليه إيصالها بالشكل الموضوعي، وبمهنية".

الأمر اختلف قليلاً عند الصحافي محمد شحادة الذي امتهن مهنة الصحافة مصادفة، وعن ذلك يقول لـ"العربي الجديد": كنت أدرس في فرنسا حين بدأت الحرب الأولى على قطاع غزة عام 2008، ورأيت اهتمام الأجانب بالأخبار الواردة من القطاع، وبعد رجوعي لغزة عام 2012 بدأت الحرب الثانية، وكنت وحيداً في المكتب بعد أن سافرت شقيقتي بيسان وزميلي رامي أحمد وسلام أبو طاحون لتلقي دورة في الخارج.

ويضيف: "حين وُضِعت بهذا الموقف، تجسدت أمامي صورة والدي عبد السلام شحادة الذي بدأ في مهنة الصحافة مع أوائل الصحافيين الفلسطينيين، فقررت إكمال مسيرته، وإثبات ذاتي من خلال عملي الذي استمر من ذلك الحين حتى اللحظة كمصور وبرديوسر ومنسق للتلفزيون الألماني".

الصحافي محمد أبو سيف، لفته التطور في عمل والده المصور سواح أبو سيف، والذي بدأ عمله كمهندس صوت، ويقول لـ"العربي الجديد" إنه لا يحب العمل المكتبي الروتيني، ويعشق جو المغامرة، لذلك اقتفى أثر والده.

ويوضح أن توجيهات والده رافقته منذ اللحظة الأولى التي درس فيها اللغة الإنكليزية، واستخدمها في عمله الإعلامي، لافتاً إلى أن والده دفعه إلى التغلب على الإحباط الذي أصابه أكثر من مرة نتيجة الظروف الوظيفية، "حصلت على نصائح والدي خلال تغطية الأحداث الساخنة، وكان يصبر والدتي حين أغيب، كان سبباً في حبي لمهنة المتاعب، ودافعاً للاستمرار".