غزة.. ماذا بعد؟

05 أكتوبر 2014
+ الخط -

الهزيمة من الفعل هزَمَ يهزِم، فهو هازم، والمفعول مَهْزوم وهزَم خَصمَه كسَر شوكتَه وانتصر عليه وقهَره، وفي اللغة، أيضاً، الهزيمة بئر كثيرة الماء، لا قرار لها، من يقع فيها لا يقف على قدميه. فهل للفلسطيني شوكة كسرت، أو يمكن كسرها، أم أشواك لم تكسر كلها وهو قادر على الوقوف على قدميه مجدداً ودائما. ويقال، أيضاً، انهزم من أمام الخصم، أي ولى الأدبار وركض هارباً، فهل هزمنا حقا وولينا الأدبار، ومتى حدث ذلك وكيف ولماذا؟

لقد ولينا الأدبار في سنة 1948 وفي 1967، وقلنا نكبة ونكسة، ولم نقل هزيمة، وفي 1982 خرجنا من بيروت مرغمين، وتركنا لحمنا الطري للجزار في صبرا وشاتيلا. لم نقل هزمنا، وقتها، وقد خرج المقاتلون وهم يرفعون أصابعهم بعلامات النصر والرصاص يلعلع ابتهاجاً بالمناسبة السعيدة.
 
نحن العرب ربما أكثر من غيرنا، نحتاج إلى فهم فلسفة الهزيمة والكتابة عنها، ليس لأن الهزائم تلاحقنا على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات فقط، ولكن، لأننا لا نكتب بصراحة ووضوح عن هزائمنا، ونحاول وهماً لا علماً، تحويل الهزائم إلى نصر مدوٍ، ننحت له الخطابات الرنانة، وأشعار الحماسة والتضليل.
 
نعم، الهزيمة لا تحدث فجأة، أو بدون توطئة أو أسباب، وهي ليست نصيباً ولا قدراً، بل هي من نتاج ما فعل المهزوم، أو بالأصح ما لم يفعل ليتجنبها. وقد حققت الشعوب العربية بفعل أنظمتها العبقرية إنجازات كبيرة في مجال الهزيمة.

خلاصة القول أن النفسية العربية كانت مهيأة لهزيمة جديدة مع بدء العدوان على غزة، ولكن المقاومة لم توَلّ الأدبار، ولم تخرج مطأطئة الرأس، لكن الجميع ترك لحم غزة للهمجية الإسرائيلية، وهذا يحتاج إلى جردة حساب خاصة. والهزيمة العربية التقليدية لم تتحقق، وخرجت غزة من العدوان مرفوعة الرأس، على الرغم من أنها تركت وحدها في مواجهة همجية طاحنة وغير مسبوقة، وهذا ما يطرح علينا جميعاً سؤالاً قديما، ولكنه، في هذه المرة، بطعم جديد، ماذا بعد؟

لقد جربنا المفاوضات منذ أزيد من عشرين عاماً، بلا جدوى، والآن، بعد تجربة غزة، ندرك حجم العنف الإسرائيلي وتخاذل العالم، فالفلسطيني بالمقاومة ينزف دماً، وبغيرها ينزف أرضا، وها هي أكثرمن 3800 دونم إجمالي مساحة الأراضي التي أعلنت إسرائيل نيتها مصادرتها، من أراضي قرى بتير وواد فوكين وصوريف والجبعة وحوسان، غرب وجنوب بيت لحم، ما يؤدي إلى ربط مجمع "غوش عتصيون" الاستيطاني الذي يعتبر أكبر تجمع مستوطنات في جنوب الضفة المحتلة. فماذا نحن فاعلون؟

لم ننتصر ولم ننهزم، أيضاً، لم تنجح المفاوضات، والمقاومة تقدم لنا الأمل، وعلى الرغم مما أنجزته المقاومة، في هذه المرة، من تحضير واستعداد وعمل بطولي، وهي التي وضعت كل إسرائيل تحت مرمى النيران، وكسرت سمعة نخبة الجيش الإسرائيلي، إلا أن المؤامرات عليها لم تتوقف، والطريق ما يزال طويلا.

تمتلك إسرائيل قوة عسكرية هائلة، مدعومة بمراكز للفكر والدراسات والتكنولوجيا، وقوة اقتصادية كبيرة، وقيادة لديها رؤية استراتيجية يجري تنفيذها على الأرض بشكل منظم، بحيث تخوض الحروب والمفاوضات، وهي تعرف كيف ومتى تستخدم أدوات الحرب والسياسة، لتحقيق غاياتها، فهل نحن كذلك؟ ومتى وكيف، وبأي وسيلة، نحول صمودنا إلى ورقة ضغط متنامية، وليست عابرة.

هناك إيجابيات كثيرة تحققت في أثناء العدوان على غزة، وهناك سلبيات، لكنها لم تكن هزيمة، ولا أعتقد أننا يجب أن ننجر خلف الخطاب الشعبوي الذي يكتفي بالتطبيل للنصر، فالطريق طويل، ويحتاج إلى تضحيات هائلة، وحسبنا أن نكتشف المعادلة بين العيش والتقدم للأمام، وربما نحتاج إلى تفكير كثير في واقعنا ومستقبلنا، الكثير منه بالتأكيد.

59EF77BD-BEBA-467B-833E-435AD00A5E2D
59EF77BD-BEBA-467B-833E-435AD00A5E2D
حيدر البستنجي (الأردن)
حيدر البستنجي (الأردن)