"أتمنى أن يحرق كتابك؟"، "أنت كاذبة ومزوّرة للتاريخ"، "ليس هناك شيء اسمه الشعب الفلسطيني. لم أجد فلسطين على الخارطة". هذه عيّنة من الشتائم التي كتبت على صفحات الفيسبوك، مصحوبة بالتهديدات والصور النابية التي لا تشتم الفلسطينيين فقط، بل غولبرغ باشي، الباحثة الأكاديمية ومؤلفة كتاب الأطفال "P is for Palestine".
وباشي من أصل إيراني عاشت في السويد قبل أن تنتقل إلى نيويورك. كل هذا الضجيج، لأنها تجرأت وأصدرت كتاباً للأطفال يحمل اسم فلسطين ويتحدث عن ثقافتهم، وأعلنت عن تنظيم قراءات في مناطق غنية ومتنفذة في مانهاتن، في نيويورك. هذا الكتاب الذي أثار زوبعة من العداء والشتائم لا يفعل أكثر من تقديم الثقافة الفلسطينية بشكل طبيعي وجميل وشيّق. وكان مجرّد ذكر اسم فلسطين سبباً لمهاجمة صاحبته، غير الفلسطينية، والفلسطينيين عموماً.
استلهمت الكاتبة فكرتها من سلسلة كتب الأبجدية التي تأخذ بلداً أو موضوعاً وتحاول أن تثقف الأطفال حوله عن طريق ربطه بالأبجدية وتعلّم الحروف. تقول باشي، في لقاء مع "العربي الجديد"، في نيويورك، حول فكرة المشروع وعن السبب وراء اختيار فلسطين كموضوع لكتابها: "أسكن في منطقة بمانهاتن في نيويورك، فيها عدد كبير من المكتبات أتردد عليها كثيراً. أضف إلى ذلك فإنني كأم أطّلع على الكثير من الكتب التي تنشر في هذا المجال للأطفال. ولاحظت أن عدد الكتب المخصّصة للأطفال بالإنكليزية عن مناطقنا في الشرق الأوسط، وعن فلسطين بشكل خاص، قليل جداً. أعني كتباً للأطفال تعطي وجهة نظر راديكالية يسارية ونقدية".
تضيف باشي أنها لم ترغب فقط في أن يتعلّم أولادها عن تاريخ المنطقة بصورة نقدية فقط، بل أرادت كذلك أن تكون أمامهم الإمكانية لمصدر يتعرّفون من خلاله بشكل إيجابي على ثقافات أهلهم وأصولهم". تقول أيضاً: "يحتاج الأطفال عموماً أن يروا أنفسهم وهوياتهم تأخذ حيزاً وتتجلى بشكل إيجابي أمامهم ومن حولهم، خاصة عندما يكونون من أصول مهاجرة". وتؤكد أن "قضية فلسطين هي في نهاية المطاف قضية حقوق إنسان وقضية حق مركزية لكل شعوب المنطقة، ولا يمكن لأي طفل، حتى لو لم يكن أصله فلسطينياً، أن لا يتعلم عنها". كما أرادت أن تقدّم للأطفال الذين ينحدرون من أصول فلسطينية لفتة وتشجيعاً.
يعود تراث كتب الأبجدية في الثقافات الغربية الأوروبية أو المنحدرة منها إلى قرون مضت. وتزامن ذلك مع الثورة الاجتماعية والإصلاحات في مجال التعليم والطباعة ومجالات أخرى، كما تشير باشي.
وعندما تضع إصدار كتاب الأطفال هذا في سياقه الأوسع، فهي تريد أن تلفت الانتباه إلى أنه من الضروري لأبناء المهاجرين أن يجدوا تصويراً إيجابياً لثقافتهم الأم بتلك اللغات التي تصبح لغتهم الثقافية والتعليمية. كما أنه من الضروري أن يتمكنوا في مدارسهم من البحث والعودة إلى تلك الكتب كمصادر للبحث في المشاريع المدرسية التي تحفزهم للذهاب إلى عوالم أوسع.
ولكن ماذا عن النشر؟ أي صعوبات واجهتها؟ تقول باشي في هذا السياق "لقد حاولت في الماضي نشر كتب للأطفال حول الثقافة الإيرانية، تتعلق بعيد رأس السنة الإيرانية (نيروز)، ولم يحالفني الحظ في أن أجد وكيلاً يتبنى ذلك، وبالتالي من الصعب أن أجد ناشراً. الكثير من دور النشر في الولايات المتحدة لن تبحث في موضوع نشر الكتاب إذا لم يكن لدى المؤلف وكيل".
تتابع "كان واضحاً أنني إذا لم أجد إمكانية لنشر كتاب للأطفال عن "نيروز"، فلن أجد ناشراً لكتاب للأطفال يتحدث عن فلسطين وثقافاتها ومعالمها التاريخية والدينية. أنا أعيش في الولايات المتحدة منذ مدة، وكأكاديمية أعرف الحروب التي تخاض ضد كل كتاب ينشر عن فلسطين ويحمل نظرة مختلفة تخرج عن التيار السائد".
أسّست باشي دار نشر خاصة بها، وقامت بحملة تبرعات (كراود فاندينغ) لنشر الكتاب. وتشير إلى أنها تلقت دعماً واسع النطاق من بنات وأبناء الجاليات الفلسطينية، ليس فقط في جمع التبرّعات لطبعه ونشره، بل كذلك بعد نشره. وتؤكّد في هذا السياق أن هذا الدعم كان حاسماً لنشر الكتاب واستمرار صدوره، ونفدت أول ثلاث طبعات من الكتاب خلال أشهر. كما تشير إلى أنها تشاورت مع أكثر من شخصية أكاديمية من أصول فلسطينية حول حيثيات الكتاب.
وعن الهجمة الشرسة التي تعرّضت لها هي والكتاب حتى قبل قراءته، تقول: "لا أنكر أنني لم أتوقع هذا الكم من الهجمات والمستوى المتدني، على الرغم من معرفتي الجيدة بالأوضاع في الولايات المتحدة وقوة اللوبي الصهيوني وداعميه. هذه الهجمات العنصرية كانت مؤلمة. لقد تم تهديدي بالقتل ومهاجمتي وملاحقتي. لن يصدق البعض هذا الكلام، ولكنه موثق عن طريق الرسائل وتعليقات الفيسبوك وغيرها. ولكن إذا تركنا هذا الأمر جانباً وفكرنا في الأمر، فسنلاحظ أن الأيديولوجية الصهيونية وداعميها تقف على أرضية مهتزة جداً. كل هذه الزوبعة حدثت لمجرد صدور كتاب أطفال يشير إلى فلسطين بالاسم ويتحدث عن ثقافتها".
تهمة كتاب باشي الرئيسية هي أنه تعامل مع فلسطين ووجودها كأمر طبيعي. يتنقل الكتاب بين الجغرافية الفلسطينية، ومدن كبيت لحم والقدس، كما يعرّج على الحديث عن رموز الثقافة الفلسطينية الأساسية، كالكوفية ومفتاح العودة والدبكة والكنافة النابلسية، ويعرّف الأطفال بها. وصاحبت الكتاب رسومات للفنانة الإيرانية غولروخ نفيسي أعطته دفعة شيقة. وتنوهّ باشي هنا: "رغبت كذلك في أن يربط الأطفال الأميركان ثقافتهم وأعيادهم بفلسطين كوطن. فعيد الميلاد هنا مهم جداً، ومن الضروري أن تربط مدن كبيت لحم والقدس والناصرة بأصلها الفلسطيني".
تقول باشي إنه وعلى الرغم من كل ردود الفعل السلبية، إلا أن هناك العديد من الأميركان من غير العرب الذين شعروا بذهول لكل تلك الجلبة التي صاحبت صدور كتاب للأطفال كل ذنبه أنه يحمل كلمة فلسطين. وتأمل أن يفتح هذا أعين الأشخاص غير المسيسين من أهالي الأطفال. يذكر أن هذا الكتاب لن يكون الأول أو الأخير في سلسلة من الكتب تعرّف بجوانب مختلفة من ثقافات المنطقة وبلادها وتركز على مبادئ العدالة الاجتماعية والتوعية الهادفة المرتبطة بالتسلية والتعليم.