اختتمت اليوم في مدينة الطارف الجزائرية، فعاليات الدورة الثامنة من الملتقى الدولي حول المفكر الأممي، المارتنيكي الأصل، فرانز فانون (1925 - 1961). وحضر الملتقى ابن فانون بالتبني، الذي قال إنه مستعد لتقديم أرشيف غير معروفٍ إلى الجزائر، يمكّن الباحثين من معرفة زوايا إضافية من فكر صاحب "معذبو الأرض".
آمن فرانز فانون بأنّ فكرة التحرّر من الاستعمار، هي حركة ذات طبيعة عنيفة تتخذ أشكالاً متعددة، أهمها المقاومة الثقافية. هذه القناعة استمدها فانون من تجربته الشخصية، هو الطالب الأسمر القادم من جزر المارتنيك المستعمرة الفرنسية منذ القرن السابع عشر، وقد كانت الإهانات التي تعرّض لها من طرف أساتذته في كلية الطب بمدينة ليون الفرنسية، بسبب لون بشرته، مدخله إلى دراسة الفكر الكولونيالي الذي قال عنه إنه يهدف إلى تشييئ تصوّر المستعمَر عن نفسه.
يقول الباحث لونيس بن علي، أستاذ النقد الثقافي في جامعة "بجاية"، إن فانون دشّن حقلاً جديداً في نقد الاستعمار، وتأثيراته النفسية على المستعمَرين. وكان أكثر ما حفّزه على المضي قدماً في نضاله، هو ظاهرة "التمييز العنصري" التي كانت من الأسباب التي قوّت فيه هذه العزيمة.
وأضاف بن علي بأنه على الرغم من تأثر فانون بالتحليل الماركسي، وبعض مؤلفات فلاسفة فرانكفورت، إلاّ أنّه لا ينظر إلى الصراع باعتباره حتمية لصراع طبقات اجتماعية، بل يوسّع مجال ذلك الصراع، ويخرجه من إطار الطبقية، إلى العلاقة المانوية بين المستعمِر الأوروبي والمستعمَر. "فالاستعمار بقدر ما يساهم في إرباك التوازنات النفسية لدى المستعمَرين، فهو أيضاً يعمل على تعليب المستعمَر، ليس كعامل في الحقول والمصانع فحسب، بل تعليبه في الخطابات أيضاً".
في كتابه "العام الخامس للثورة الجزائرية"، يقدم فانون بحسب بن علي، تحليلاً سيكولوجياً للوضع الاستعماري، وتأثيره على سلوكيات الجزائريين، خاصة دراسته عن دور التقنية، ممثلة في جهاز الراديو، في العملية الاستعمارية، ومدى تأثيرها على النسيج الاجتماعي والثقافي للجزائريين، ثم كيف تحوّلت إلى وسيلة لمعايشة الثورة وأطوارها.
وتحدث الباحث إسماعيل مهنانة أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة "قسنطينة"، مجيباً عن تساؤلنا عن مدى تثمين الجزائريين لكتابات صاحب "بشرة سوداء/ أقنعة بيضاء" اليوم، عن علاقة فانون المباشرة بالثورة الجزائرية، التي جعلت الاهتمام اللاحق به يتركّز على الاحتفاء بشخصه رمزياً، بعيداً عن الاشتغال على فكره. "لقد تنبّه فانون إلى "عُسر الثقافة" الذي كان يُلمّ بالمجتمعات المُستعمَرة وحذّر من الانزلاق في الكثير المطبّات بعد الاستقلال السياسي، منها عقدة النقص الناتجة عن موقع الثقافة، والتي أنتجت ما أسماه فانون شرخاً كولونياليأ قسّم العالم المعاصر إلى مستعمِرين ومستعمَرين".
وأضاف مهنانة لـ "العربي الجديد" أن الملاحظات الدقيقة التي عبّر عنها فانون في عمره القصير، كانت الأساس الفلسفي للدراسات ما بعد الكولونيالية، ونظرية النقد الثقافي التي تعرف الآن ازدهاراً كبيراً في الجامعات الغربية، وهي النظرية التي لا وجود لها في الجامعات الجزائرية، إلا في بعض الدراسات القليلة. "فبقدر ما انتقد فانون المركزية الغربية، انتقد أيضاً استكانة المحلّيين إلى محلّيتهم، وثقافتهم الفولكلورية التي اختزلت صورتهم، ونمّطتها في كليشيهات المستعمِر عن المستعمَر".
وقد عرض الملتقى شريطاً وثائقياً للمخرج نور الدين زحزاح، رصد المحطات الفكرية والنضالية للمفكر التحرري العابر للأزمنة، والسياقات التي أدّت به إلى أن يصبح واحداً من المناضلين ضدّ التمييز العنصري، ومنها مساهمته الكبيرة في الثورة الجزائرية.