وهكذا ظهر للعلن فرانسوا فيون آخر، بعد لقائه مع نيكولا ساركوزي وبعض القيادات القريبة منه ومن خطه اليميني المتشدد، فقد نصحه ساركوزي بـ"ألا ينعزل، وبأن يكون مرتاحاً، وأن ينصت إلى محيطه"؛ ففي خطابه مساء أمس الأربعاء في مدينة مارني-لي-كومبيان، والذي لوحظ فيه تشابه مع حملات ساركوزي المنفعلة، وإبراز للعضلات في القضايا الأمنية، توجَّه مرشحُ اليمين والوسط نحو الشرائح الأكثر يمينية من ناخبيه، بعد تصريحاته النارية، قبل يومين، في جزيرة لاريونيون، أمام ممثلي المجموعة الإسلامية، حيث توعَّد بمواجهة "التطرف الإسلامي" بالمزيد من العلمانية.
ويبدو أن فيون استمع جيّدا لانتقادات رجالات ساركوزي، كـ"سيوتّي وإيستروزي" فكشف عن التزام جديد، لم يَرِدْ من قبل في برنامجه؛ وهو خفض سن الرشد الجنائي إلى 16 سنة، رغبة منه في تغيير القانون الذي يعود إلى سنة 1945. جدير بالذكر أنّ هذا المقترح سبق للرئيس نيكولا ساركوزي أن وَعَد به ولم ينجح في الوفاء بوعده.
وفي هذا الإطار، قال فيون مُستحضرا مختلف المناوشات بين رجال الشرطة والمتظاهرين بعد الاعتداء على الشاب ثيو في مدينة "أولناي-سو-بوا"، والمستمرة في كثير من المناطق، منها حيّ باربيس في قلب باريس، إن "المقنَّعين الذين يقذفون رجال المطافئ ليسوا متمردين، بل أوغاد. إن الذين يطلقون رصاصات حية على الشرطة متوحشّون"، ولكي يتم وضع حد لهذه الفئة، يقترح فيون "خفض سن الرشد الجنائي من 18 سنة إلى 16 سنة"، إضافة إلى "توفير ظروف ملائمة في السجون لاستقبال 16 ألف وافد جديد".
وفي ردّ سريع، عبّر مسؤولون قضائيون عن استغرابهم لهذا المقترح، الذي يقيس سنّ الرشد باكتمال الجسم وتضخم العضلات، معتبرين أنّ الإنسان ما بين سن 16 و18 مفتوح على كل التحولات، لأن المراهقة ليست بالأمر الهيّن. في حين اعتبرت نقابات حراس السجون أنّ الأمر غير مُجْد وغير واقعي، مشيرة إلى أن السجون الفرنسية تضم 69 ألف سجين رغم أن طاقتها الاستيعابية 60 ألفا فقط. ورأى أحد مسؤولي هذه النقابة أن آثار وُعود فرانسوا فيون بـ"توفير 16 ألف مكان في السجن" لن تظهر قبل عشر سنوات.
وفي إشارة إضافية إلى تحول فرانسوا فيون، نحو الموضوعات والقضايا التي يركز عليها اليمين المتطرف، والتي جعلت من مرشَّحته، مارين لوبان، في كل استطلاعات الرأي، الفائزة الكبرى في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، التقط كلماتٍ من تصريح للمرشح إيمانويل ماكرون لمنبر إعلامي في الجزائر، وصف فيها الاحتلالَ الفرنسي للجزائر بأنه "جريمة ضد الإنسانية"، وبأن هذا الاحتلال "بربرية حقيقية"، فقد انتقدها، وهو الذي رفض من قبل تقديم أي اعتذار عن مختلف الاحتلالات الفرنسية، إذ قال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "نعم، كانت ثمة تعذيب في الجزائر، ولكن كانت ثمة أيضا انبثاق دولة وثروات وطبقات متوسطة...". واعتبر فيون تصريحات ماكرون "غير جديرة بمرشح لرئاسة الجمهورية"، ورأى أن "هذه كراهية تاريخنا، وهذا الندم الدائم غير جدير بمرشح لرئاسة الجمهورية".
وتأتي هذه التصريحات في وقت أعلنت فيه النيابة العامة المالية الفرنسية، صباح اليوم الخميس، مواصلة تحقيقاتها المتعلقة بطبيعة الوظائف التي شغلتها بينولوبي فيون وابناها، والتي لا تزال تحوم شكوك حول حقيقتها. وهذا القرار الذي انتقده محامو فيون، بقوة، معتبرين أن هذا الجهاز القضائي غير مخول له التحقيق في هذه القضايا، يتيح للمحققين أن مواصلة تحقيقاتهم ومواجهة الشهود بعضهم البعض.
وهذا الاستمرار في التحقيقات يعتبره فرانسوا فيون، الذي تمنحه مختلف استطلاعات الرأي المرتبة الثالثة، وهو ما يعني غيابه في الدورة الثانية، شوكة في حملته الانتخابية الباهتة، والتي لا تكشف عن حماس كبير حتى لدى أنصاره.