محاور مختلفة تناولها الأكاديمي والكاتب الفرنسي فردريك لونوار في محاضرته التي عقدت مساء أمس في "ستوديو الفنون" في باريس تحت عنوان "المرح والسعادة"، وهي من المواضيع المفضلة عند المحاضِر الذي وضع أكثر من أربعين عملاً ما بين كتاب ومقالة ودراسة، من بينها كتابه "عن السعادة.. رحلة فلسفية".
بدأ لونوار حديثه بشكل عام حول حب الحياة التي نملكها وإعطائها معنى، متسائلاً ماذا ننتظر من السعادة وعلى ماذا يعتمد تحقّقها، وهل هي حالة ذاتية وهل يمكن أن تكون موضوعية، هل ينبغي البحث عنها، أو صناعتها وهل يمكن للسعادة والمعاناة أن يتعايشا معاً؟
وللإجابة على هذه التساؤلات بدأ لونوار بتناول الفلاسفة والمفكرين والشخصيات الدينية والمتصوفة شرقاً وغرباً، ممن خاضوا في موضوع السعادة.
تطرّق صاحب "روح العالم" إلى عدّة تجارب من بينها بوذا، واسقراط والألماني إيمانويل كانط (1804-1724)، والفرنسي فرانسوا فولتير (1694-1778)، والصيني تشونغ تسو، والهولندي باروخ سبينوزا (1632-1677)، والكاتبة الهولندية إيتي هيلسم (1914-1943).
يلفت لونوار أن تفكير الفلاسفة الغربيين في السعادة بدأ يتضاعف مع عصر التنوير، مشيراً إلى عدد من الأطروحات التي ناقشت السعادة كحق من حقوق الفرد، يقول "جرى اعتبار فعل السعي إلى السعادة جزءاً من الديمقراطية، وترافق ذلك مع عطش جماعي إلى تقدّم المجتعات وبالضرورة تحقيق سعادتها وبالتالي تحقيق سعادة الفرد فيها".
يذكر مؤلف "ألم الأرض" عدّة حالات تاريخية جرى فيها وضع السعادة في بيانات حقوقية ودستورية بصفتها حق لكل إنسان يعيش في هذه الدولة أو تلك، من ذلك إعلان الاستقلال الأميركي عام 1776 الذي اعتبرها حقاً أساسياً من حقوق المواطن الأميركي.
لكن الأمر لم يستمر هكذا مع وصول الغرب إلى المجتمعات الصناعية، حيث تطوّر مع تزايد طلب السعادة نقد فلسفي وثقافي لهذا السعي، ولمصير المجتمعات الساعية إلى المادية بهدف تحقيق حاجات يومية، فيما تغيب الحاجات الروحية ويقلّ حضورها شيئاً فشيئاً مع سعار الاستهلاك واللهاث وراء المكانة.
يتساءل صاحب "قوة البهجة" من هو شيطان العصر في ذلك الوقت؟ ويجيب إنّه كان ممثّلاً في البرجوازية الساعية إلى الراحة والسعادة، إنه العصر الذي كتب فيه فلوبير إلى لويس كوليه يقول: "أن تكون غبياً وأنانياً وبصحة جيدة: هذه هي الشروط الثلاثة اللازمة لتحقيق السعادة، لكنك إن فوّت الشرط الأول فإنك ستفقد كل شيء".
يتحدّث لونوار أيضاً عن الماركسية ورؤيتها للسعادة وانتقادها لاستغلال الجماهير واغترابها، وعن الفرويدية التي ترى في السعادة حالة هروب وظاهرة اندفاعية لاشعورية.
أما النصف الثاني من القرن العشرين وبعد أن بدأت اليوتوبيات الكبرى تثبت عقداً بعد عقد إخفاقها في تحقيق سعادة الفرد، تلك التي أوحت للإنسان بربط مصير سعادته بالمستقبل الجماعي، عادت مسألة السعادة الفردية إلى الظهور من جديد، أول مرّة في الستينيات في فرنسا، وبدأ فلاسفة يفكرون أكثر في سعادة الفرد ووهم الجماعة من بينهم بيير هادو، ومارسيل كونش، وميشيل أونفري، ولوك فيري.